قيمنا تحدد
طبيعة مشكلاتنا
أنها قصة الملازم ثاني هيرو
أونودا الضابط في الجيش الياباني من مواليد 1922 والذي التحق بالجيش الياباني عام 1942
وخضع لتدريب الكوماندوز ليتخرج برتبة ملازم ثاني كضابط إستطلاع ، تم إستدعاءه من
قبل قائداه الرائد يوشيمي تانيغوتشي وتاكاهاشي ليبلغاه بإنه مع عدد من الجنود
سيرسلون الى جزيرة لوبانغ الفلبينيه لمساعدة الحامية المحليه هناك ، وقبل مغادرته
قال له الرائد تانيغوتشي "يمنع عليك الإنتحار ويمكن أن تستمر مهمتك من 3 ـــ
5 سنوات وأفهمه بأنه من الممكن أن يضطر الى تناول جوز الهند فقط وأن عليه وجنوده
بإن لا ينهون حياتهم إختياريا "، أرسل بتاريخ السادس والعشرين من ديسمبر من
العام الف وتسعماية واربعة واربعون الى جزيرة لوبانغ في الفلبين ، وبعد وصولههم
الى هناك بفترة وجيزة قصف الطيران
الأمريكي الحاميه ولم يتبقى سواه ومعه ثلاثة جنود فقط وهما شيمادا ، كوزوكا
وأكاتسو حيث نظموا طريقة بقاءهم على قيد الحياة وقد طبق التعليمات بحذافيرها وإعتاشوا على ما
تجود به الغابه من الموز والمانغو وجوز الهند وما يسرقوه من القرويين من الأرز أما
بالنسبة للحوم الشحيحه فهو كانوا يحصلون عليها إن صادفوا ثورا ضائعا فيقومون بذبحه
ويتمتعون بالأكل منه لأيام ويجففون ما يتبقى من لحمه في الشمس لإستعماله لاحقا .
قاتلوا ونصبوا الكمائن للدوريات
الأمريكيه في المنطقه ونفذوا الهجمات على القرى المواليه للأمريكيين ، وفي أغسطس
من العام 1945 عثروا على منشور من عدة سطور أصابهم بالذهول وملخصه "إنتهت
الحرب منذ 15 أغسطس ، إنزلوا من الجبال" وقد تشاوروا فيما بينهم متسائلين هل
من الممكن أن يكون الأمبرطور قد خسر الحرب ، وإتفقوا فيما بينهم بنفي ما قرأوه
للتو وإعتبروا أن ما وجدوه ما هو الا خدعة ليجعلهم يستسلمون ويقعون في الأسر ،
وتتكرر واقعة عثورهم على منشورات القاها الأمريكان في نهاية عام 1945 ولكنها موقعه
هذه المرة من قائد الجيش الياباني الرابع
عشر ياماشيتا يعطي فيه الأوامر لمقاتلي المقاومة الأخيره في الغابة بإلقاء أسلحتهم
لكنهم لم يصدقوا كل ذلك وكذلك لم تكن الصحف وما تضمنته من الصور الفوتغرافيه ولا
رسائل ذويهم التي تركت لهم في الغابة ولا
وصول بعض أقاربهم الى الغابة لم تكن تدعهم يصدقون أيضاً .
في سبتمبر من العام 1949 هرب أحد
الجنود الثلاثة الذين معه وهو أكاتسو وترك رفاقه وظل تائها في الغابة لستة شهور ثم
إستسلم للجيش الفلبيني وأبلغهم بإن هناك ثلاثة آخرين من رفاقه لا زالوا موجودين في
الغابة وقد أجبر على كتابة رسالة لرفاقه لإقناعهم بتقليده لكنهم إعتبروا ذلك فخا
وواصلوا القتال ، وفي مايو 1954 إشتبكوا مع دورية كانت تبحث عنهم فقتل شيمادا وفر
أونودا وكوزوكا دون أن تتزحزح قناعاتهم ، وفي عام 1972 بينما كانا يحضران لحرق
محصول الأرز في قرية بإعتبارها قرية معادية فاجأتهم دورية فلبينيه فقتل كوزوكا .
أرسلت بعثات جديده للبحث عنه
ولكنها عادت خالية الوفاض وكان أول من أستطاع العثور عليه وكسب ثقته هو هيبي فاشل
يدعى نوريو سوزوكي والذي حط على جزيرة لوبانغ عام 1974 وظل يتجول في الجزيره ولا
يحمل سوى حقيبة ظهر حتى عثر على أونودا وقص عليه كل ما آلت اليه الأمور وأبلغه
أونودا بإنه بإن سيوافق على الإستسلام شريطة أن يأتيه أمر من قائده في ذلك الوقت .
قبل سوزوكي التحدي وعادر الى
اليابان وبمساعدة السلطات تمكن من العثور على الرائد تانيغوتشي والذي أصبح بائعا
للكتب وأقنعه بالذهاب معه الى جزيرة لوبانغ حيث تم اللقاء المؤثر وقد إرتدى
تانيغوتشي لباسا عسكريا قديما يعود الى تلك الحقبه وتلى عليه أمرا عسكريا بوقف
القتال حيث أصيب أونودا بالذهول مما سمع ويكاد لا يصدق بإن اليابان قد خسرت الحرب
وكيف يمكن أن يكونوا عاجزين لهذا الحد ، ولم لا يصدق أنهم خسروا الحرب منذ أول
منشور قد عثر عليه ، وتذكر صديقيه الذين قتلوا تحت إمرته وثلاثون فلبينيا قام
بقتلهم خلال تلك الفتره .
يعود أخيرا الى اليابان ويستقبل
أستقبال الأبطال وإجريت معه عديد المقابلات الصحفية والإذاعية والتلفزيونيه ولكنه
لم يكن ليتحمل صدمة التغيير الكبير الذي حدث في بلاده الذي تركها قبل ثلاثون عاما ،
حيث وجد أمه من الأشخاص الهبيين وبلده تعج بالأشخاص الفارغين والنساء المتهتكات
بملابسهن الغريبه وحينها واجهته الحقيقه التي لا مفر منها (لم يكن لقتاله أي
معنى !إن اليابان الذي قاتل من أجلها لم تعد موجوده) لقد مزقته لحظة الإدراك
هذه أكثر مما فعله الرصاص طيلة حياته ليغادر اليابان مصابا بالإكتئاب الى البرازيل
ويصبح مربيا للماشيه في زاوية نائية هناك ولم يعد الى اليابان حتى مطلع الثمانينات
ليتزوج وينشأ معسكر للمراهقين الذين يودون الإنغماس في الطبيعه حتى وافته المنيه
في العام 2014 عن عمر ناهز اثنان وتسعون عاما .
(إنتهت
القصه ومعظم ما جاء بها هو منقول عن مجلة لبوان le point الفرنسيه التي كتبتها عند عودته لليابان عام
1974)
أن الكلمة المفتاحيه في هذه القصه
والتي أوردها أيضا مارك مانسون في كتابة فن الامبالاة هي القيم التي يضعها
الإنسان لنفسه وأن هذه القيم هي التي تدفعنا الى تقبل المعاناة الناشئة
في سبيل تحقيقها وفي نفس الوقت الإستعداد لتقبل التعامل مع كافة المشكلات المتوقعه
سلفا وبإختيار شخصي لحظة إختيارنا لقيمنا الذي نسعى لتحقيقها ومن هنا بقي أونودا
يقاتل الى ما بعد أنتهاء الحرب العالميه الثانية وحتى العام 1974 بناءا على تعليمات تلقاها من قادتة قبل 30
عام تقضي بإعاقة تقدم قوات الولايات المتحده وعدم الإستسلام لأي سبب كان ...وهي
القيمة التي حكمت سلوكه طيلة هذه الأعوام دون أن يعلم شيئا عن إستسلام بلاده ،
ورغم كل المحاولات والمنشورات التي القيت في تلك المنطقه الا أنه لم يصدقها
وإعتبرها بمثابة أكاذيب أمريكيه ، وعلى الرغم مما حملته هذه القيمة من معاناة ،
وان الشيئ الوحيد الذي حرره من هذه القيمه ووضع حدا لمعاناته وسلسلة المشاكل التي
سيبقى تحت وطئتها هو فقط حضور مسؤوله المباشر الى الأدغال وتلاوته عليه أمر وقف
القتال مباشرة .
تضمنت هذه القصه قيمة ثانية
مختلفه وضعها لنفسه الهيبي الفاشل (نوريو سوزكي) حيث وضع له قيمة وهي العثور على هيرو أونودا الذي بات أسطورة في
اليابان ، وسافر الى أدغال جزيرة لوبانغ في الفلبين وهو يعرف مسبقا طبيعة
المشكلات التي سيواجهها والمعاناة المحفوفه بالمخاطر الجسيمه الا أن وبإصرار عثر
على أونودا وتمكن من إقناعه بعد أن عجزت دول بكل إمكانياتها من تحقيقه ، وبلا يأس
يعود ثانية الى اليابان ليعثر بمساعدة السلطات على الضابط تانيغوتشي الذي أعطاه
الأمر قبل 30 عاما ويعود بمعيته ثانية الى جزيرة لوبانغ ليلقي عليه أمر وقف القتال
وجها لوجه .
تضمنت هذه القصه وصفا دقيقا
لمفاعيل إنهيار القيم التي يضعها الأنسان لنفسه حيث تصف حالة اونودا بعد عودته الى
اليابان وبات أكثر إكتئابا مما كان عليه في الأدغال لأن حياته هناك كانت مقابل شيء
على الأقل أما وقد عاد ووجد بلده وما حدث بها من تغيرات حيث باتت أمه من الأشخاص
الهبيين والفارغين والنساء المتهتكات وملابسهن الغريبه وحينها واجهته الحقيقه التي
لا مفر منها (لم يكن لقتاله أي معنى ! إن اليابان الذي قاتل من أجلها لم تعد
موجوده) لقد مزقته لحظة الإدراك هذه أكثر مما فعله الرصاص طيلة حياته ليغادر
اليابان الى البرازيل وينزوي لمدة ستة سنوات هناك في تربية الماشيه ويعود الى
اليابان مجددا ليتزوج ويحاول صناعة قيمة جديده لحياته تتناسب مع المستجدات
المحيطه بإنشاءه معسكرا للمراهقين الذين يودون الإنغماس في الطبيعه معتمدا على
تجربته الشخصيه التي عاشها لثلاثون عاما .
يقول مارك مانسون في كتابه فن
اللامبالاة بإن هناك قيم جيده وقيم سيئه ويعرّف القيم الجيده بإنها القائمه على
أسس واقعية وبناءه إجتماعيا وهي آلية قابلة للضبط وبعكسها تماما القيم السيئه ، وأن
هناك خمسة قيم تخالف الحدس المألوف وهي أكثر القيم التي يمكن أن يتبناها فائدة
وقادرة على تغيير حياة المرء :ـ
1ـ تحمل المسؤولية عن كل
شيء في حياتك بصرف النظر عمن هو ملوم
2ـ اللايقين بمعنى إقرارك
بجهلك وممارستك الشك الدائم في ارائك ومعتقداتك
3ـ الفشل والإخفاق بمعنى
الإستعداد لإكتشاف أخطاءك ونقاط ضعفك حتى تكون قادرا على تحسينها
4ـ الرفض بمعنى القدرة على
أن تقول كلمة لا وعلى أن تسمعها أيضا
5ـ تأملك في حقيقة أنك لست
خالدا وبقاء المرء منتبها بإنه سيموت
خلاصة القول إن مشكلاتنا تضيف الى حياتنا إحساسا بالمعنى والأهمية
ومن هنا فإن إخفاء مشكلاتنا أو تجنبها يعني أن وجودنا لا معنى له ويعزز هذا القول
ما قاله فرويد "عندما تستعيد ذكرياتك في يوم من الأيام يفاجئك أن سنوات
المشقه كانت أجمل سنوات حياتك"
أنتهــــــــــــــــــــــــــى
.....
تعليقات
إرسال تعليق