سردية المقاومة وشرنقة المقدس
لم تكن زلة لسان حين صرح رئيس المكتب السياسي
لحركة حماس السابق خالد مشعل " بإن خسائرنا كفلسطينيين هي خسائر تكتيكيه وأن الخسائر
الإسرائيليه هي خسائر إستراتيجيه " ولم تكن كل المحاولات التي جرت من قبل ذات
الشخص أو منظري حركة حماس لاحقا لتصويب أو تعديل أو شرح هذه التصريحات الصادمة
للجمهور الفلسطيني والعربي والعالم بأسره كافية لردم التداعيات التي أحدثتها
بالرأي العام وذلك لسبب بسيط بإن هذه التصريحات لم تكن معزولة عن سياقات مختلفه
وإنما جاءت منسجمه مع تصريحات مماثله من ذات الشخص أو أشخاص بمستواه أو أدنى منه وكذلك
على لسان العديد من المحللين السياسيين والعسكريين والمعلقين على الأحداث من
المؤيدين لهذا التيار والذي أصطلح على تسميته بمحور المقاومة من فلسطين الى لبنان
وسوريا والعراق واليمن وإنتهاءا برأس محور نظام الولي الفقيه في طهران ، فلطالما
رددوا تصريحات تضمنت عبارات بأشكال وقوالب لفظيه مختلفه ولكن مؤداها واحد ووحيد
بإن حرية الشعوب وخلاصها من الإحتلال تتطلب دماء وضحايا وما النموذج الجزائري
والفيتنامي إلا نموذجان قريبان العهد يتم إستحضارهم على الدوام للتعمية على مآلات
الحاله التي أوصلت هذه الحركات شعوبها اليها دون معرفه بعدم تشابه النماذج
المعروضه من قريب أو بعيد للحالة الراهنه سواءاً أو الفلسطينيه أو اللبنانيه .
إن هذه التصريحات ومثيلاتها من أقطاب هذا
المحور تعيد الى الأذهان سلسلة من المشكلات تعاني منها حركات المقاومة الأصوليه
عموما وأذرع هذا المحور خصوصا والمنطلق الأساسي لكل هذه المشكلات هو التأصيل
الفكري النظري لهذه الحركات ومنطوق سرديتها والذي ينعكس على مجمل توجهاتهم ومحاكاة
الواقع المحيط بهذه الحركات مما يجعلهم أسرى العيش في شرنقة مستحكمه من المقدس وأن
الخروج من هذه الشرنقه هو بمثابة درب من دروب
الخروج عن المقدس ويعني فيما يعنيه سقوط أصل وجودها وشرعية بقاءها ولهذا
فهي تؤثر إستحكام شرنقة المقدس بكل ما فيها من وقائع لا تلامس رحابة الواقع
ومتغيراته الدائمه ، فنراها منفصلة عن محيطها وواقعها والذي تراه بعينها رؤي العين
ولكنها تحيله الى تفسيرات لا صلة لها بالزمان والمكان ولا القدرات أيضا ، لتقفز
فوق الحقائق على الأرض وتحلق في غيبيات لا يمكن قياسها للمحافظة على متطلبات
المقدس والذي كان صالحا في غابر الزمان ولا يمكن أن يكون صالحا دائما وأبدا
لمعالجة الواقع الراهن ، وبعد ما تقدم يمكننا إيجاز أبرز مظاهر هذا الإنفصال عن
الواقع الذي باتت هذه الحركات أسيره له بما هو آت :ـ
1ـ الشعور بالإستحقاق الفائض عن
الحاجة :ـ
عندما تفوض هذه الحركات نفسها
وتضمّن أدبياتها إحتكار الحديث الحصري بمنطوق السماء فسوف يمتلك قادة وجمهور هذه
القوى شعورا فائضا بالتميّز والإستقواء على الآخرين بل معاديا نحو الرأي الآخر وإن
كانوا شركاءهم في الوطن فلغة التكفير والتخوين منفلتة من كل عقال لديهم فما تفعله
هذه الحركات وما تقرره في كل زمان هو الصواب بعينه وعلى مجمل المكونات الأخرى
للمجتمع أن تتبع كل ما يقرره وتتحمل كافة تبعاته عمياء صماء بكماء والا ستكون قد
وقعت في رجس المس بالمقدس ومنطوق السماء .
2ـ عدم القدرة على المراجعة :ـ
كما أنه من المستحيل أجراء مراجعة
لمنطوق المقدس فإن من يتبع وينطلق من المقدس من المحظور عليه أجراء مراجعات لقضايا
ذات تأصيل ومنطلق مقدس وسلاح نظام الفتوى الدينيه حاضر دائما لتطويع مقتضيات المقدس
وترجمته الى محظورات وهو بهذا المنطق بات غير قادر على إجراء مراجعات ذات مغزى
وتراه عند الإقتراب لمعالجة مثل هذا النوع من القضايا في حالة من التلعثم
والإرتباك بل يلجأ لتحميل وزرها لمركبات مجتمعية أخرى وإن إنتفع بمزاياها على
قاعدة أن الضرورات تبيح المحظورات .
3ـ تعريف الهزيمه والنصر :ـ
لا يوجد للهزيمه مكان في قاموس
هذه الحركات فهو المنتصر دائما وفي كل الأحوال فالنصوص الدينيه حاضره فهما بلغت
الخسائر على صعيد البشر والحجر ومهما كانت التراجعات ومهما حقق الخصم من سيطره على
الأرض فهو في تعريف المقدس المنتصر دائما ، أمّا أن تكون الأهداف الذي تم الإعلان
عنها عند الدخول في هذا الفصل أو ذاك من الصراع كمرجعية لتقييم الإنتصار والهزيمه
فلا وجود لها في أدبيات هذه الحركات ، والفتوى جاهزة للتعمية على هذا الإعتراف وإحالته
الى طلاسم وغيبيات وعوامل خارجيه لا صلة لها بالواقع وهكذا دواليك .
4ـ عدم الحساسيه لخسائر المدنيين
:ـ
أن كل الخسائر التي لحقت وقد تلحق
بالمدنيين هي آخر ما تفكر به هذه الحركات بل على العكس من ذلك تماما ، فكلما كانت
الخسائر في صفوف المدنيين أكبر فهي تعتقد أنها ماده لإستدامة الصراع الذي تخوضه
ووضع المجتمع برمته في دوامة لا تنتهي من الفعل ورد الفعل ، أما المدنيين فقد فعل
معروفا لا يقدر بثمن لكل من لحق به ضرر فقد حجز لمن غادر الدنيا مقعدا في الجنة أما من
بات عاجزا فله من الأجر الوفير في الآخره وهكذا وببساطه شديده فقد أبرئ ساحته من
أية أثمان مستحقه .
5ـ الإنكار :ـ
إن الإنكار صفه ملازمة لكافة
الحركات الدينيه وأن لديها من القدرة الفائقه على مراكمة مستويات لا تنفك وتزداد
علوا من إنكار الحقائق والوقائع والتي يعرفها القاصي والداني متجاوزة حقيقه أساسيه
أن أي مجموعه بشرية لا تمتلك القدره على الإعتراف الصادق بحقيقة الأشياء وتسميتها
بأسماءها فلن تكون قادره على المضي قدما نحو تحقيق أهدافها لإن إنكار المشكله لا
يعني عدم وجودها وستنكشف الحقائق بعد محاولة إخفاءها ومراكمتها الى فضائح مدوية
ستأخذ في طريقها الحقائق قبل الأكاذيب وما تم إنكار وجوده سيبدو ساطعا وأن
المراهنه على الذاكره القصيره للجمهور لن تجدي نفعا .
6ـ الإفراط في إستخدام تكنولوجيا
الإتصالات :ـ
وجدت هذه الحركات ضالتها
بتكنولوجيا الإتصالات للترويج للمحتوى الدعائي الفكري والعملياتي ومداعبة أحلام
وتطلعات البسطاء بصناعة محتوى دعائي وردي لا يمت في كثير من الأحيان للواقع بأي
صله مما خلق فجوة عميقه مع ما يتم تداوله
عبر العالم الإفتراضي من جهة وحقائق الميدان وما يشاهده الناس على الأرض من جهة
أخرى ناهيك عن تربع أعداء هذه الحركات على رأس هرم هذه التقنيات مما أتاح لهم
وبقدرات إستثنائيه إختراق العالم الإفتراضي لهذه الحركات وأحدث بها شروخا عميقه
ومؤثره للغاية .
7ـ الإنتقائيه في رصد للإعلام
المعادي :ـ
بجهل مطبق باتت هذه الحركات أسيرة
للإعلام المعادي والذي يمتلك من التقنيات والإمكانيات ما يفوق قدرات وإمكانيات هذه
الحركات بدرجات فهي في مواضع لا تعد ولا تحصى تراها في حالة بحث محموم تلتقط من
هذا الإعلام ما يشير الى هذه الحركات بالقوه والعظمة والتفوق والإنجاز وأن كان سما
قد تم دسه بالعسل وفي ذات الوقت تحاول التعمية والتقليل من شأن ما يصدر عن هذا
الإعلام من حقائق وأن كانت معروفه للقاصي والداني .
أن مجمل المشكلات الموصوفه أعلاه
هي حالة مواكبة لكافة حركات المقاومة التي عرفتها بلدان العرب ، ما إندثر منها ومن
لا زال على قيد الحياة والتي أستوطنت وإزدهرت في ظل الفوضى السياسيه التي تعاني
منها بعض الدول العربيه والمصنفه الآن كدول فاشلة ، وما لم تصحح هذه البلدان
مسارها وتخرج عن النمط المألوف وتتخذ قرارات شجاعة في وضع حد لهذه الحركات
وتجريدها من السلاح الذي بين أيديها في المدى المنظور وبعد كل ما جرى في المنطقه
العربيه ـ فستبقى هذه الدول تراوح في المكان وتسقط من حفرة الى حفرة أخرى أكثر
عمقاً وإيلاما وصولا الى التفكك التام فالإندثار المؤكد من التاريخ .
تعليقات
إرسال تعليق