في جزيرة العميان الأعور هو الملك
كانت
الجزيرة عام 1996 وكان معها مشروع الفضاء الإعلامي الحداثي العربي الأول ، في ظل
فضاء إعلامي في غالبية الدول العربيه مملوكا للدولة ، وفي وقت كان فيه المواطن
العربي الذي يود الإستماع الى رأي مختلف ، فقد كان يذهب للبحث عنه لدى إذاعات
الغرب ، من قبيل مونت كارلو الفرنسيه والبي بي سي البريطانيه وغيرها ، وفي توقيتات
أيضا فارقة متتالية ومتزامنة ، تمثلت بحرب
الخليج الأولى عام 1990 وإنطلاق عملية السلام العربي الإسرائيلي عام 1992 ، وتوقيع
إتفاق أوسلو 1993 ، إتفاقية وادي عربة عام 1994 ، الإنقلاب الأبيض للإبن حمد على
والده خليفة عام 1995 ، فتح مكتب رعاية المصالح الإسرائيلية في قطر عام 1996 ، ويجب
أن يكون حاضرا في ذهن السادة القارئيين ، بإننا أمام ظاهرة إعلامية بإذونات
وتصاريح عمل وتمويل تأسيسي تجاوز 150 مليون دولار من دولة قطر والتي هي دولة المقر
أيضا ، ومن هنا فإننا بلا شك أمام ذراع إعلامي ضخم لدولة صغيرة تم تأسيسه بعيدا عن
الإعلام الرسمي للدولة ، وكان لا بد من الخوض في تحليل هذه الظاهرة بموضوعية وفهم
إن كانت عبارة عن شاشة ومشروع لدولة تسعى للعالمية بالحضور والنفوذ ، مستفيدة
من من التغيرات الدولية ؟ أم هي شاشة
ومشروع دولي يوظف الدولة وإمكانياتها لخدمة المشروع الأكبر ، ستستفيد منه قطعا
الدولة في إطار لعبة المصالح وتقوية النفوذ ؟ وربما
يسأل سائل وما هو الفرق إن كان مشروع دولة أم مشروع دولي ما دام سيحقق في نهاية
المطاف الحضور والنفوذ للدولة ؟ وللإجابة علية لا بد من الخوض في البحث عن
الأطراف الدولية المشاركة بالمشروع وما هي الأهداف بعيدة المدى لها ، وهل كانت هذه
الأهداف هي ذات الأهداف للدولة أم لا ؟ وهنا يكمن أصل الحكاية من بدايتها الى
نهايتها .
في السادس
والعشرين من يناير للعام 1995 فما كادت تقلع من مطار الدوحة الدولي طائرة خليفه بن حمد الأب حاكم قطر مولية وجهتها صوب
سويسرا في رحلة إستجمام ، حيث كان ولي عهده الأمير حمد على رأس مودعيه حتى يصار
الى تنفيذ مخطط الإستيلاء على الحكم من قبل ولي عهده ، ويعلن عبر التلفزيون الرسمي
للدولة بإنه بات الحاكم لدولة قطر وأن والده بات من الماضي ، يرفض والده هذا
القرار وتصطف الى جانبه عدة دول عربية علانية منها مصر والسعوديه والإمارات
والبحرين ، بإعتبارها خطوة تعبر عن أدنى
الأخلاقيات في الحكم والسياسة ، الا أن للقصة وجه آخر وبإجماع العديد من المطلعين
على السياسة الدولية ، فهو ليس مجرد إنقلاب إعتيادي لشهوة في السلطه ، فهو الوريث
الفعلي للحكم بحكم أنه يحمل مسمى ولي العهد ، ولكنه كان بقرار أمريكي واجب التنفيذ
جاء في أعقاب رفض أمير قطر إقامة قاعدة عسكرية جوية كبرى للولايات المتحدة على
الأراضي القطرية ، بإعتبارها حاجة إستراتيجية أثبتتها حرب الخليج الأولى على
العراق وفي إطار التحضيرات في وزارة الدفاع الأمريكية لحرب الخليج الثانية لإسقاط
نظام صدام حسين الذي خرج عن عصا الطاعة الأمريكية وبات تهديدا إستراتيجيا للولايات
المتحدة وأهم حلفاءها في المنطقة (اسرائيل) وتجرأ على إطلاق الصواريخ على إسرائيل
، فالتصور الأمريكي لمنطقة الخليج والشرق الأوسط لم يتطابق مع رؤية حكام الخليج
التقليديين ، ففي حين كانت رؤية قادة الخليج تقتضي إخراج صدام حسين من الكويت
وينتهي الأمر عند ذلك الحد ، فقد كانت الرؤية الأمريكية بإن بقاء صدام حسين على
رأس الحكم في العراق ، سيجعل منه قوة مهيمنه في الخليج وسرعان ما سيتمكن من ترميم
قدراتة بفعل ثرواته ، وسيعود في وقت وجيز ليكون قبلة الجماهير العربية التواقة لمن
يقودها ، الأمر الذي لن يكون مسموحا به بالسياسات الإستراتيجية للولايات المتحدة ،
ومن جهة أخرى فهي رسالة لحكام الخليج أولا ، ولبقية المنظومة العربية ثانيا ، بإن
التغريد خارج السرب الأمريكي هو خط أحمر ، والا فستكون التغييرات القادمة على ذات
النحو الذي حدث في قطر ، ومن داخل البيت وليس من خارجه ، وهذا ما كان سيكون عليه
الحال في كامل المنطقة ، وباتت هذه الدولة بقيادتها الجديده ركيزة أساسية في مشروع
التغيير في المنطقة ، فهي تطفو على بحر من الغاز والنفط ، ولن يكون المشروع الكبير
بحاجة لعظيم التمويل فهناك من هو على إستعداد لتمويله من بابه لمحرابه في مقابل أن
تصبح هذه الدولة خيار آخر لمنافسة دولة الأحلام الناشئة على الجانب الآخر من
الخليج العربي (الإمارات العربية المتحده) والذي لا يربطها ذلك الود في تنافس
العائلات الحاكمة في الخليج العربي .
إن
المشاريع الكبيرة والترويج لها كان بحاجة دوما لذراع ناعم جذاب لتسويقها ، فالنظم
التقليدية في المنطقة العربية وتركيبتها وأجهزة إعلامها هي بكل تأكيد قاصرة عن أداء
هذا الدور ، ومن هنا فقد وجد هذا المشروع ضالته بهذا المشروع الإعلامي الضخم
ومشروع الجزيرة الإعلامي ، بحيث يكون قادرا على التسلل لكل بيت بسهولة ويسر بلا
معيقات ، وبهذا فلا بد أن يلبي ثلاثة
ركائز أساسية تشكل قواسم مشتركة في المزاج العام للشعوب الناطقة بالعربية وهما * الإلتصاق
بقضية العرب والمسلمين الأولى وهي القضية الفلسطينية ،* الإبتعاد عن النظم التقليدية العربية الرسمية
وسبر قضاياها ، *مدى الإقتراب من القيم الدينية الإسلامية بإعتبارها المحرك الأساس
لكل قضاياهم ومعتقداتهم ، ولما كانت هذه العوامل الثلاث لا يمكن تمثلها وجمعها الا
في حالة واحده منظمة فريده من نوعها في الوطن العربي وهي في حالة حركة الإخوان
المسلمين العالمية فقد باتت الحاجه لهم ليكونوا إحدى الدعائم الأساسيه لهذا
المشروع الكبير وذراعه الإعلامي الناشئ على شواطئ الخليج العربي ، وقد بات تبادل
المصالح هو حالة مواكبة لهذا المشروع منذ نشأته ، الأمر الذي أوقع الصدام الحتمي
مع غالبية النظم العربية ، وإغلقت شاشتها في عديد من الدول العربية ولأكثر من مرة
لأنها باتت تشكل معول أساسي لإضطرابات مجتمعية واسعة النطاق في هذه البلدان .
بدأ هذا
المشروع العمل وبدأت يعج بكل المتناقضات السياسية من كل حدب وصوب ، فما بين مشاركة
شمعون بيرس بإفتتاح هذه القناة وفتحها على مصراعيها للمحللين الإسرائيليين وبين
نقل وتمجيد العمليات التفجيرية في وسط تل أبيب وبث بيانات المقاومة ، ومن الركوب
على ظهر البوارج الأمريكية ومواكبة قصف العراق لإسقاط نظام صدام حسين الى مقتل أحد
مراسليهم بقصف أمريكي في العراق لإسقاط نظام صدام حسين ، ومن بث مقابلات وبيانات
القاعدة والزرقاوي والبغدادي ومواكبة أفعالهم الإجرامية كجهة موثوقة لهم ، ومن
تعظيم شأن حزب الله ومقاومته البطولية الى الحط من شأنه في سوريا ومناصرته لنظام
بشار الأسد ، ومن الإندفاع في تغطية ما أطلق علية ثورات الربيع العربي ، ومن تغطية مسيرة شارك بها العشرات مضادة لإجراء
قامت به السلطة برام الله الى حجب صورة لمسيرات شارك بها عشرات الاف في شوارع
الخليل وجنين تؤيد إجراءات تقوم بها السلطة ، وهكذا دوليك حتى باتت الفوضى الخلاقه
ومشروع الشرق الأوسط الكبير تفوح منها حتى أزكمت الأنوف .
لم يكن دور
الجزيرة كذراع إعلامي بارزا كما هو عليه الحال في الموضوعات المتصله بالقضية
الفلسطينية ، فمنذ الأيام الأولى لهذا المشروع فقد أفردت المساحة الأكبر في هذه
التغطية لرؤية حركة الأخوان المسلمين وذراعها الفلسطيني (حركة حماس) ، مما أثار
عدة إشكاليات مع عمل هذه القناة وتوجهاتها ، فلم تترك شاردة أو واردة من شأنها
المس بمصداقية السلطة وتوجهاتها السياسية الا وسلطت الأضواء عليها مما أثار حفيظية
الرئيس الفلسطيني في حينه ياسر عرفات وتم إستدعاء ممثليها في فلسطين لجلسات حوار ومطالبتها
بضرورة التوازن في نقل الخبر وضرورة تفهم خصوصية الوضع الفلسطيني ، وقد تم إثارة
الموضوع في مراسلات ولقاءات على أعلى المستويات مع القيادات القطرية ، الا أن كل
هذه المحاولات ذهبت أدراج الرياح ، وصولا للإنقلاب على السلطة الوطنية الفلسطينية
في قطاع غزة ودعمه بشكل واضح والتعمية على ممارسات قامت بها حماس جهارا نهارا ، نقلتها
كافة وسائل الإعلام الأخرى مما قطع الشك باليقين بإننا أمام ذراع إعلامي يقع تحت
سيطرة حركة الأخوان المسلمين العالمية ، لا سبيل لإيجاد أية صيغة للقاء معه في
منتصف الطريق .
كشفت الحرب
الأخيرة وفي كافة فصولها وبشاعتها وطول مدتها على عدم قدرة هذه الشبكة الإعلامية
على الحفاظ على أي شكل من مجرد رتوش للحيادية ، فأحتلت المساحة المخصصه للتغطية من
حركة الأخوان المسلمين ، لأن مشروعهم الأخير للحكم في الوطن العربي بات على المحك ،
فإنفجار الصراع الأخير بمسمى طوفان الأقصى بكل ما له وعليه وباتت هذه الشبكة
الناطق الرسمي بإسم حماس ورؤيتها ومحلليها العسكريين والسياسيين وقد بات المشروع
المصمم ليكون جسر عبورهم للحكم في الوطن العربي هو معول نهاية آخر أماكن الحكم في
الوطن العربي ، وقد كان أول المنسحبين من المشروع الذي لم يعد يلبي أي من رؤيتها
لمستقبل المنطقه هي دولة الإحتلال ، وكان القطع مع المشروع الإعلامي حتميا وترجم
بإغلاق مكاتبها في فلسطين ، وبات القطع مع دولة المقر له حتميا أيضا بإنتظار
إنتهاء مفاوضات الرهائن .
توقف الة
الحرب في لبنان بأوضاع كارثية المت بحزب الله ، ويتبعه سقط نظام الأسد في سوريا وبشكل
دراماتيكي ، وكل هذا كهزات إرتدادية لما حدث في غزة ، لتنتقل الشاشة والصورة من المحور ومراكبه
الغارقة ، الى سوريا والترويج لحكامها
الجدد ، وتحتل مساحة التغطية اليومية وبلا أي توازن أيضا ، وكأن المشاهد التي
تنقلها وسائل الإعلام الدولية وأحداث المحافظات السورية لم تحدث أيضا ، والذي
سيترجم ولو بشكل غير معلن عن القطع مع أطراف هذا المحور بالتلميح حينا والتصريح في
أحيان أخرى ، الا من طرف واحد وهو جوهر المشروع وهم الأخوان المسلمين الذين وبسرعة
غير مسبوقة قفزوا من مركب الأسد وحلفاءه الغارقه الى مراكب القادمين الجدد ولو
بتقديم أوراق الإعتماد علها تقبل من حكام سوريا الجدد ، بضغط الحاجه الى إنسياب
الأموال القطرية .
عودة على
بدء يحط هذا المشروع في فلسطين وعلى آخر ما تبقى منها يتنفس نوعا من حياة في الضفة
الغربية ، لتصطف خلف مجموعة مسلحه خرجت عن كل ما يمكن إستيعابه في الحالة
الفلسطينية ، وكأن كل ما حدث في غزة والمنطقة برمتها لم يكن كافيا لإيقاظهم من
غيبوبة الهذيان ، الى عالم الواقع ، والكعادة تبث لهم السرديات والبيانات ولا ترى
على بعد مئات الأمتار عشرات الالاف من المحتشدين الذين يقولون لهم كفى ، فكانت
النقطه التي أفاضت الكأس على مدى ثلاثة عقود ، من العبث بالحالة الفلسطينية ، وكان
القرار بوقف بث القناة في فلسطين .
خلاصة
القول :ـ
·
عندما يكون الثمن بخسا في مقايضة قضايا أمة بتظيم بطولة
لكأس العالم والجلوس في منصات التتويج لتوزيع الجوائز والهدايا فأعلم بإنك قد وصلت
جزيرة العميان وحاكمها الأعور .
تعليقات
إرسال تعليق