القائمة الرئيسية

الصفحات

 



كل شيء عادل في الحب والحرب

عبارة أعجبتني لما تحمله من تناقض مثير للدهشة ، وتعبر تعبيرا صادقا عما آلت اليه أحوالنا ، وبحثت مطولا عن أصلها بحرفيتها لأردها اليه لتتحقق العدالة ، ولكن لم أجد الا مقولة للشاعر الأمريكي جون ليلي " قواعد اللعب النظيف لا تنطبق في الحب والحرب" ولذا قررت محركات البحث أن تنسبها اليه .....ولا ضير في ذلك بما أنه ينتسب لبلاد منشأ محركات البحث ، وبلاد من يقرر السلام والحرب ، كحال التناقض المثير للدهشة في صيغتنا المنظورة .

 يوم التاسع عشر من يناير ، وبعد طول إنتظار لأربع مائة وواحد وسبعون يوما  ، صمتت المدافع وهدير الطائرات وحمم الموت وتطاير القذائف بكل الإتجاهات ، وبكل صور ومآسي صراع الحب والحرب وأساطيرها وخرافاتها ، وحتى آخر لحظاتها ، ليسدل الستار عن آخر خمسة عشر ضحية في الوقت الضائع ، بدعوى تأخر تسليم القوائم المنوي إخلاء سبيلهم لعدد من الساعات بلا سبب واضح ، ولو من باب عذر سيء أفضل من لا شيء ، ليفتتح فصلا جديدا من حرب جديده في صراع الحب والحرب وتنقل وسائل الإعلام المفتوحة الاف الصور ، عن بشاعة الحرب وعمق الحب والصراع الأزلي الدائر بينهم من يوم قتل قابيل شقيقه هابيل وحتى يومنا هذا ، وحروب الصورة التي تغني عن الاف الكلمات ، مع دخولنا لعصر الدلو ، عصر التغييرات الجارفه التي بشر بها علماء الفلك ، وإنتحلها المبصرين وقراء الكف والفنجان والتاروت واخواتها .

ذاك يجثو على ركبتيه وتطأ جبينه الأرض ساجدا لله شاكرا على نجاته وأسرته من موت لاحقه طيلة الوقت ، من نزوح الى نزوح وما بينهما من نزوح حتى بات لا يعرف كثيرا عن عددها  ، خائفا جائعا عطشا يجول الطرقات والأسواق المكتظه بالبشر والتي تفوق أعدادهم حبات الخضار المعروضه ، وبأسعار بحاجة الى ثروات لم تعد موجوده  ،إمتصها تجار الدم والموت بنهم عشاق الحب والحرب .

ذاك يبحث عن بيت أضاع ملامحه ، وسبل الوصول اليه يهتدي اليه أخيرا بعد عدة مقاربات ، من بيت فلان الى ملامح بقايا أطلال مئذنة مسجد أبقي عليها بفعل فاعل ، لتبقى شاهدة على عمق الإيغال في كي الوعي بأدوات الحب والحرب

ذاك يبحث عن أعزاء لا زالت بقايا من جثثهم محفوظة تحت أطنان الركام ، عجزت كل وسائل إنتشال الضحايا اليدوية عن إنتشالهم ، متسلحا بهمة لا تلين في مواراتهم الثرى لإكرامهم بعد مئة يوم أو مئتين يزيد أو ينقص فلا ضير في ذلك ، ليسدل الستار عن الفصل الأدمى في لعبة الحب والحرب .

ذاك يوزع الحلوى في جمهرة من الناس بخالص حسن النوايا ، لا يعرف الكثير عن أسباب قيامه بذالك أكثر من حالة فرح لبقاءه حيا ، فيصادفه الكثير من المارين قبالته الباحثين عن بيوتهم وجثامين أحبابهم ، فيتلقي التهاني والشتائم ، يعرف القليل عن سبب التهاني ولكنه بات يعرف الكثير عن سبب الشتائم ، والتي كان من أخطرها ما وسمته بعدم إحترام من فقدوا كل شيء ، والنتيجة أنه متهم في المشاركة في لعبة الحب والحرب .

ذاك يبحث بين الركام عن بقايا أدوات للطهي أو ملابس تستر أبدان أطفاله أو وثائق تثبت ملكية شيء لم يعد موجودا ، لعلها تعيد شيئا في قادم الأيام ، وبعد أن يعييه البحث عما تيسر ، فلا بأس ببعض الأخشاب بما كان يسمى يوماً بأثاث منزل أو بقايا سرير أو حطام مائدة طعام لم تتمكن آلة  الحرق بعد الموت من الإتيان عليها في لعبة الحب والحرب .

ذاك كهل مخضرم عاصر النكبتين وما بينهما ، موليا وجهه شطر الشمال المدمر ، يتكأ على عصاه وبالكاد تقوى رجلاه على حمل بدن أعياه المشيب ، يقف بين هنيهة وأخرى ليتأمل هول المشهد من حوله بين مصدق وغير مصدق ، يتحسبن حينا ، ويستغفر حينا آخر ، ربما يعرف أكثر من غيره ، عن لعبة الأمم الدائرة على ما تبقى من أرض الآباء والأجداد وكيف وصل به الحال لأن يغادر المشهد  ، ولم تستدل الستارة بعد عن آخر فصول لعبة الحب والحرب .

في لعبة الحب والحرب يعرف كل هؤلاء كيف إبتدأت وكل يومياتها ، بل كل ساعاتها ودقائقها وثوانيها ، ولكنهم لا يعرفون شيئا عن مآلاتها ، غير الأمنيات والتي لو كانت خيولا لركبها  هؤلاء المعذبون في الأرض لينجو بأنفسهم محلقين الى زمن آخر ومكان آخر ، تَعَقَل به أباطرة لعبة الحب والحرب .

في لعبة الحب والحرب لم يغفل أباطرتها ومقرريها عن الإعداد الجيد للحظة توقفها ، وارسال الرسائل بالصور عن القوة والأنفه وكل ما يلزم باليد العليا والسفلى ، فمنذ صبيحة هذا التاريخ ،حرص طرف الصراع الذي أطلق شرارة الطوفان ، على تأخير تسليم قوائم الرهائن المنوي إخلاء سبيلهم ، سير مواكب عربات الدفع الرباعي الذي تمكن من إخفاءها عن كاميرات طائرات الإستطلاع ، يعتليها عشرات المسلحين بزيهم العسكري ، الذي إحتجب عن الصورة لشهور طويله ، نشر أفراد الشرطة في مفترقات الطرق ، أجريت المقابلات الموجهة مع عشرات المحللين العسكريين والسياسيين لغرض إظهار القوة وإستعراضها في أبهى صورها ، أعد مسرح تسليم ثلاث من الرهائن بعناية ليكون بين الاف المحتشدين من الصبية والفتيان التي تم جمعهم على عجل وبموكب عسكري مهيب ، لم تخلو عملية تسليمهم من كل الرمزيات ، فمن إستخدام الأجهزة المحمولة لتوثيق لحظة تسليمهم للجنة الدولية للصليب الأحمر ، الى تحميل المخلى سبيلهم الهدايا التذكارية ، وكل هذه الرسائل الموجهة للداخل والخارج على حد سواء ، لم تكن الدفعه الثانية للتبادل الا أكثر إيغالا بالرمزيات ، حيث أتيح الوقت الكافي لمنظميها لصناعة كل الرمزيات الممكنه ، وتحميلها في هذا اليوم ، حيث اريد لها أن تكون حديث السياسة والسياسيين ، تلخصها جملة واحدة مفادها " بفشل أهم أهداف الحرب المعلنة ، وأنه لا زال الحاكم الفعلي عسكريا وسلطويا لغزة وإن كانت مدمرة ، وأن اليوم التالي للحرب هو يومه بإمتياز ، وأنه سيكون أحد المقررين الأساسيين به ، هذا إن لمن يكن المقرر الوحيد به " .

لم يخلو المشهد على الطرف الآخر في حرب الصورة من الرمزيات اللازمة أخذا للإعتبار حصافة الدولة ، فمن تأخير موعد إبتداء الهدنة ردا على تأخير تسليم القوائم وصورة الدموية التي قصدها بعينها ، الى المقابلات مع الساسة المتبرمين من الصفقه بإن الحرب لم تنتهي بعد ، الى الرسالة المتلفزة لرئيس حكومة الأساطير بالتزامه بتحقيق أهداف الحرب وتلقيه وعود من إدارة ترامب وبايدن على حد سواء بذلك إذا لم تلتزم حماس ببنود الإتفاق ، الى منع أي مظهر من مظاهر الإحتفال للأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية والذي خرجوا على غير هيئتهم حتى ما بعد منتصف الليل ، ولكن الرد سيكون أقسى هذه المرة مع الدفعه الثانية للتبادل ، فبعد أن رفع الطرف الآخر من من جرعة ايلامه بحرب الصورة ، فقد قرر الرد بصورة أكثر ايلاما وهو بحشر مئات الالاف من البشر المتجهين من جنوب غزة الى شمالها بدعوى عدم تسليم أحدى الرهينات المتفق عليها حتى ولو تم إستبدالها بما هو أعلى قيمة في التراتبيه الإجتماعية لدى حكومة الأساطير ، ولكنها صناعة الصورة والإيغال بها .  

في زحمة إحتشاد الصور تستدير قوات الإحتلال بثقلها العسكري نحو الضفة الغربية لتبدأ بتكثيف عملياتها العسكرية فيها وعلى نحو خاص في شمالها ، بعمليات تضييق واسعة النطاق على حركة المواطنين ، لترسم مشاهد من سيل من طوابير السيارات يمتد لكيلومترات ، يتخلله كل مشاهد تعمد الإيذاء والإذلال على الحواجز ، إقتحامات يومية للمدن والقرى ، إعتداءات واسعة النطاق للمستوطنين  ، صور لمشاهد بدأت تتكون ولا تخلو من الرسائل التحذيرية ، مفادها بإن الضفة الغربية على أعتاب مشاهد قاتمة ، اراد لها طرفي الصراع في الشق الجنوبي من الوطن نقلها الى الضفة الغربية ، كل له أهدافه الآنية وبعيدة المدى ، بإعتبارها ساحة الصراع الأساس وما حدث في غزة  بكل فواتيرها الثقيله ما هو الا تعبير عن حالة الصراع الجاري في شمالها ، فمن أطلق الطوفان يعتقد بأن نقل الصراع هنا فيه تعزيز للسردية والرواية وتوزيع لأحمال الأعباء وإضعاف لما تبقى من هياكل سلطة ، له معها حسابات تتعلق باليوم التالي في غزة ، غير آبها الى ما قد تتدحرج اليه التداعيات الجارية والمتصاعده ، أما بالنسبة للطرف الآخر في الصراع الجاري فهو تأكيد للصورة التي رسخها منذ زمن بإن الضفه الغربية باتت خارج أي نطاق للتداول السياسي في إطار حل الدولتين ، فهي لن تكون وفي أحسن الأحوال سوى جزر مقطعة الأوصال ، ستبقى تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية ، بعد ضم الجزء الأكبر منها لدولة الأساطير ، فلا قدس ولا دولة متصلة الأراضي والحدود ، ولا تفكيك للمستوطنات ، ولا سيادة كاملة بمطلق الأحوال ، وسمها بعد كل ذلك ما تريد ، وحتى وإن لم يرق الأسم الذي تختاره لها ، فلنا حق الإعتراض الحصري على تغييره ، وحتى لو صنعنا لهذه الغاية من يقبل إعتراضنا على مجرد التسمية ، فهل من يقبل المنازلة والتحدي وفقا لهذه الشروط  .

في لعبة الحب والحرب يقيم ساكن البيت الأبيض مهرجان شعبيا لم تعرف التقاليد الأمريكيه نظيرا له ، تحضر فيه لعبة الحب والحرب بكل تجلياتها حين تم دعوة العديد من ممثلي عائلات الرهائن المحتجزين في غزة لمهرجان الرسائل والصور ، ليقول لهم لولا قوتي وجبروتي لما كان هناك إتفاق ، وأنه هو الملك المتوج للتو لإجمال نتائج لعبة الحب والحرب ، وتتوالى التصريحات عن ضرورة إفراغ غزة من سكانها  لدول الجوار وفتح ورشة بناء كبرى بها وإعادة هندستها بطريقه عصرية تمحي أي أثر لذاكرة اللجوء .

في لعبة الحب والحرب الجارية حتى الموت يقف العابثين بالحياة أمام سؤال وجودي وهو ، وبعد كل هذا الموت والدمار كيف السبيل للإنفكاك من المشهد الراهن ؟؟ وهل طرفا معادلته الراهنه يعلمان بإنهم كحكام  للأمر الواقع بكل تفرعاته في غزة من جهة ، وبنيامين نتياهو وحكومة أساطيره في إسرائيل من جهة أخرى ، باتوا من الماضي في يقين صناع القرار الدولي؟؟ فهما غير صالحان لإعادة ترتيب أوراق منطقة الشرق الأوسط ، وأنهما باتا يقاتلان للدفاع عن وجودهما ، وإن إدعيا غير ذلك وهم يتجهزان لديمومة الصراع وليس إنهاءه فنهايته تعني نهايتهما معا وليس غير ذلك .

خلاصة القول :ـ

لم يكن هتلر الا محبا بل عاشقا للرايخ الألماني ، فخاض حربا أتت على المانيا عن آخرها ، وتسبب في قسمتها لفترة طويلة من الزمن ، ولم يكن إمبراطور اليابان الا محبا لليابان ، فأتى عليها عن آخرها  ، وإضطر صاغرا لإرسال وزير خارجيته لتوقيع وثيقة إستسلامها ، وكان هذا هو الحال دائما مع كل النماذج البشرية وقادة الصراعات في العالم ، والتي خاضوها بطريقة الإستحواذ وجنون العظمة ، وقد غفلوا عن حقيقة بشرية  تقول "إن من الحب ما قتل" ، فأشعلوا حروبا  بشغف زائد  لأوطانهم فأودت بأوطانهم وشعوبهم  وكل مقدراتهم ، إن الصراعات البشرية الكبرى على مستوى الأفراد والجماعات ان لم تأخذ بعين الإعتبار أسوء الإحتمالات الممكنه وتقدير عواقب كل خطوه تخطوها ، فعليها أن تتجهز لتحمل كافة تبعات " لعبة الحب والحرب" فهي ستكون عادلة بكل الأحوال والأوقات .

أنتهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى .......

 

       

 

 

 

 

تعليقات