القائمة الرئيسية

الصفحات

 





الحرية وسط المعاناة خير من الراحة تحت القيود

هو قانون الشيطان التي دارت حوله كل الفلسفات الفكرية المحكومة بالمقدسات ، فالوجود البشري على كوكب الأرض إبتدء بلعنة ، كانت في أساسها كبر فعناد فإنكار قادت الى عصيان أمر من خلق كل شيء ، رفض للعيش في نعيم الجنه بكل خيراتها محكوما ، وإختيار مكابدة الشقاء عى الأرض حاكما ، فكانت أول جريمة قتل عرفتها البشرية ، وجريمة زنا عرفتها البشريه ، فنفي في واد ليس به زرع ، فأول السجون وأول عملية دفن عرفتها البشريه ، فطوفان وخسف للأرض فتيه بعد رفض رسائل رب السماء لسكان هذا الكوكب ، ورسائل الهداية والطمأنينة ، فلعنوهم وكذبوهم وقتلوهم وصدقوهم فقط حين خاطبوا غرائزهم الشريرة بإنهم أفضل من وجد على وجه هذا الكوكب ، ووعد بعودتهم للسماء في حياة أخرى لمن لم ينخرط في موبقات الأرض ، لإلتهام خيراتها بعد أن ألتهموا خيرات الأرض ، ونيران مستعرة لمن يصر على البقاء في موبقاتها ، وما أن يغيبوا عنهم حتى يعودوا سيرتهم الأولى ، ويطوعون ما أتى به مبعوثوا السماء اليهم وفق ما يناسب غرائزهم الشريرة ، وتشريع القتل والزنا والسرقه عندما يمتلكون القوة وبإسم المقدس ، والملائكية والدعوات للخالق عندما لا يمتلكون سبيلا للقوة وبإسم المقدس أيضا .

شرعت القوانين من المقدس تارة ومن التجارب البشرية على وجه الكوكب تارة أخرى وفي جوهرها مبنية على القوة وسبل إمتلاكها وتشريع الحقوق بقدر ما تمتلك من وسائل لترسيخها ، فأراضي الغير ومعتقداتهم وأسلوب حياتهم تبقى مستباحه الا إذا كانت لديها قوة مانعة تحميها  ، قوة مبنية على وسائل التدخل المباشر أو الردع المبني على مشاهدات لتجارب الآخرين أو صناعة التحالفات والإنخراط بالمحاور ، أو إمتلاك الأسلحه الفتاكة ، فالهيمنه الإقتصادية ، الى هيمنة الإعلام ، فالإفساد بالمخدرات أو الإغراق بالجنس وهكذا دواليك ، كلها ممارسات شيطانية مورست منذ الأزل ولا زالت حتى يومنا هذا ، حتى باتت شرعة الحياة الحديثة لكافة المجتمعات البشرية على وجه الكوكب ، تغلف بقوالب فضفاضة مزخرفة وبشعارات منمقة ، ولكنها في نهاية المطاف تلخص حقيقة أن التجمعات البشرية ومفكريها دائمي البحث عن مصادر لإستدامة هذه القوة وسطوتها لتحصين نفسهم وحماية مصالحهم أولا ، على قاعدة أن الأسوار الجيده تصنع جيران جيدين وتوسعتها بقدر ما تسمح لها أدوات القوة الجديده التي يمتلكوها على قاعدة أن القوة هي الحق ثانيا وثالثا وأخيرا ، وبغير ذلك فالعيش والبقاء على كوكب البؤس يصبح ضربا من الأماني والتي لو كانت خيولا لركبها المتسولون والضعفاء وحققوا كل ما يشتهون .

من أكبر الملاحم التاريخيه التي شهدها العالم هي الحرب العالمية الثانية بكل أهوالها  فقد كانت ترجمة نصية لكل ما تقدم حصدت أرواح الملايين من البشر والمتحاربين على حد سواء ، ورسمت خرائط العالم الجديد بموجبها ، وتفككت أمبرطوريات وقسمت أراضيها على المنتصرين بالحرب ، انشئت ممالك جديده وفسيفساء جديده للعالم بأسره كانت بلاد العرب والمسلمين أولى ضحاياها فخضعت للإستعمار والإنتداب وكل أشكال التعسف البشري ، ومنذ ذلك الحين والعرب والمسلمين في متاهة كبرى وسؤال وجودي بين عدة مدارس للتفكير فما بين إنهيار مؤسسة الخلافة الإسلامية ومحاولات الدعوة لإعادة إحياءها بإعتبارها الحل الأمثل لحياتهم وما بين نقيضها على الطرف الآخر بتحميل هذه الخلافة وكل ما يدعو لها مسؤولية التخلف والهزائم وما بينهما من دعوات للقطرية والإنكفاء على الداخل لحل مشاكله ، فظهرت العديد من الظواهر التي أحيت في نفوس الجماهير وحدة الحال والمصير فمن جمال عبد الناصر الى صدام حسين الى الخميني وما بينهما الكثير من هذه الظواهر ولكنها بمجملها أجهضت تماما لسبب بسيط جدا ، هو أن أي مشروع وحدوي قائم على أساس ديني أو قومي سيصطدم مباشرة بمصالح قوى مهيمنه في العالم لن تسمح بمروره ولديها من الوسائل لذلك الكثير ، مباشرة أو بتفعيل وسائل وتناقضات داخلية تصطدم مصالحها به مباشرة ، وهي لا حصر لها في العالم العربي والإسلامي على حد سواء .

إربعة وخمسون عاما من حكم عائلة الأسد لسوريا ، وهو الفصل الأطول في حياة السوريين ، كانت أكثر من كافيه ليقول غالبية السوريون كفى ....ولنتخذ لنا مسارا آخر ، فلم يبقى في حياتهم شيئا واحدا من الممكن أن يشجع السوريين على البقاء على ذات المسار ، لقد سقطت خلال هذه السنوات منظومات دولية وتغيرت تحالفات ولم يعد هذا النمط من الحكم يتلائم مع لغة العصر ، لقد تغير في جوار هذه البلد كل شيء تقريبا ، قد يختلف الكثيريين في تقييم تجربة هذه العائلة في الحكم الا انها إنتهت الى ما أنتهت عليه من هروب بشار الأسد في جنح الليل الى صقيع روسيا ، بطلب لجوء إنساني ولتضع خط بالأسود العريض على هذا التوصيف لإقامة رئيس سابق لدولة كانت تربطهم به وقبل ساعات فقط تحالفات كانت توصف بالإستراتيجية ، وهو إجراء كافي ليؤكد بإن طبيعة التحالفات بين الدول حينما تنتهي المصالح فهذا هو الحال الذي سينتهي الأمر بحكامها  .

بدأت سوريا الجديده وحكامها الجدد يتلمسون طريقهم نحو بناء دولتهم والذي يعيشون حالة من إرتياب الآخرين منهم ، نظرا لماضيهم الغير مشجع ، وسط إحتياجات كثيرة لها بغالبيتها عاجلة ، وملفات ثقيلة داخلية وخارجية تتعلق بشكل الدولة وعلاقاتها وتحالفاتها ....الخ ، لا زالوا يعيدون بناء منظومة متهالكه وعلى كل الصعد ليفاجئوا بتمرد عسكري إنطلاقا من مدن الساحل السوري ، من بيئة المكون الحاكم الذي سقط قبل قبل ثلاثة شهور ، لتكشف أحداث ثمان واربعون ساعة عن أحداث دموية وإنفجار مكنونات وغرائز أحقاد مكبوتة لسنوات ، لم تكن كل التجارب السابقه لتدفع بكل المكونات للقول كفى ولنتقدم الى الأمام ، فما نقلته وسائط التواصل الإجتماعي من مشاهد مفزعة من قتل في جبلة وطرطوس واللاذقية على يد المجاميع المسلحه التابعه للنظام الجديد ، لا تكاد تفرقها عن مشاهد سابقة إرتكبها النظام السابق الذي سقط لأجلها  في القصير وريف دمشق ، فمن حملوا مظلوميتهم الى العالم ليدافع عنهم باتوا اليوم في نفس دائرة الإتهام وبنفس التهم .

 يتحرك حكام سوريا الجدد بكل الإتجاهات للدفع بالتهم بعيد عنهم ، فأطلقوا العديد من الرسائل من خلال أعلى رأس النظام الجديد الى حلفاءه في المنطقة نظرا لكثافة التهم التي باتت تعصف بسمعة النظام الجديد كانت في غالبيتها موجهة للخارج ، فمن الإعلان عن لجان تحقيق مستقلة ، الى إجتماعات في جوار سوريا لبحث التداعيات ـ الى محاولة لمحاصرة التنديد الدولي واسع النطاق بما نقلته وسائل الإعلام ، ولكن وكما يقال فقد سبق السيف العدل ، فقد نجح المتهمين سابقا بإرتكاب ما يشتبه به كأعمال ترقى الى جرائم الحرب ، بإلصاق ذات التهمه بالصوت والصورة بحكام سوريا الجدد ، ليخلص المراقبون الحياديون في العالم بإننا أمام إرتكابات باتت من إحدى سمات كل المركبات المجتمعية في سوريا ، ومن جهة أخرى فهي ستخدم رواية حلفاء النظام السابق بإنهم كانوا على مدار إثنا عشر عاما يقاتلون محموعات دموية وإرهابية متعطشة للدماء والقتل ، فالهاربين من أبناء جلدتهم الى الحدود اللبنانية من النساء والأطفال من الطائفة العلوية ، قد حملوا معهم ذات الرسائل للهاربين الى الحدود التركية من الطائفة السنية قبل عقد من الزمن .

كانت هذه الحوادث هي الإمتحان الحقيقي الأول لحكام سوريا الجدد ، حيث إعتقد أن أوراق اللعبة باتت بيده ، وبأن بوابات الشرعيات العربية والدولية تفتح له تباعا ، ولم يكن يعلم بإن القوى الكامنه للمتضررين من كل ما جرى لم يرفعوا الرايات البيض بعد ، فمئات الالاف من الذين تم تسريحهم من المنتسبين للجيش وقوى الأمن والموظفين العموميين للنظام السابق باتت حياتهم وحياة أسرهم على المحك ، وباتوا قوه ضاربة في يد قوى إقليمية ضربت مصالحها بشدة مع عملية التغيير التي جرت في سوريا ، الأمر الذي حرك رأس النظام الجديد لعمل مقاربات سريعه وتقديم تنازلات جوهرية لقوى كانت يستعصي على النظام الجديد ضمها الى الدولة السورية الجديده ، فبشكل مفاجئ قام بتوقيع إتفاقية مع الأكراد وما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية ، ليتبعها بإتفاقية أخرى مع جزء من الطائفة الدرزية في السويداء ، حيث أن ما رشح من هذه الإتفاقيات هو أن يتم إستيعاب المجاميع المسلحة التابعة لهذه القوى في وزارة الأمن الداخلي ووزارة الدفاع وأن يبقى مجال عملها في مناطق نفوذها ، وذلك تحت سلطة محافظين ورؤساء للأمن وقادة قوات لهذه الأقاليم من هذه المناطق أو تحظى بوافقة هذه المجاميع عليها ، كما سارع الى إطلاق ما سماه الإعلان الدستوري من قبل لجنة معينة من ذات الحكام الجزء ، وبمعنى آخر حلول ترقيعية لثوب مهترأ .

خلاصة القول :ـ

لم يتعلم النظام الحاكم في سوريا الجديده من التجربة العراقية شيئا ، كما لم يتعلم من قبلهم الليبييين ولا اليمنيين شيئا أيضا ، فالجيوش وخلال عمليات التغيير الكبرى، إن لم تبنى على أساس وطني مهني خالص فلن يقدر لهذه البلدان الإستقرار مطلقا ، أما الحلول من قبيل إستيعاب مكونات بالجملة لضمان الهدوء ، فهي بمثابة حلول ترقيعية لن تجدي نفعا ، وقس على ذلك في كل أمور السلطة والحكم ، وإن إدعى كثيرون بإن العقيدة التي تعمل بموجبها الجيوش في الحالات المشار اليها غير منتظمة لناحية ترتيب سلم العدائيات ، فالموقف من إيران مثلا لدى الكثير من المكونات في أكثر من دولة من هذه الدول هو إما عدائي بالمطلق وإما صديق بالمطلق ، والإجابة عليه بسيطة وفق منطق التفكير المنطقي التي يجب أن يخضع له كافة منتسبي قوى الأمن ، متى يمكن تصنيف أي دولة ضمن سلم العدائيات ومتى تكون خارجها ، وهو بقدر تدخلها في الشأن الداخلي لهذه الدولة أو تلك ، هذا إن لم يستدعيها أحد المكونات أصلا لهذا التدخل لزيادة نفوذه على حساب الآخرين ، وهو ما يبدو عليه الأمر في المنطقة العربية برمتها حتى الآن ، ففلسفة الشيطان وإختياره الإستحواذ لحكم في الجحيم على خدمة في الجنة لا زالت هي سيدة الموقف حتى الآن .     

              

تعليقات