غُرابٌ أَضاعَ
مِشْيَتهُ فَأوشَكَ على الهلاك
شهيرة هي قصة الغراب الذي حاول أن يقلد مشية الحجل ففشل، وبعدما
اقتنع بفشله حاول أن يعود الى مشيته الأصلية فلم يستطع ، لأنه ولكثرة محاولته
إجادة مشية الحجل نسي كيف يمشي فيطير كغراب ، فصار يمشي مترنحا بين مشية الغراب
الذي نسيها ومشية الحجل الذي لم يجيدها ، بإختصار لقد أضاع الغراب مشيته الأصلية
ولم يستطع أن يقلد مشية الحجل ، فبات كائنا غريبا في فصيلة الطيور ، فلم يعد مرحبا
به في مملكة الغربان وهو كذلك جسما أكثر غرابة في مملكة الحجل ، ولكن النقطه
الفارقه في هذه القصه أن الغراب أدرك بعد فترة وجيزة خطأ قيامه بمثل هذه
التجربة الخطيرة فقرر التوقف في محاولة للرجوع الى مشيته الأساس ليقطع مع
تجربة شكلت تهديدا لبقاءه ، بغض النظر عن أسباب قيامه بهذه التجربة أصلا ليخرج من
عباءة مشيته ليقلد مشية كائن لا يشبهه هل هو الإعجاب بالمشية أم بالكائن صاحب
المشية أم بكليهما معا ، ولكنه تناسى سهوا أو قصدا بإنه لا يمكن الجمع بين
مشيتين لكائنين مختلفين بغريزيتين مختلفتين رغم أن كليهما من فصيلة الطيور ،
وهنا فقد وقع بأحد أهم المهلكات وهي الخروج عن النسق الغرائزي الذي تَكَوّنَ عبر
الاف السنين وبات أسلوب الحياة الأمثل للحفاظ على البقاء والمحافظة على النوع أيضا
(المصدر ويكيبيديا)
كان ياسر عرفات أول من زار ايران عام 1979 بعد نجاح ثورة الخميني
، حيث كان يظن أن حلفاءه المنتصرين الذين تلقوا منه الدعم والتدريب في لبنان
والذين باتوا حكام ايران حاليا سيكونون عونا له وأن يردوا له جزءا من الجميل لقاء
دعم كبير قدمه لهم ، ولكن ما شهده وما سمعه في أول مقابلة مع آيات الله الخميني كان مخيبا للآمال ، فلناحية
الجلسة أثناء اللقاء فقد أعدت المقاعد لتكون فيه من الدلالات ما يوحي بالأعلى
والأدنى ، أما لناحية
اللغه فقد إستعان الخميني بمترجم وهو الذي يجيد اللغة العربية تماما لإقامته في
العراق اربعة عشر عاما ، في إشارة الى التأكيد على الفروقات الإثنية والعرقية
والإعتزاز بها ، وهو ما يتنافى مع اصول الدين أساسا بإعتبار القرآن الكريم نزل بلسان
عربي ، أما لناحية السلوك القادم فهو الأقسى بكل تأكيد حين طلب الخميني منه بتغيير
المشية من الأساس حين طلب من ياسر عرفات الإعلان عن الثورة الفلسطينية كثورة
إسلامية وهذا ما رفضه بكل تأكيد على إعتبار أن النضال الفلسطيني هو نضال وطني وليس
صراعا دينيا بكل الأحوال ، ليختتم اللقاء بما يؤسس لإفتراق عميق الدلالات فكريا
وثقافيا أكدته مقولة الخميني بإنه وبصفته آيات الله الخميني فإنه يطلب من قيادة م.ت.ف
بالإعلان عن الثورة الفلسطينية كثورة إسلامية تحت رايته كولي فقيه وكخليفة
للمسلمين ، ورد ياسر عرفات الحسيني برفض أية تحولات ايديولوجية للثورة الفلسطينية
أو أية ولاية عليها لأحد ، حتى وإن كان آيات الله الخميني . (المصدر
المرحوم محمد الحوراني عضو المجلس الثوري لحركة فتح وآخرين)
في زيارة لأحد المتاحف في العاصمة الروسية عام 2016 ، برفقة عدد
من الزملاء على هامش دورة تدريبيه في تلك البلد الصديق ، حيث يخلد هذا المتحف مشاهد
تصويرية لما يطلقون عليه في الثقافة الروسية الحرب الوطنية العظمى
(الحرب العالمية الثانية) التقينا مصادفة في ذلك المكان بأشخاص يتلقون شروحات من
مرافقيهم الروس كحالنا ، لم نكن نعلم من هم وما هي جنسياتهم ، وإذا بأحدهم في مطلع
الخمسينات من العمر يقترب منا وبصوت مرتفع يوجه كلاما من قبيل عليكم أن تتعلموا من
المشاهد التي ترونها بدلا من طريق ما تسمونه بالسلام الكاذب الذي تسيرون به ،
وهكذا من هذه العبارات التي تحمل التخوين والتشهير ، مما يؤكد أنه يعرف تماما من
نحن وكان يقصد كل كلمة يقولها ، مما إقتضى الرد عليهم بعد أن عرفنا بإنه أحد أعضاء
وفدايراني عالي المستوى يزور موسكو ، وتدخل الأمن الروسي لمنع أن تخرج الأمور عن
السيطرة وأبعدونا الى زاوية بعيدة عنهم ، معتذرين لنا عن الإساءات التي تلفظ بها
هذا الشخص الإيراني ووعدوا بإنهم سيعالجون هذا التصرف الغير لائق مع بعثة ايران الديبلوماسية
، لأن لهذا المكان له خصوصية وحساسية لديهم ولن يسمحوا لأي كان بالمساس بمكانته
وحرمته ، هي حادثة لا تحصل في أي مكان بالعالم الا نادرا الا أن دلالاتها كانت
عميقة التأثير لمن أراد أن يبحر فيها ، فهي أول ما تعكس حجم التعقيدات الهائلة
بالعلاقات الإيرانية الفلسطينية أولا ، وثانيا حجم الإحتقان والتعبئة المضادة التي
يتلقاها العاملين بأجهزة الدولة الإيرانية ومؤسساتها ضد السلطة الوطنية الفلسطينيه
بل ضد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ، كما أنها أثارت حجم التداخل الإيراني
والشعور بالوصاية على القضية الفلسطينيه والذي
تفسره هذه الإندفاعه العاطفية لعضو
في وفد ، لم يقم وزنا للبروتوكولات ولياقة التعامل مع أناس لا يعرفهم ولم يلتقهم مسبقا
ولم يجادلهم أو يعطهم فرصة للنقاش أو الإستماع لهم . (المصدر
كاتب المقال)
بعد مرور كل هذه السنوات وأنت تقف اليوم على إطلال مشروع هلال
الركام والصدأ من غزة الى طهران لا بد أن تستحضر ذكرى ياسر عرفات ، وهو من أدخل
الى قاموس السياسة الفلسطينية مفهوم القرار الوطني الفلسطيني المستقل ، وكم دفع من
أثمان لقاء الحفاظ عليه ، فقضيه بحجم القضية الفلسطينية وحجم تعقيداتها وتقاطعاتها
وإلتباساتها مع القضية اليهوديه كأحد ثوابت السياسات الغربية ، فقد كان لزاما على أي قائد فلسطيني أن ينأى بها بعيدا عن كل
هذه التجاذبات الدينية ، فشعارات ثورة الخميني (المهدي المنتظر) القادم على متن
طائرة بوينغ فرنسية " الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل " كانت الوصفه
المثلى للإتكاء عليها من قبل تيارات اليمين المتنامي في اسرائيل والدول الداعمه
لها على إمتداد العالم الغربي وعلى رأسها الولايات المتحده الأمريكيه ، وقد
إستفادت من هذه الفزاعة حتى جعلت من المنطقه العربيه والقضية الفلسطينية ركاما
وحطاما ، فها هي غزة بعد أن أدخل أبناء جلدتنا (تنظيمات الإسلام السياسي) فكر
المهدي المنتظر اليها باتت طاردة للحياة ، وأما لبنان فحدث ولا حرج فسوريا فاليمن
فالعراق ، ولو قدر لهذا المشروع أن يستمر أكثر قبل مغامرة حكام الأمر الواقع في
غزة والذي إقتضى من دولة الأساطير وداعميها في الغرب من الإنتقال من منطق
الإستخدام بهدف وقف البحث عن التسويات والحلول ، الى منطق الحسم لرسم الخرائط
والأحلام ، لكانت المنطقه العربية برمتها ركاما وحطاما ، وموجة إثر موجة في حرب
الأساطير التي لا زالت تدور رحاها في غزة والتي لن تتوقف قبل الإجهاز على المشروع
الوطني الفلسطيني ، فهي فرصة نادرة لن تتكرر مرتين في التاريخ .
إنها الساعة الثانية بعد منتصف الليل
بتوقيت غزة ، الثامن عشر من رمضان ومثله من آذار ، وبفاصل خمسون يوما عن آخر فصول
حرب الأساطير ، كانت غزة المتعبة تغفو على ما كانت تظن أنه إتفاق قادر على أن يتيح
لهم النوم بعيدا عن كوابيس حمم الموت التي قد تتساقط في أي وقت وحين ، وقعه حكام
أمر واقعهم القهري بوساطة دولية امريكيه مصرية قطرية ، لكن بنيامين نتياهو كان له
رأي آخر ، فقد أيقظ غزة من شمالها الى جنوبها وشرقها الى غربها ، بمئة طائرة مبكرا
ساعة على مائدة سحور إزدحمت بكل ما إختاره لهم من الوان الموت ، ربما بات أغلبهم
على جوع وعطش من يوم صيام سابق ، وبساعات لا تتعدى اصابع اليد الواحدة ، كان الف
من المعذبين في الأرض في عداد الموتى والجرحى ، إيذانا بالعودة للحرب وسيرتها
الأولى من أوسع ابوابها ، حلة عسكرية جديدة وبنك أهداف محدث وبمباركه علنية من
البيت الأبيض ، لا يهم كثيرا إن كانت السطور الأولى بهذا الفصل الجديد عنوانها ،
بأن كان أكثر من ثلثي هؤلاء الضحايا من الأطفال والنساء ، فمن سيتوقف مطولا أمام
ذلك ، فقد لقي مائة وخمسون الف قبل ذلك ذات المصير ولم يحدث أي شيء ليحرك العالم
لوقفها .
يحلو لبعض البروبغاندا وبخاصة الناطقة
بالعربية ومن الجناح الموالي أو القريب لحماس على شاكلة الجزيرة ومحلليها بتسميتها
بضربة غدر ولكنها في الحقيقة ليست كذلك ، فلم يبقى أحد من أركان حكومة الأساطير في اسرائيل إبتداءا
ببنيامين نتياهو وأركان حكومته ووزير حربه ورئيس هيئة أركانه الا وتحدثوا بذلك
جهارا نهارا ، أما دونالد ترامب ومبعوثه ويتكوف فلم يترددا بإعطاء الإنذارات تلو
الأخرى لحماس ، حتى الخطة المطروحه من قبل ويتكوف فقد حملوا المسؤولية لحماس حصريا
بفشلها ، فالأمر كله كان معروفا تماما وليس بحاجة الى شديد التدقيق ، الا من جهة
المحللين بالأماني والأوهام والذين لا يريدون رؤية الحقائق كما هي ، على أمل أن
تحدث معجزة في زمن إنتهاء المعجزات أو شيء لم يكن في الحسبان ، فموضوع المرحلة
الثانية من إتفاق وقف إطلاق النار باتت خلف ظهورهم فلا حكومة بنيامين نتياهو ولا
إدارة دونالد ترامب بصدد التعامل معه بأي حال من الأحوال وهم بصدد فقط إجراء عملية
تبادل أسرى بمرحلتين حدد ويتكوف مرحلتها الأولى بخمسة رهائن أحياء ، طلب بنيامين
زيادتهم الى أحد عشر مع إمكانية قبوله مبدئيا بمقترح ويتكوف ، وعرضت حماس رهينه
واحده واربعة جثث وربط كل ذلك بالمرحلة الثانية من إتفاق لم يعد موجودا لدى
بنيامين نتياهو وإدارة ترامب ولا يستطيع الوسطاء الآخرين فعل أي شيء لوضع الإتفاق
الأساس موضع التنفيذ .
قصف جوي مركز على أهداف معدة مسبقا
لقيادات أساسية في حكم حماس المدني والأمني على حد سواء ، نعت حماس ستة قيادات
منهم وأتبعته بآخر ، عدا من لا زالوا عالقين تحت الركام بإنتظار تمكنهم من
إنتشالهم ، تم إستهداف غالبيتهم مع عائلاتهم مما يعني أنهم كانوا مطمئنين لتواجدهم
في هذه الأماكن ، ويمكن تفسير ذلك بين ثلاثة إحتمالات ، فإما أنهم كانوا يعتقدون
بإن حكومة بنيامين نتياهو لا تجرأ على إختراق الإتفاق وهي بحاجة الى قرار أمريكي
لم تحصل عليه بعد ، وإما أنهم كانوا يدفنون رؤوسهم بالرمال وكأن أجهزة الأمن
الإسرائيلي عاجزة عن تحديد أماكنهم بالضبط ، أو أنهم تلقوا تطمينات من أحد ما
بإنهم ليسوا على قوائم الأهداف الإسرائيلية العاجلة ، وفي كلتا الحالات فإن ذلك يشير
على أن هذا التنظيم لا زال غير قادر على قراءة خطورة الموقف الذي وضع نفسه ومعه
إثنان مليون ونصف غزي به في أعقاب ما أقدم عليه في السابع من أكتوبر ، وحجم
التداعيات الحاصلة في المنطقة برمتها ، وأن وجود هذا التنظيم بات غير قابل للوجود
في غزة بأي حال من الأحوال ، وأن وجوده مرتبط بإنهاء أزمة الرهائن الذي يحتجزهم
والذين باتوا سببا لمزيد من القتل وليس العكس تماما .
تتدحرج العمليات العسكرية رويدا رويدا ،
للتناغم مع قراءة مدى تأثيرها على قرارات حماس ومدى إستعدادها للتجاوب مع مقترحات
ويتكوف يوما بيوم ، فبعد الموجة الأولى تم البدأ بعمل رؤؤس جسور وقواعد إرتكاز
بواسطة توغلات متفاوتة العمق ، في خمسة مناطق إيذانا بتوسيع العمليات أو إمكانية
التراجع الى النقاط ما قبل إنهيار الإتفاق ، مع الحفاظ على عمليات قصف جوي مركز
إستنادا لبنك أهداف محدث وقابل للتعديل ، تجري عمليات هدم واسعه في مدينة رفح
والسيطره على ما كان يعرف بمحور موراغ ، تشي هذه العمليات الى فكرة خلق فاصل بين
الحدود المصرية والتجمعات السكنية الفلسطينية ، يرجح بإنه سيعزز بتواجد استيطاني
في هذه المنطقة لاحقا والتي تقدر مساحتها ب 20% من مساحة قطاع غزة قام الجيش الإسرائيلي بإقتطاعها ، ستضاف الى 10%
من مساحة ما إقتطعه الجيش الإسرائيلي حتى الآن من محيط قطاع غزة وما يعرف بمحور
نتساريم ، وكل ذلك مع مترافقا مع تعديل خططه في ضوء تقييمه لكافة الأخطاء التي وقع
بها في المراحل السابقة للحرب ، توجها بإنشاء شبكة إستخبارية بشرية وتقنية على
إمتداد 360 كيلو متر مربع ، قادرة على تحسين عمل القوات الجوية والبرية لاحقا
.
تناغم تام بين إدارة ترامب وحكومة
الأساطير في الأهداف الأنية للحرب والأهداف النهائية لها ، حيث بات هدف إغلاق ملف
الرهائن دون إتفاق لوقف دائم لإطلاق النار هو الهدف الآني ، وتفكيك حكم حماس وسحب
سلاحها هو الهدف النهائي المعلن ، أما تصورات ومآلات مستقبل غزة فلا أحد يستطيع
الجزم به حتى الآن ، حتى إن إدعى دونالد ترمب أو بنيامين نتياهو بإن التهجير
للسكان والسيطرة على قطاع غزة هو النهاية الحتمية له ، فمستقبل قطاع غزة سيكون
حتما جزءا من صفقة كبرى في المنطقه ستكون القضية الفلسطينية وليس قطاع غزة فحسب
جزءا منها بكل تأكيد ، وهي متداخله بالملف النووي الإيراني ، وعمليات التطبيع مع
الدول العربيه وعلى رأسها المملكه العربيه السعودية والحرب الروسيه الأوكرانية
والوضع اللبناني والسوري وكثير من الملفات التي لا زالت إدارة دونالد ترامب تحاول
إيجاد إختراقات بها ، ولكن كافة محاولاتها حتى الآن باتت تصطدم تباعا بشبكة مصالح
متضاربة في المنطقة برمتها .
وبعض مضي شهر على آخر جولات الموت ، فهل
لا زالت حماس لا تعرف بإن حكمها وسلاحها لا مستقبل لهما في قطاع غزة ؟ وأن ملف تسع
وخمسون رهينه أحياء وأموات بين يديها بات وزنه النسبي في المعادلة الحالية منخفض
القيمة ، على إعتبار أنهم جميعا في عداد المحاربين الرسميين أو الإحتياط ، وهم في
عرف حكومة الأساطير كانوا في عداد المكلفين بتأمين المواطنين المدنيين لا أن يقعوا
أسرى في يد العدو ، وأن قرارهم بيد الدولة وليس بيد ذويهم فحسب ، وأن أية مفاضله
بين مستقبل الدولة وحياتهم الشخصيه فسيكونون ثمنا لها بكل تأكيد ، وجزءا من
الخسائر المعقولة لحرب الوجود التي تخوضها حكومة الأساطير ، فالمدنيين والمجندات
النساء الذين تم إخلاء سبيلهم خفف أعباء حكومة الأساطير الى الحد الأدنى والذي
يمكن معه تجديد القتال دون حسابات شديدة التعقيد كالتي كانت قائمة قبل المرحلة
الأولى لوقف إطلاق النار .
خلاصة القول :ـ
"حكومة السابع من أكتوبر" ، مصطلح جديد أدخلته المعارضه السياسيه في إسرائيل الى قاموس السياسة
الإسرائيلية ، لتخلد في التاريخ والذاكرة الجمعية بإن الكارثه التي حلت بهذه
الدولة كانت في عهد حكومة أقاصي اليمين بقيادة بنيامين نتياهو وخريجي مدارس التطرف
الديني ، والتي يسعى بنيامين نتياهو لأن يعطل تثبيتها بقلم لجنة تحقيق رسمية ، ولكن
هذا ما سيحدث في نهاية الأمر ، فإذا كان هذا هو حال الإسرائيليين وبعد ما منيوا به
من خسائر منذ صبيحة السابع من أكتوبر والتي لا تقاس بما منينا به من خسائر فادحة
على الجانب الفلسطيني ، فماذا يمكننا أن نطلق نحن الفلسطينيين على حكومة أمر واقع
حقل التجارب في غزة ، وربما سيقول قائل لم يعد يجدي نفعا إطلاق التسميات فلم يعد
موجودا لا واقع ولا حكم لإطلاق التسميات عليه ، فنحن ننتسب لأمه إقرأ التي لا تقرأ
فليس لدينا في كل تاريخنا رواية وذاكرة جمعية موحدة ، ليس فقط لنا كفلسطينيين بل
كعرب ومسلمين أيضا ، ولكن المنطق وتجارب الشعوب التي نهضت من تحت الركام والحطام كتبت
تجاربها بمنتهى الدقه والشفافية ، ولم تزوّر التاريخ ، ولم تطلق على الهزائم
إنتصارات ، ولم تختلق الأسباب لتحميل الآخرين مسؤولية فشلها ، وبهذا وبه فقط يمكن
المضي قدما نحو التقدم لتحقيق الأهداف ، وحتى ذلك الحين فعلى مثقفي الشعب
الفلسطيني أن يتحللوا من عقد الحزبية والبدء بصياغة الذاكرة الجمعية لشعب ناضل
لأكثر من سبعين عاما بذاكرات وطنية إنتقائية ، أوصلته الى ما هو عليها حتى الآن ، وحالة
فاقت نكبة العام 1948 ، فهي أساس الصمود للمشروع الوطني في وجه التطهير العرقي
والتصفية ، "حكومة طوفان الظلام " ربما قد يكون المصطلح الأنسب
ليخلد في التاريخ والذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني بإن النكبه الجديدة التي حلت
به كانت في عهد حكومة الأمر الواقع للإسلام السياسي والإخوان المسلمين في قطاع غزة
، فإن تمكن المجتمعان الفلسطيني والإسرائيلي من الوصول الى نتيجة مفادها بأن
الكارثه التي ألمت بهما قد تسبب بها هذا الفكر الظلامي لليمين الديني المتطرف على
طرفي الصراع فسيكونان قد قطعا 90% من التسويات والحلول ، ويكونان قد أعادا خيار
ياسر عرفات ورابين الى الحياة مجددا ، وأعادا الصراع الى اسسه كصراع وطني لا ديني ،
كان قد وضع له العالم حلولا ممكنة ، كغرابين أضاعا مشيتهم فأوشكا على الهلاك .
تعليقات
إرسال تعليق