القائمة الرئيسية

الصفحات

 




......... يكفي أن تكون غبيا " نكيتا خريتشوف "

 يروي نيكيتا خريتشوف بإنه تلقى إتصال من الزعيم الأقوى للإتحاد السوفيتي جوزيف ستالين ، ودعاه  لحضور إجتماع مجلس الوزراء لأمر هام ، وعندما حضر أبلغه ستالين بحضور أعضاء مجلس الوزراء ، بإن هناك مؤامرة يتعرض لها الإتحاد السوفيتي ، وأن لدينا مصنع يقوم بإنتاج الإطارات منذ سنوات بشكل جيد أهدته شركة فورد الأمريكيه للإتحاد السوفيتي ، حيث ومنذ قرابة ستة شهور بدأت تظهر لدينا مشكلة بإنفجار هذه الإطارات بعد بضعة كيلو مترات قليله فقط من إستخدامها ، وقد تم تكليفك بالتوصل الى حقيقة ما يجري هناك ، وبعد تحقيق مستفيض طال كل شيء في المصنع ، مواد للإنتاج ، معدات الإنتاج ، العاملين في خطوط الإنتاج ، سلاسل توريد المواد الداخلة في الإنتاج ، أماكن تخزين المنتجات ، توزيع المنتجات ، وحتى الإتصال بمهندسي شركة فورد الأمريكية فلم يتوصل لشيء ، وبعد أن إقترب من اليأس من الإستدلال الى الأسباب ، لفت نظره لوحة موضوعه على جدار في مدخل المصنع وعليها صور لأشخاص يتم تكريمهم شهريا بوضع صورهم على لائحة الشرف ، حيث تكرر تصدر أحد المهندسين لهذه اللائحة لستة شهور متتاليه ، وهي نفس الفترة التي حصلت بها المشكلة ، وقد قام بإستدعاء هذا المهندس لمكتبه وسأله عما فعله للمصنع ليبقى على قوائم التكريم طيلة هذه المدة ، أجابه لقد قمت بتوفير أطنان من المعادن التي تدخل في عملية الإنتاج حيث وفر الاف الروبلات للدولة ، فقال الآن يمكنني القول بإنني قد توصلت الى السبب ، فقد تبين بأن المهندس الذي تم تكريمه لستة شهور متتالية هو من تسبب بكل ذلك ، حيث تم تكريمه لقيامه بتوفير أطنان من الأسلاك المعدنية المستخدمه في التصنيع والتي هي نفسها كانت السبب في خسائر مادية بمئات الأضعاف وخسائر كبيرة جدا في الأرواح ، إرتبطت مباشرة بالحوادث الناتجه عن إنفجار هذه الإطارات أيضا ، والتي لا تقارن بما قام بتوفيره وإقتضى التكريم ووضعه على لوائح الشرف لأجلها ، ليقدم تقريره الى ستالين بكل هذه الحيثيات ، فسأله ستالين أين قمتم بدفن جثة هذا الأحمق عقابا له على ما تسبب فيه من خسائر في الأرواح والأموال ، ليرد عليه ليس بإمكاننا إعدام شخص قمنا بتكريمه وبوضع إسمه على لوائح الشرف والتكريم قبل شهر قد مضى فقط ، فاكتفيت بنفيه الى أقاصي صقيع سيبيريا حتى ينساه الناس ، فلن تستوعب الناس إعدام شخص كن يعتلى أسمه قبل شهر لوائح الشرف والتكريم ، فسيثير المواطنين تساؤلات وشكوك كثيرة عن مؤامرة من الممكن أن يكون قد تعرض لها ، مما سيقتضي ردا عليها ، وهكذا بين أخذ ورد ونحن في غنى عن كل ذلك ، ليطلق مقولته :ـ

" ليس بالضرورة أن تكون فاسدا أو سارقا لتؤذينا وتدمرنا ، يكفي أن تكون غبيا "

أعلن الناطق الرسمي بإسم الحكومة الأردنية يوم  الثلاثاء الموافق 15ابريل 2025 عن توقيف مجموعه مكونة من ستة عشر شخصا ، متهمين بضلوعهم في تشكيل مجموعة مسلحة في الأردن ينتمي بعضهم الى جماعة الأخوان المسلمين ، وهي الجماعة المحظورة من العمل بموجب القوانين الأردنية عام 2020 ، والمصرح لها من تحت الطاولة بالعمل بإسم جبهة العمل الإسلامي في محاولة للإلتفاف على القانون وإحتواء هذه الجماعة ذات الحضور والنفوذ الذي لا يستهان به في الأردن ، مواد متفجرة شديدة الإنفجار ، ماكينات حديثة لتصنيع الصواريخ والمسيرات ، تدريبات لدى حماس وحزب الله في لبنان وتمويل منهما ، ملف تعود بداية متابعته للعام 2021 من قبل المخابرات الأردنية وفق ما أعلن عنه !! أي قبل طوفان الأقصى بسنتان ، مما يؤكد ما توصلت التحقيقات بإن هذه التجهيزات هي عبارة عن تحضيرات لوضع داخلي في الأردن وليس عابر للحدود في هذه المرحلة على الأقل ، وذلك حسب فكرة التأسيس الذي بني عليه هذا النشاط ، والتي خلصت اليها التحقيقات التي باتت في عهدة القضاء ، أثار الإعلان العديد من الأسئلة ، وهي بإنتظار أن تجيب عليها جلسات المحكمة وما قد يرشح عنها عند بدء النظر في هذه القضية .

لا يختلف إثنان إن من أحدى ثوابت وإستراتيجيات الجمهورية الإسلاميه الإيرانية وما يدعى بمحور المقاومة هو إيجاد موطئ قدم في كافة دول الطوق المحيطه في اسرائيل ، وقد تم الإيعاز للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس بتنفيذ هذه السياسات لسنوات طويله ، نجح في مناطق كلبنان وسوريا وفلسطين ، وذلك لأسباب عديدة تنوعت بين له صلة بالمقاومة وما هو ديني أوطائفي وأخفق في أخرى كمصر والأردن ولذلك أسباب عديده من أهمها تماسك الدولتان بفعل تماسك جيشاهما وقواهما الأمنية ، الا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال بإن المحاولات ستتوقف بل ستعاد وتعاد ، لأن إيران كدولة لا يمكن تصنيفها كدولة طبيعية في المنطقة كغيرها من الدول ، فهي تسعى لتكون الرأس الثالث لمحور الصراع على تقاسم النفوذ والمصالح في الشرق الأوسط مع تركيا وإسرائيل ، ولن تستطيع مقايضة هذا الثنائي والدول الداعمة لهما ، بلا وجود قوة على الأرض وتحالفات لها في المنطقة معززة برواية دينية أو تاريخية ذات قيمة عليا  تستطيع التحشيد من خلالها ، وهي بكل تأكيد لن تجد أفضل من معزوفة القضية الفلسطينية تستطيع الجمع فيها بين السياقات التاريخية والدينية معا لهذه الغاية .

وفق ما بات واضحا تماما فقد فشلت إيران تماما في نشر فكر التشيع في هذه الدول ، بما يمكنها من خلق حاضنه قابلة لبناء هذا الوجود ، وقد إستعاضت عن كل ذلك بالإتكاء على قوى جاهزة وخلق جسور تواصل معها ، حيث إبتدأت بالحركات الأصولية التي تتبنى الفكر الجهادي ، كحركة الجهاد الإسلامي العالمية بكل تفرعاتها في فلسطين والأردن ومصر كدول لا يوجد بها إمتدادات للمذهب الشيعي ، الا أن تأثير هذه الحركات بقي محدودا للغاية ، حتى تمكنوا من إيجاد صيغة ولغة تفاهمات مع القوه الأصولية الأكثر إمتدادا وحضورا وهي حركة الأخوان المسلمين ، وهو التيار الذي كان يناصب المذهب الشيعي العداء ، الا أن لغة المصالح وتبادل المنافع تقدمت على لغة المبادئ والنصوص وقد تم إيجاد تفاهمات عبر حملة تغيير للمفاهيم القديمة القائمة على تكفير كلا المذهبين لبعضهما البعض ، وقد قادت حركة حماس الإخوانية أساسا هذه التوجهات ، وإستطاع السواد الأعظم من قادة هذين التيارين من الإنخراط في مشروع قبول الآخر وخلق حالة من التفاهمات مما أتاح لإستساغة الفكرة من جمهور التيارين وهكذا تمكنوا من إجتياز الحاجز النفسي الكبير مع بقاء أجزاء أخرى من التيار السني التقليدي خصوصا ، خارج هذه التفاهمات المبنية أساسا على لغة المصالح المتبادلة .

إن حركة الإخوان المسلمين العالمية هي خليط واسع التنوع يعج بالعديد من الأفكار والتباينات بين ما هو دعوي قابل للتعايش مع النظم القائمة في تلك البلدان وما هو جهادي ، وقد أولى الإيرانيين عظيم الإهتمام من خلال دعم حركة حماس الى إحداث رأس جسر وصولا الى قادة هذا التيار الذي يتبنى الفكر الجهادي فهو الأقرب الى تجاوز النصوص بفتوى إجازة التعاون لقضية أكبر ومن هنا يمكن تفسير قيام مكتب الإمام الخامنئي بطباعة كتب سيد قطب على نفقته الخاصه ، وتوزيعها بالمجان في العديد من الدول العربية لتعزيز هذا التيار على حساب التيارات الأخرى ، وقد أثمر هذا الجهد بإحداث إنشقاقات بين هذه التيارات ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين في الأردن كأحد البلدان المستهدفة ، حيث حدث إنشقاق بين التيار المقرب من حركة حماس وهم بغالبيتهم من الفلسطينيين والتيار الآخر المؤيد للنظام والقابل للتعايش معه وفق صيغ سياسية تم إرساءها مع نشأة الأردن كدوله .   

عندما تتخذ حركة قرار بهذا الحجم وفي ساحة كالساحة الأردنية وبعد كل ما حدث من تجليات للفوضى في المنطقة العربية في أعقاب ما أطلق علية الربيع العربي ، فلا بد أنها وقعت في أحدى أغبى القرارات التاريخية في حياتها السياسة ، حيث سيكون له ما بعده في المنطقة العربية برمتها ، فلقد حظيت هذه الحركة تاريخيا وقياداتها في الأردن بمميزات لم تحظى بهما في أي دولة من الدول ، فقد تعايشت مع النظام الحاكم بل وبنت تحالفات مع النظام في الخمسينات في أوج الصراع بين مصر في عهد جمال عبد الناصر والنظام الأردني ، كما كانت على حالة وفاق مع النظام في إبان صراعه مع منظمة التحرير الفلسطينية ، وبقيت على هذا الحال حتى بروز حركة حماس وهو الفرع الفلسطيني لحركة الأخوان المسلمين حيث كان الإفتراق حتميا ولو بعد حين ، رغم محاولات النظام العديدة لخلق حالة من التعايش مع هذا التيار ، والذي أسال لعابه حلم السيطرة على الأردن والحكم فيها كما حدث في العديد من البلدان .

كانت السياسات الرسمية للنظام الأردني تقوم على سياسة الإحتواء لخصومها السياسيين ولم تقطع مع أي من خصومها بالمطلق ، مما أكسبها المرونه المطلوبه والبقاء في الحكم لهذه السنوات في إقليم شديد الإضطرابات السياسيه ، الا أن الكشف عن هذه المجموعه يشي بتغيير عميق مؤكد لسياسات النظام مع هذا التنظيم على وده الخصوص فقد مس خطاً أحمرا غير قابل لتجاوزه ، فهي ليست عمليات تهريب أسلحه عابرة للحدود كما يفهمها النظام وإنما عملية خلق بنية تحتية لإستئصال النظام والإنقلاب عليه ، فتريث النظام الأردني طيلة هذه المدة عن حالة كان بإستطاعته وأدها في مهدها حتى تتمكن من الإنتاج والتصنيع تشي بإن اللعبة السابقة مع هذا التنظيم قد وصلت خواتيمها ولم يعد بإمكان النظام التعايش معه بأي حال من الأحوال ، وبات المسرح يجهز لهذه الغاية ، لا نعتقد بإن محاولات التنظيم التنصل منها ستجدي نفعا كما هي محاولات الدفع بهذه الظاهرة على أنها مخصصه لمساعدة الفلسطنيين لن تجدي نفعا هي الأخرى ، كما أن دفاع حماس عنها سيضاف الى عوامل التعجيل بإنهاء وجوده في الأردن وليس العكس أيضا .

خلاصة القول :ـ

حينما تمر السنوات وتنظر الى التاريخ الممتد من عمر هذه الجماعة والذي شارف على قرن من الزمن ، تستطيع ببساطة شديدة أن تلحظ بإنها كانت أحد معاول الهدم لفكرة الأوطان ، وقد تم إستخدامها في العديد من المحطات التاريخية من قبل قوى خارجية لهدم أية مشاريع عربية تنموية في بلدانها ، فتاريخها مع المصريين منذ تأسيسها في عام 1928 في زمن الإنتداب البريطاني على مصر تزامن مع حركة نهوض الأفكار القومية في تلك البلد وفتح جبهة صراع معها ، أما صراعها مع نظام جمال عبد الناصر فهو قد أسهم في إجهاض أكبر المشاريع القومية في تلك الحقبة ، يمكنك ببساطة أن تقرأ كتاب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون (كلمة السر 360) الذي يتناول أحداث ما أصطلح على تسميته بالربيع العربي وحكم الإخوان في مصر وتستطيع أن تستدل ببساطة كيف تم إستخدام هذه الجماعه بما يتساوق مع الرغبة الأمريكية في إعادة بناء الأنظمة في البلدان العربية ، وحدث ولا حرج  في السودان وليبيا واليمن وسوريا ففلسطين ، لتكون آخر محطات هذه الجماعة هي الأردن ، فأي عاقل يمكن أن يقطع شريان الحياة الأخير للفلسطينيين في الضفة الغربية مع العالم الخارجي ، وهل الفوضى الذي من الممكن أن تنشأ في الأردن يمكنها أن تضيف أية مزايا لقضية الشعب الفلسطيني ، تاريخ ممتد من العبث والإستخدام فهل من يتخذون القرارات في هذه الجماعه اليوم يكفي أن تصمهم بأنهم أغبياء فقط ، أم أنه الغباء المقرون بقبول التساوق مع مشاريع التدخل الخارجي في هذه الدول  ، فلا بأس إذن والحالة هذه من الجلوس في حضن الشيطان ، أملا في تحقيق أوهام التمكين على حكم بلاد العرب والمسلمين بسيف الدين ، في تطابق منطقي مع القناعات الغربية وفكر الإنتداب القديم وقوى التدخل الحديث ، بعدم القدرة على السيطرة على بلاد العرب والمسلمين بعيدا عن متلازمة الدين .        

  

 

      

 

 

تعليقات