كباش عبثي للعدائيات وتهديد
وجودي مزمن
يكفي أن تقول له بإنك لم تنجز المهمة كما ينبغي ، فيندفع
كثور هائج يهاجم أي كان ، بات خصومه يعرفون نقطة ضعفه ، ليخرجون كل ما في جعبته
وما يدور في أحلامه ، يقول دونالد ترامب واركان حكمه ، إنه الإعلام الفاسد ذراع
الدولة العميقة الضارب ، CNN وما هو على شاكلتها ، ومن بعدهم أعضاء الكونغرس
المحسوبين على الدمقراطيين ، هكذا يراهم دونالد ترامب كأعداء للنجاحات العظيمة
التي يحققها ، يطل عليه من باطن الأرض مرشد الثورة في ايران ليعزف على نفس
السمفونية ، ويزيد عليها ببعض التحسينات
بإن ايران انتصرت على امريكا واسرائيل ، لأنهم لم يحققوا أي من أهدافهم ، فهو يعني
بإنهم لم يقضوا على نووي ايران ولا صواريخها أيضا ، وفوق كل ذلك فلا زال هو على
قيد الحياة ، إذن فلا زال النظام بخير ،
فيصب دونالد ترامب جام غضبه محتقن الوجه ،
لقد هزمت شر هزيمة ، وأنت تكذب وانت أكثر من يعرف بإن اسرائيل إنتصرت عليك ، وقد
كنت أعرف أين تختبأ ، وأنا من أرجع الطائرات الإسرائيلية من الجو قبل أن تنهي
بقائك على قيد الحياة ، يسارع دونالد
ترامب بإستدعاء طلب عاجل من بنيامين نتياهو ، بإصدار ما يشي بعكس ذلك ، يجيبه
بالتو والحال ببيان صادر عن مكتبه منسوب لهيئة الطاقة الذرية في سرائيل ، بإن كل
شيء كان عظيما مذهلا ، يطلب من وزير دفاعه ورئيس هيئة أركان فعل الشيء ذاته ،
فينظم وزير دفاعه ورئيس هيئة أركانه ، مؤتمرا صحافيا الساعة الثامنة صباحا ، في
وقت لم تعتاده واشنطن لتنظيم مثل هذه الأنشطة ، ينبري قادة الكونغرس الجمهوريين والدمقراطيين
الى سجال ومبارزة ، فما بين المحو والإبادة لبرنامج إيران النووي الى التعطيل
لأشهر معدودات ، فيسارع وزير دفاع بنيامين نتياهو بإصدار أمر للجيش بالتحضير لأية
مستجدات في برنامج ايران النووي ، لم ينسى نعيم قاسم أن يدلو بدلوه بهذه المناسبة ليدخل
المزاد ، فيشيد بالنصر الإيراني الذي تحقق ، فيرد بنيامين نتياهو في إستهداف قادة
عسكريين وقواعد عسكرية لحزب الله في الجنوب
اللبناني ، وتطبيقا للمثل الشائع "من يحضر الى السوق عليه بالتسوق" ،
فيكفي أن ترد حماس بإن يسقط أحد عناصرها من كتيبة خانيونس عبوة في مقصورة أفضل
أسلحته البرية ليقتل جميع من كان فيها ، لتقول له بإن الحرب قد بدأت للتو ، ولن
يخرج الحوثيين عن ذات النسق ، فيكفي أن يرسلو صاروخا واحدا من اليمن ليجددوا العهد
مع الإسرائيليين بإن لا ينسوا سماع صفارات الإنذار ، وأمام كل ذلك المشهد ينبري
دونالد ترامب لإشاعة آمال عراض عن مفاوضات مع الإيرانيين سقفها صفر تخصيب لليورانيوم
يرفضها الإيرانيين مسبقا ، أما غزة فهناك صفقة واحدة قد تتحقق يرغب بإن تكون شاملة
، نهاية حكم حماس ، وسفر من تبقى من قيادتها للخارج ، حكم عربي بلمسة فلسطينية
وسحب للسلاح ، وخروج قوات الإحتلال من غزة ومعها خمسون رهينة بين أحياء وأموات ،
وإن تعذر ذلك فهاك صفقة جزئية حاضرة على الطاولة يمكن توقيعها الآن ، وما بين هذه
وتلك فالكرة لا زالت بكل الأحوال في ملعب حماس وعليها أن تقرر ، فمركبات جدعون
تنتظر إشارة البدء ، أما نصيب الشق الآخر مما تبقى من وطن للفلسطينيين ، فيستم
إقتطاع أجزاء معتبرة منه وضمها لإسرائيل ، وإطلاق مفاوضات على ما يمكن أن يتبقى
ووصفها القانوني ، قد ينظر بتسميتها دولة أو ما يشبهها بحكم سلطة محدثة تشبه أي
شيء الا أن تكون فلسطينية .
بعيدا عن الكباش الدائر في الشرق الأوسط ، حيث وجد
دونالد ترامب نفسه في وسطه قبل أن تطأ قدماه البيت الأبيض ، وبعيدا أيضا عن الكباش
الدائر في الحروب الإقتصادية التي أشعلها مع العالم ، لحين إيجاد السبل الممكنة
لترويض الإسبان وتغريدهم خارج سرب رفع مساهماتهم الى 5% في قضايا الدفاع ، الى
ترويض الكنديين في مفاوضات لا تصل لشيء ، فلا بأس بالإستدارة بعيدا نحو صراع إنهك طرفية في القارة السمراء ، ولم
تعد هناك أية رغبة لدى طرفيه بشهوة القتل ، لألتقاط الصورة للتوقيع على إتفاق بجهد
ذراعه التفاوضية الضاربة بقوة المال القطري لشراء إتفاق بين خصومه ، فيجلس على
عرشه ويلتف من خلفه وحوله الجميع وقوفا لأكثر من ساعه يوزع الجوائز والهدايا وينبش
بكل القضايا التي أمكنه إستحضارها ، ما هو على صلة بالموضوع أو بدونه فلا فرق ،
ويستمع لكلمات الإشادة بحكمه الملهم ، وقدرته الخارقة على إجتراح المعجزات ، ولكن عينه
على ما في باطن أرضها ، فلا يعقل أن يترك كل ذلك لهؤلاء القتلة على الهوية ، هكذا
يسجل بصمة جديدة في الملف الذي سيتقدم به الى لجنة نوبل لنيل جائزة تحقيق السلام ،
فلا بأس من الفشل في القضايا الكبرى من قبيل ألحرب الروسية الأوكرانيه أوالإسرائيلية
متنوعة الجبهات ، فتراكم القضايا الصغرى من قبيل النزاع الباكستاني الهندي ، أو إن
كان بعضها خامدا كنزاع الكونغو وراوندا الذي نحن بصدده فقد يحدث بعض الأثر المطلوب
، مع بعض من البهلوانيات والبروبغندا الإعلامية والتعمية على ما جاء في محتواها ،
فالقطيع الذي لا يجيد القراءة كما يجيد التصفيق لا يستحق أكثر من ذلك .
يعتقد بنيامين نتياهو ودونالد ترامب ، في النقاش
الإستراتيجي الذي سيجرياه في واشنطن ، بأن حجر الزاوية في البناء الإستراتيجي لشرق
أوسط جديد ، هو ما تم إنجازه مؤخرا في إزالة التهديد الوجودي لنووي ايران وبرنامجها
الصاروخي ، وما سبقه في إخضاع أذرع ايران
في المنطقة الى الدرجة التي أفقدها القدرة على التأثير أو التهديد مجددا ، وإعادة
الإعتبار لموقع أسرائيل كدولة مهيمنة في الشرق الأوسط ، وقد آن الأوان لترجمة كل
هذه المنجزات العسكرية الى لغة السياسة ، بقوة ونفوذ الولايات المتحده الأمريكية
ورئيسها الدخيل على عالم فهم القراءة الإستراتيجية بكل الأبعاد والمقاربات ،
فتبنيه لمفاهيم بنيامين نتياهو واليمين الإسرائيلي القاصرة عن الفصل بين العدائيات
والتهديدات الوجودية ، سيدخله ومعه الولايات المتحدة ولسنوات في متاهة حروب
اسرائيل التي لا تنتهي ، فمن لا يستطيع إيجاد الحلول لوجود اسرائيل بشكل عادل ومنصف
مع أصحاب الأرض التي أقيمت عليها ما بين البحر والنهر بمساحة سبعة وعشرون الف كيلو
متر مربع ، فهو يخوض في معالجة سلسلة عدائيات لها أول وليس لها آخر ، فمن كان
يعتقد بإن نووي ايران هو تهديد وجودي لإسرائيل فهو في كل الأحوال بعيدا كل البعد
عن الفهم الإستراتيجي ، فمن هو الذي لا زال يصدق بإن ايران وأن قامت بإمتلاك قنبلة
نووية فستلقيها على اسرائيل الذي يتشارك بها الإسرائيليين والفلسطينيين مساحة
صغيرة من الأرض ، فنووي ايران بشقه السلمي المعلن ، أم كان بشقه الحربي الغير معلن
، هو بمثابة بطاقة مرور لإيران للإعتراف بها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط ،
فايران التي تبعد 2000 كيلومتر عن اسرائيل ، يمكن تصنيفها كأحد العدائيات المزعزعة
لأمن اسرائيل ، تبعا لدعمها للمليشيات المدعومة من قبلها في محيط اسرائيل ، لا
تستوجب بكل الأحوال رفعه ليصار الى تصنيفه كتهديد وجودي ، ليصار الى معالجته على
الطريقة التي تمت بها المجريات العسكرية مؤخرا ، فما فعلته فقط هو وإن كانت أيران
لم تفكر في التوجه سابقا نحو صناعة سلاح نووي فهي اليوم باتت أكثر حاجة له ، على
قاعدة بسيطة للغاية ستقنع غالبية مواطني ايراني ، مفادها بإن ايران لو أمتلكت
السلاح النووي لما هوجمت بهذه الضراوة من قبل اسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة .
إن اسرائيل بتركيبتها الحزبية الراهنة التي تميل نحو
التطرف اليميني ، وتبني ادارة دونالد ترامب بتركيبتها المسيطر علية من قبل قوة
يمينية في الولايات المتحدة ، في دورتي الحكم السابقة والراهنه ، لم يتعلموا شيئا
مما مضى ، فما يسمى بالإتفاقيات الإبراهيمية والتطبيع الذي دفعت به الولايات
المتحدة بطلب اسرائيلي قدما بشتى السبل على بعض الدول ، كانت من أحد الأسباب
الأساسية التي دفع بحركة حماس للقيام بما قامت به في السابع من أكتوبر ، ليس هذا
فحسب بل لمنع آخرين من القيام بشيء مماثل ، وبات هذا معلوما للولايات المتحدة
وإسرائيل ، وعلى الرغم من ذلك فهناك مساعي للدفع بأخرين للقيام بالأمر ذاته ، فما
يثار عن رغبة علنية للولايات المتحده بتطبيع للعلاقات بين اسرائيل من جهة وكل من
سوريا ولبنان من جهة أخرى ، كعلاج قصري لعدائيات قائمة ، ومع كل الصعوبات الكبيرة
لتحقق هذه الغاية ، تبعا لأسباب عديدة تتعلق بتركيبة الحكم في لبنان وبتركيبة
الحكم الحالي في سوريا أيضا ، فهي وحتى أن حدثت فهي ستسكن عدائيات قائمة ، ولا
تعالج التهديد الوجودي الأساس ، فما بين النهر والبحر تكمن كلمة السر ، والتي لا
يراها بنيامين نتياهو وكل أحزاب اليمين في اسرائيل ، ففي أعقاب إتفاقيات السلام
المصرية الأردنية ، وقعت أكثر الصراعات دموية بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية ،
وصولا لحرب لبنان عام 1982 ، وكذا الحال بعد إتفاقيات وادي عربة بين الأردن
واسرائيل ، فقد كانت الإنتفاضة الثانية ، حيث شهدت فيها مدن اسرائيل تفجير الباصات
والمطاعم وكل ما تمكنت المقاومة الفلسطينية من الوصول اليه .
يعتقد بنيامين نتياهو بإن إعتراف دونالد ترامب بالجولان
جزءا من الأراضي الإسرائيلية ، والقدس عاصمة لإسرائيل في دورة الحكم الأولى خارج
نطاق الشرعية الدولية ، وسعيه للدفع به للأعتراف بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية
في دورة الحكم الحالية ، خارج نطاق الشرعية الدولية ايضا سيضيف أية قيمة مضافة
لوجود اسرائيل ، فمن لا زال يتشكك بهذا المنطق من التفكير ، عليه أن يمتلك الإجابة
مسبقا ، وبسؤال مشروع ما هي خطة اليمين الإسرائيلي لليوم التالي في غزة بعد كل ما
أحدثته آلة الدمار هناك ؟ وما هي خطة اليمين الإسرائيلي للضفه الغربية بعد إقتطاع
أجزاء واسعة منها ؟ فدولة لا تقبل بهم سكان متساوين بمواطنيها بعد ضمهم اليها ،
ودولة غير قادرة على تهجيرهم من أراضيهم لتتمكن من إمتلاك اراضيهم ، ودولة غير
قادرة على منحهم صفة دولة ذات سيادة متواصلة الأراضي الى جوارها ، ودولة غير قادرة
على إقناع أي من الدول المجاورة لها بإدارة الحياة اليومية للفلسطينيين ، فهنا
يكمن التهديد الوجودي أما كباش العدائيات الذي جرى مؤخرا في كل منطقة الشرق الأوسط
، فأساسه ومرده وكل مجرياته تسكن ما بين البحر والنهر .
خلاصة القول :ـ
أن مصفوفة الرياضيات التي تعشعش في رأس بنيامين نتياهو
ودونالد ترامب ، القائلة بما أننا وجهنا ضربة حاسمة لإيران مضافا لها ما وجهناه من
ضربات لأذرعها في محيط اسرائيل ، فهذا
يساوي بالضرورة بأن مسرح الشرق الأوسط بات مهيئا للهيمنة وفرض التطبيع ، وإنهاء
القضية الفلسطينية ، فهي مصفوفة لا تبتلعها عجوز في غزة فقدت كل شيء ، البيت
والزوج والولد ، لكنها لم تفقد الحلم بالصلاة في رحاب المسجد الأقصى ، فعندما
يتمكن أي منهما على إقناعها فستكون مصفوفته قابلة للتحقق ، والى ذلك الحين فللحديث
بقية بكل تأكيد .
تعليقات
إرسال تعليق