زوجة قيصر فوق الشبهات
هل كان دونالد ترامب حقا بحاجة للسيدة الأولى ميلانيا لتذكره
بوقوع المجاعة في غزة ؟ فإذا كان ما يقوله صحيحا !! فالشكر للسيدة الأولى والشكر لمن سمح لها بالإطلاع على تقارير صحفية
وصور مزعجة من قبيل مشاهدة الهياكل
العظمية لأطفال غزة ، حتى يكون كلامها هو القول
الفصل في تقرير وقوع المجاعة ، فلم لم تكن تقارير الهيئات الدولية ولا تقارير
الإستخبارات المكدسة على مكتبه بمقنعة لقيصر القرن الحادي والعشرين !! ولكن وبمجرد
أن قالت السيدة الأولى أن الصور القادمة من غزة تشي بوقوع مجاعة هناك ، فهي تكون
قد وقعت بالفعل !! أما ما عدا ذلك فهو هراء وبروباغندا للإعلام الفاسد وحتى إن كان
مصدرها فوكس نيوز ، فيكفي أن يكون كلامها وما تقرره دون أية شبهات ، سوى أنه هو
عمل خالص لصالح سمعة قيصر والمصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية للتقرير
بوقوع ذلك ، لكن من الآن فصاعدا فعلى السيدة الأولى أن تكون جاهزة لفتح أحد
الملفات الشخصية ، فاللعب بالنار مع أصحاب الأنوف الطويلة والآذان الكبيرة ، سيكون
ثمنه أحد الفضائح الكبرى ، وإن كانت لم تختبر ذلك بعد ، فلتسأل من كان به خبيرا ،
أنه دونالد وكيف تم السيطرة عليه وإبتزازه ، بكل الإعترافات خارج الشرعية الدولية
لصالح مشغلي أصحاب الأنوف الطويلة والآذان الكبيرة ، وكيف يتم تسريب بعض التلميحات
وسرعان ما يتم سحبها من التداول ، كلما كانت هناك حاجة لهؤلاء الساسة لتصحيح مسار
أو وتحذير للخروج عنه بمطلق الأحوال ، فقضية جيفري ابستين لوحدها كافية لتقول لها
كل شيء ، فليس كل ما يلمع ذهبا ، فإبراز مشاعرها الإنسانية والتي وشى به دونالد ،
ستكون الخطأ الأول والأخير ، ولربما تكون آخر ما ستقوله في شأن السياسة والسياسيين
، فخروجها عن الخط المرسوم بالغياب عن الأضواء السياسية والإهتمام فقط في عالم
الأزياء والحقائب وآخر صرعات الموضة ، هو خط أحمر لا يقبل التسامح معه بمطلق
الأحوال ، وبخاصة أن كان من قبل أحد أفراد سدنة المعبد بل أحد أركانه ولاعبيه الأساسيين
.
بدأ ويتكوف زيارته لإسرائيل ، وقضى خمسة ساعات في زيارات
لمراكز مؤسسة غزة الإنسانية المنتشرة في مناطق السيطرة العسكرية الإسرائيلية ،
وكما كان متوقعا فلم يقم بتلبية الدعوة والدخول الى قطاع غزة خارج مناطق السيطرة
الإسرائيلية ، للإطلاع عن كثب على الواقع الصحي والمعيشي ، فهو ليس بحاجة للإطلاع
على أوضاع يعلم كل شيء عنها ، لوضع دونالد ترامب بصورة الأوضاع عن كثب ، فلم يعد
يكفي ما كان يتلقاه من سفير بلاده هكافي ، والذي كانت تتماهى تقاريره مع يصدر عن
المؤسسة الأمنية والسياسبة في إسرائيل ، حيث قررت السيدة الأولى بإن هناك مجاعة
تنفيها المؤسسة الأمنية والعسكرية ، وبما أن المجاعة هي عبارة عن طلاسم وذكاء
صناعي وفق بنيامين نتياهو ، فلا بد وأن يفصل فيها ويتكوف بزيارة قد تستغرق عدة
ساعات من الزمن ، وما لم يقله ويتكوف بإن الزيارة هي مصممه ، لدفع المفوضات قدما
وذلك بضخ المزيد من المساعدات ، لحاجة الولايات المتحدة واسرائيل لهذا الإستراحة ،
فحماس التي لم يعد لديها ما تخسره سوى الرهائن ، فهي ذاهبة الى أبعد المديات ، فهي
قد حرقت كل المراكب وهي ستدافع عن وجودها ولو كان الثمن أعادة إحتلال غزة من جديد
وهلاك إضافي لقطاعات واسعة من سكانه ، وهذا ما ألمح له ويتكوف في لقاءه مع ذوي
الأسرى الإسرائيليين .
أنهى الجيش الإسرائيلي عملية عربات جدعون ، وسط إحتدام
التخبط في الرؤيا الإسرائيلية للخطوة التالية ، فما بين الإنسداد الراهن في صفقة
التوقف لستون يوما ، وصفقة أشمل للتوقف النهائي للحرب قبل إستكمال أهدافها ،
والتسونامي السياسي من الإدانات الدولية لأفعالها في غزة ، وسلسلة الإعترافات
بالدولة الفلسطينية ، يقف بنيامين نتياهو على مفترق طرق ، لم تعد معه بعض
التسهيلات في حياة الغزيين من قبيل إدخال القليل من الشاحنات برا أو السماح لبعض
الدول بإلقاءها جوا ، كافية لإيجاد مخرج من هذا المأزق ، فحماس التي باتت تبحث لها
عن مكان جديد حتى لو كان في إيران ، بعيدا عن الضغط الأمريكي في قطر وتركيا ، ونشر
صور للأسرى الإسرائيليين في حالة مزرية والتحريض العلني على المصريين والأردنيين،
يشي بصعوبة التوصل لحلول وسطية ، فمن يتوقع أن تتقدم حماس نحو صفقة جزئية دون
ضمانات واضحة لتوقف الحرب ، وضمانات لبقاء وجودها في غزة بعد كل هذه الخسائر التي
منيت بها ، لا يعرف شيئا عن هذه الحركة وإمتدادها الذي ينتسب للإخوان المسلمين ،
وهو ما يعني فشلا ذريعا لسياسات بنيامين نتياهو ، وفي حالة من هذا القبيل في ظل
حكومة يمينية متطرفة ، فلم يبقى سوى ممر إجباري وحيد ، وهو الدخول الى غزة وحسم
الأمر بالقوة العسكرية مع كل ما تحمله من مخاطر ، وأولاها ضياع ملف الرهائن لزمن طويل وثانيهما التساؤل
حول قدرة الجيش الإسرائيلي المنهك بعد إثنان وعشرون شهرا من الحرب على تنفيذ خطة
من هذا القبيل ، وسط إكتظاظ آدمي في مساحة باتت تضيق يوما إثر آخر ، وغياب خطة
للإغاثة بات العالم يفتح عيونه وآذانه لها بشكل أكبر بكثير مما سبق .
من المفيد العودة الى قراءة سلسلة جولات أنطوني بلينكن
وزير خارجية الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن ، فالمتتبع
لتكرارها كان يشي بالتصعيد في أعقاب كل منها ، فقدإستخدمت الولايات المتحدة مع
إسرائيل هذه الزيارات للإطلاع على الخطط الإسرائيلية العملياتية وممارسة أقصى
الضغوط على حماس ، وقد نجحت الى حد بعيد في الإفراج عن عدد كبير من الأسرى
الإسرائيليين في أعقاب كل تصعيد ، فهل سيقوم ستيف ويتكوف بذات الدور بساتر الإطلاع
على الوضع الإنساني لسكان قطاع غزة ، كعنوان واحد ووحيد ، أما أن الزيارة قد راجعت
مسرح العمليات العسكرية الأوسع ومعاينتها من الجو ، تضمنت أماكن نقل السكان
المكتظين في وسط غزة ومواصي خانيونس ، وهل رفح المدمرة قادرة على إستيعاب الفائض
من مئات الألوف منهم ، والسؤال الكبير ، هل حماس تضع في حساباتها سيناريو من هذا
القبيل وهل ستلتقط الفرصة السانحة أم ستضيعها كما حدث في حالة رفح قبل إجتياحها
والسيطرة على محور فيلادلفيا فيها ؟؟؟ والذي بات اليوم خارج كل الحسابات
والمطالبات في مفاوضات الهدنة الراهنة ، والذي تم إستبداله بالمفاوضات حول موراغ .
لم تأتي زيارة وفد حماس الى تركيا ولقاء وزير خارجيتها
في هذا التوقيت بلا دلالات سياسية ، فبعد أن أخفقت قطر والمصريين في دفع حماس للموافقة
على خطة ويتكوف المعدلة وفق الرغبة الإسرائيلية والأمريكية ، جاء الدور التركي
للممارسة المزيد من هذه الضغوطات ، ووضع حماس بالصورة الكلية للمشهد ، ومن إحدى
تجلياته العاجلة فإن وجود حماس في تركيا ،
لن يكون بأحسن حال عنه في قطر ، مع إندفاع الأليات العسكرية الإسرائيلية الى داخل
غزة ، فعلى حماس أن تستعد للرحيل لأجل غير مسمى من تركيا ، وأن إختيار ايران كملاذ أخير كما عبر القيادي
في حماس أسامة حمدان عنه بشكل صريح وواضح ، وذلك لتجنيب الأصدقاء الضغوطات من قبل
الولايات المتحدة الأمريكية ، وأن تصريحات علنية من هذا القبيل فليس له الا معنى
وحيد هو أن حماس قد قررت أن تتآكل بدلا من أن تصدأ في عواصم الحقبة الأمريكية
بتوقيت دونالد ترامب .
خلاصة القول :ـ
قولا واحد فإن دونالد ترامب وطاقم إدارته يعرفون عن
تفاصيل المجاعة في غزة أكثر من كل المؤسسات الدولية ، ولكن المجاعة شيء ، وإنتشار
مشاهدها كالنار في الهشيم على إمتداد العالم وشاشاته وصحافته شيء آخر ، فلم يكن
دونالد ترامب بحاجة للسيدة الأولى لتذكره بإن مجاعة تحدث هناك ، ولكنها ما دامت قد
وصلت الى غرف الجلوس للسيدة الأولى في برج ترامب ، فلا بد وأنها وصلت الى كل بيت
وزقاق على إمتداد العالم ، وهنا فناقوس الخطر بات داهما ، فصورة صناعةالسلام لا
تتلاقى مع مشاهد من هذا القبيل ، ولا يعد كافيا تحميل حماس المسؤولية عن سرقة لمساعدات
الإنسانية ، فالعالم بأسره بات قادرا على التمييز بين حماس والعمل العسكري
لمواجهتها ، وبين الذين يتضورون جوعا وليعنون حماس صباح مساء على مسمع
الإسرائيليين والأمريكان والعالم بأسره ، إنما هو تغيير للمسار برمته ، والذي لا
بد وأن يحسم حربا طال أمدها وباتت تستجلب كل هذا التعاطف مع الفلسطينيين وقضيتهم .
تعليقات
إرسال تعليق