القائمة الرئيسية

الصفحات



أزرق ـ أصفر ـ  أحمر ـ رمادي

الوان أربعة ، ليس من بينها اللون الأخضر بكل تأكيد ، فدونه رمادي ، قالت كل شيء عن ثمن الإنتقال من أحداها الى الآخرى ، محفوفة بكل التوجسات التي يتم توقعها من فعل شياطين الأرض ، إنتقل الجيش الإسرائيلي من الخط الأزرق الى الأصفر ، وبلغة الأرقام من سيطرة على خمسة وسبعون في المئة من مساحة غزة الى سيطرة على ثلاثة وخمسون في المئة ، ونشر قوائم الأسرى الفلسطينيين المنوي الإفراج عنهم ، لا ذكر فيها للستة الكبار ولا من صنعوا أحداث الطوفان ، تنفس الغزيين قليل من الصعداء في موسم الهجرة من الجنوب الى الشمال هذه المرة ، عادوا الى أحياء ومنازل تشبه أي شيء ، الا ما كانت عليه قبل أقل من شهر من الآن ، لا يخلو الأمر من عدد من الرسائل التي أطلقها المتحاربون ، فيلخص بنيامين نتياهو الموقف بالقول بإن الساعة الثالثة والسبعون على عدم إطلاق ثمانية واربعون من الأحياء والأموات من الرهائن هو خرق للإتفاق ، ويقول كاتس أنه أعطى الأوامر للجيش للإستعداد لتدمير الأنفاق بعد الإنتهاء من صفقة الرهائن ، ويصدر أهل الطوفان وحلفاءهم بيانهم الأول ما بين الأزرق والأصفر لخصوه بالقول، بإن اليوم التالي هو مشهد فلسطيني خالص بكل حيثياته ، ونشروا أعداد من عناصر الأمن الداخلي على عجل ، يغطون جزءا من وجوهم ببقايا كمامات تعود لعصر كوفيد عشرين عشرين ، وأن لا تسليم لسلاح حماس بأي حال من الأحوال ، لا أحد يرد على المتحاربين من الوسطاء والضامنيين ، وحال لسانهم يقول دعهم يفرغون ما تختلجه أنفسهم في واد غير ذي زرع ، فالقافله التي تسير برعاية إمبراطور البزنس والشو لا أحد سيوقفها ، تقام غرف لعمليات الأمر الواقع ومتعددة الجنسيات في إسرائيل ومصر ، لإدارة سلسلة الأزمات المتوقعه وغير المتوقعة ، ويتحضر الخاسر للتو لجائزة نوبل للسلام والذي لم يكن أحد مرشحيها من الأصل ، لزيارة الكنيست لترميم ما أفسده ملك إسرائيل في القرن الحادي والعشرين ، من صورته الشخصية وصورة حليفته إسرائيل وهي الأهم ، فسيطلب العفو عنه من محاكماته في القضاء لقاء كل ما أنجزه من ضربات لمحور الركام والصدأ ، وأنه لا زال الخيار المفضل له حتى ينهي ما كان من حروبه على الجبهات السبع ، ولكن مسعاه قد تحدث عليه بعض التعديلات ، في ضوء ما سمعه ليلة أمس من صرخات الإستهجان في ميدان الأسرى وسط تل أبيب ، حين أقدم ستيف ويتكوف على مجرد ذكر إسم بنيامين نتياهو ، فالمقاربة الترامبية  الآن ستكون بين الحاجة الماسة لمن ينظف المسرح لشرق أوسط جديد ، ومن يتم تأهيله لتسويقه كواجهة للسلام على الطريقة الترامبية ، والذي لن يكون بنيامين نتياهو عنوانا لها ، فلا زالت الحاجة ماسة لبضعة طلعات جوية في سماء لبنان للتأكيد على المؤكد ، بإن حزب الله بات من الماضي في معادلة السلام والحرب ، وكذا الحال للحوثيين بالقول بإن الطلقة الأخيرة ستكون لنا ، أما رأس المحور فلا بأس بطلعات مشتركة للتأكيد على أن لا برنامج نووي بمطلق الأحوال ، أما أهل الطوفان فلا زال الحساب مفتوحا معهم على كل الإحتمالات ، أما هناك في شرم الشيخ فلا بأس بتوقيع بروتوكولي لأمر جاري تنفيذه على الأرض ، ما دام أنه سيحظى بإحتفالية ملك متوج على تلال من جماجم وأرجل وأيدي مبتورة وبيوت ومدارس وجامعات كانت يوما مكانا للحياة  ، فهذا منطق الصفقات في مملكة العنكبوت ، أما منطق باريس والرياض فلم يحن الأوان له بعد ، وأن المزاوجة بينهما لا زالت تحول بينهما الحاجة الى تنظيف المسرح من بعض الإستعصاءات وحتى وإن باتت شكلية ، فسلاح حزب الله وسلاح حماس ومسيرات الحوثي ونووي ايران ، وأن باتت لا تغني ولا تسمن جوع ، فهي من الأمور التي يجب أن ينفخ أسفلها كلما إقتضى الأمر ذلك ، وفي حالة من هذا القبيل فعلى مملكة النحل أن تتنحى جانبا لصالح مملكة العنكبوت ، فالمرض الخبيث الذي تم زراعته ورعايته في المنطقة العربية برعاية الإمبريالية العالمية ، لا بد له من دواء نجس للتعامل معه ، وهو ترياق غير موجود سوى بيد من صنعها ، فمن زرع هذه الأدوات في المنطقة العربية وغذاها منذ عام الف وتسعماية وتسعة وسبعون ، يوم حطت بوينغ فرنسية تقل على متنها خليفة المسلمين آيات الله الخميني ، فهم الوحيدين القادرين على إنهاءها .

لم يحتمل ليلة أول أمس موسى ابو مرزوق سؤالا لمذيع قناة الغد إن كان السابع من أكتوبر وفق تخطيط حماس كان سيؤدي الى التحرير ، فيجيبه ليس هناك من عاقل ليتوقع بأن الف وخمسمائة مقاتل يستطيعون فعل ذلك ، ويضيف في سجال مع المذيع بإن عليه أن يسأل سؤالا محترما ، نافيا أن يكون هذا السؤال بات مطروحا في كل بيت ليس في فلسطين فحسب بل على إمتداد العالم ، وأنه مجرد سؤل من خيال المذيع لوحده ، ويهرب من المقابلة بعد خمسة دقائق ، ليختتم المذيع المقابلة بالقول بإن هذا يدلل على عقلية قيادة حماس ، وفي حالة كهذه فإما أن موسى ابو مرزوق غير جاهز لإجابات من هذا القبيل بكل الصراحة والوضوح ، وإما أنه يعيش على كوكب غير كوكبنا تماما ، فليس من المعقول أنه لم يستمع لكلمة محمد الضيف مع إنطلاق طوفان الأقصى حيث قال نصا  ، " لقد أطلقنا عملية التحرير ودعى الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم للمشاركة فيها ولم يترك وسيلة نضالية الا وإستخدمها من البندقية الى الساطور الى الجرافة الى السيارة الى الزحف نحو القدس وصولا للدعاء بالنصر والتمكين ، وفي حالة كهذه فإما أن يكون الضيف حسب وصفه بغير العاقل ، وأما أن يكون هو غير صادق فيما يقوله ، ليس هذا فحسب فالتحرير بات خريطة حدها الأقصى حزام عازل رمادي اللون يحيط بغزه من جهاتها الثلاث أما البحر فقد بات محظورا على من يقتاتون على من يسعى لسد رمقه ، والسجون تضاعف المعتقلين فيها خمسة أضعاف قابلة للزيادة وليس للنقصان يعيشون فيها ظروفا لا تمت للإنسانية بصلة ، أما الأقصى والإستيطان في القدس والضفة فحدث ولا حرج ، فأي عقلية ستدير صراع بكل هذه التعقيدات والحساسيات التاريخية ، غير قابلة لتفسير كل ما جرى سوى بإجرام العدو ، وكأنه أكتشف البنسلين مثلا ، والتي لم تكن خافية على أحد سوى على قيادة حماس ومن يطبل ويزمر لها بكل ما تفعل وتقول ، غير مدركين لكل المتغيرات على الأرض التي كانت تحدث أمام ناظريهم ، وكأن شيء لا يحدث بمطلق الأحوال .

لقد توقف القتل المباشر للناس مؤقتا ، وبدأت معركة صراع الإرادات ، وترسيخ النتائج السياسية للمعركة على الأرض ، فمن لم يستطع فرض تحرير ستة أسرى وبضعة مئات من المشاركين في أحداث السابع من أكتوبر ، وجثث من صنعوا الطوفان ، وهو لا زال يمتلك ورقة الضغط الوحيدة بيده ، فكيف سيتمكن من إكمال التسعة عشر بندا من بنود خطة ترامب المتبقية وهو خالي الوفاض ، فكما يقولون الرسائل تقرأ من عنوانيها ، فالخط الأصفر الذي تتمركز عليه قوات الإحتلال لا يبعد سوى دقائق عن الخط الأزرق الذي كانت تتواجد عليه قبل الإنسحاب ، وقد يكون الخط الأصفر هو آخر خطوط الإنسحاب لسنوات قادمة لتنطلق منه القوات لتنفيذ مهام موضعيه محددة كما هو الحال في الضفة الغربية ، مع التحكم التام بالجو والبحر وقوافل المساعدات والإغاثة وإعادة الإعمار .

التقى توني بلير (المرشح كمدير تنفيذي لمجلس السلام لإدارة الحالة في قطاع غزة) بنائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ  في الأردن ، وهو إجتماع سيكون على قدر كبير من الأهمية ، أولا لكون الطرفان يعرفان مواقف بعضهما البعض عن قرب ، وثانيا لحاجة الطرفان الماسة لتسهيل مهام كليهما ، فتوني بلير أكثر من يعرف بإن مهمته لن تتحقق دون أخذ شرعية عمله ممن يحمل مفاتيح التمثيل الرسمي الفلسطيني ، وكذا الحال فالتمثيل الفلسطيني لن يكون حاضرا بفعالية دون قيام أحدا ما بتسويقه لدى إدارة ترامب ، ولن يكون قادرا على مهمة من هذا القبيل وبلغة الواقع الراهن سوى توني بلير ، في محاولة لفتح ثغرة في كل الإستعصاءات التي يضعها بنيامين نتياهو لمنع التمثيل الفلسطيني من المشاركة في كل ما يجري حول مستقبل غزة ، وقدرته على إقناع إدارة دونالد ترامب حتى الآن بما يقوم بتسويقه .

لا يمكن التقليل من الجهد المصري بأي حال من الأحوال ، لتوحيد الموقف الفلسطيني تحت عنوان واحد لا غير ، يتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية ، بكل تطلعاتها السياسية والتزاماتها الدولية في نفس الوقت ، والذي من الممكن أن تحل من خلاله كافة الإستعصاءات التي يسعى لخلقها بنيامين نتياهو من خلال خطة دونالد ترامب ، فموضوع السلاح وتفكيك منظومة حكم حماس والحكم الإنتقالي في غزة كلها من الموضوعات القابلة لإيجاد المقاربات لها من خلال هذا الجهد .

خلاصة القول :ـ

لا يمكن إعادة تصويب المشهد الفلسطيني بكل الصراحة والوضوح ، دون أن تقوم حماس بمراجعة كافة المقاربات السياسية والعسكرية التي قامت بها قبل ثمانية عشر عاما وحتى يومنا هذا ، وإنخراطها في محاور مغردة خارج بيت الشرعية الفلسطينية ، فلم يعد المشهد الفلسطيني يحتمل أكثر من ذلك ، ولا حاجة للتذكير بإن  مليون ونصف فلسطيني باتوا في العراء ، وهم بحاجة لكل شيء ، فلنمنحهم جزءا من حقهم في الحياة الآدمية .

 


تعليقات