القائمة الرئيسية

الصفحات

 



أوهن من بيت العنكبوت

أسبوع حافل بكل ما يشتهيه الإعلام والإعلاميين ، فاض بها الفضاء الإعلامي بالمواد الإعلامية والصور ، قدرة المحلليين السياسيين وكتاب الرأي السياسي على تغطيتها ، فما بين تل أبيب وشرم الشيخ ، وأرض الحدث غزة ، التي شغلت الناس على إمتداد الكون لعامين مضيا ، يصمت دوي الإنفجارات ثقيلة الوزن والموت بالجملة ، ليبدأ معها المسلسل الأخطر على القضية الفلسطينية ، يزور صانع الآمال الأوهام دونالد ترامب اسرائيل ، يلقى حفاوة لم يحظى بها أي من ساكني البيت الأبيض قط ، مباركا بالإنتصار محييا أعظم رئيس وزراء للحرب ، طالبا العفو لشريكه في الإنتصار ، لم يترك أحدا الا وجاء على ذكره بالشكر وليس آخرهم وريثة أموال نوادي القمار مريام أديلسون ، دافعة الأموال للإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، قال كل شيء قد يقوله السياسيين ولا يقولونه أيضا ، أما هناك فكان بإنتظاره بقية العالم ، غير آسفا على تأخره لساعات فهو يعلم أن أثرياءهم سيبقون بإنتظاره مهما طال بهم الإنتظار ، أما بعض من وصفهم بالفقراء الذين إنتهى حجزهم لمقاعد الاياب لأوطانهم فسيغادرون غير أسفا عليهم ، فهم لا يركبون فخر الصناعة الأمريكية من طائرات البوينغ الرئاسية ، يوقع أوراق تنفيذية مبهمة لخطة جاءت مبهمة ، لها أول معروف محدد مسبقا بتفاصيل التفاصيل ، فهو بيت القصيد ، ولا يتبعها تاليا أي من الوضوح ، فهي مصممه أصلا  على هذه النحو من الغموض الذي أسموه بالبناء ، يتم تسليم عشرون رهينة أسرائيلية عدا ونقدا وفي أحسن الأحوال وبلا أي نوع من المظاهر السابقة للأنفة والقوة ، كاسرين أحد أهم إستعصاءات فشل المبادرات السابقة ، الإنسحاب التام من غزة مع الإفراج عن آخر رهينة ، يستدير أهل الطوفان الى الداخل فهو الملعب المفضل للعبة القوة ، فخصومهم لا يمتلكون لا طائرات ولا دبابات ولا حتى عصي ، قتل بالجملة بقانون شرعية البندقية ، فلا تحقيقات ولا محاكمات ، يكفي تقارير إستخبارية تعود لعصر القال والقيل ، تلطخ سمعة أسر ممتدة لقاء فعل قد يكون حدث أو قد لا يكون ، يتبنى ساكن البيت الأبيض ومثنيا على الأحداث بإنه سمح لأهل الطوفان بالفعل ، لفرض النظام لعصابات أكثر ما تشبه العصابات الفنزويليلية ، فيتراجع بعد ساعات ليهدد حماس بضرورة وقف قتل المواطنين الأبرياء ، وما بين العصابات الفنزويلية والمواطنين الأبرياء ، فهو الوقت المخصص لمن همس بإذنه أخيرا والذي سيكون له القول الفصل ، يتبارز بنيامين نتياهو مع أهل الطوفان ، بعد تنفس الصعداء أخيرا بتحقيق أولى إستعصاءاته ، وهذه المرة من باب سردية جثث قد تحللت بعد عامين من الحرب ، وحال لسانه يقول سأقاتلكم حتى آخر جثة وأخر مسدس صدأ ، فيرد أهل الطوفان بإن هذا كل ما لدينا من جثث يمكن تسليمها ، أما ما تبقى فهي بحاجة الى معدات متقدمة وجرافات وفرق تركية وقطرية ومصرية ، فيرد عليهم بنيامين نتياهو ، بإن لا فتح لمعبر رفح حتى تسليم آخر جثة ، وليس هذا فحسب بل لآخر قطعة سلاح ، وأن لا فرق ولا معدات ستدخل ، بل بمعاولكم التي أخفيتموهم بها ، ويتفاعل دونالد ترامب مع الحدث بمزيد من التلويح بالتهديد لأهل الطوفان ، فتتحرك بعض الجرافات بتغطية كاميرات الجزيرة ، بإننا نفعل كل شيء ، وما هي الا ساعات وتبدأ الجثامين بالظهور تباعا بعيدا عن جرافات خربة في مدينة حمد ، هذا هو الحال وما سيكون عليه كل بند من بنود خطة الملك المتوج للشرق الأوسط ، فمن يتبنى شعارات أوهن من بيت العنكبوت فعليه القبول بقوانين لعبة بيت العنكبوت بكليتها .

لو قدر لك التعرف على نوايا اللاعبين الرئيسيين ، في ساحة الفعل في حرب غزة ومآلاتها لرأيت العجب العجاب ، فلم يدخل بنيامين نتياهو الى هذه اللعبة الا بالضغوطات الأمريكية ، بعد أن أدرك حلفاءهم بإن إستمرار بنيامين نتياهو بهذه الحرب ستدفعه الى حرب من كل الألوان مع العالم بأسره ، وحتى ساحة الولايات المتحده فقد بدأ العد العكسي لها أيضا ، فالجيل الشاب في أمريكا بات قلقا من تحكم إسرائيل بالسياسات الأمريكية ، وأنه بات قلقا من الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل ، وما دام الحال كذلك فما هو متفق عليه ضمنا بينهما فهو أن على بنيامين نتياهو أن يتريث حتى تحقق له المبادرة وألياتها التنفيذية ما كان ينوي إستكماله بألته العسكرية ، والا فله مطلق الحرية بالتصرف ، وفوق ذلك تحميل الطرف الآخر كامل المسؤولية ، وهو يعلم يقينا بأن الطرف الآخر سيسعى جاهدا لمنعه من تحقيق ذلك ، وسيجد الف سبب وسبب لإستدارة آلته العسكرية مجددا لإستكمال ما بدأته ، أم مقاربة  أهل الطرفان فتقوم على أساس بإن خسارة غزة عسكريا ونفوذا فهي آخر حلقة في مشروع الأخوان المسلمين الكبير الذي سقط في المنطقة العربية ، وأن سمح لنفسه بذلك فلن تسمح له شظايا تحالفاته السابقة بذلك ، أما مقاربة الضامنين المقربين له القطريين والأتراك وبشكل أقل المصريين عن وعدهم بتغيير مقاربتهم المسلحه ، الى فصيل سياسي مجرد من السلاح ، فهي مقاربة ستصطدم بجدار صد داخلي في قواعد المنظومة الفكرية لحماس ومسلحيها ، وهي في مثل هذه الحالة ستجد الف سبب وسبب لتتكئ إليها ، يصنعها بنيامين نتياهو صباح مساء ، لتعزيز تنفيرهم من كل ما يمت للمبادرة بصلة ، ويعود التخادم سيرته الأولى ، وفي مثل هذه المقاربات ، فهل سيتمكن الضامنين من فعل أكثر مما فعلوه حتى الآن ؟؟

حتى تعرف الإجابة على كل ما تقدم ، فلا بد من تحليل سلوك ثنائي الصهيونية الدينية بن غفير وسموتيرتش ، والذين آثروا البقاء في حكومة بنيامين نتياهو ، وإنساقوا في رؤية دونالد ترامب ، فهي تعكس حقيقة واحدة لا غير ، بإن بنيامين نتياهو أقنعهم بعدم التعجل فالحرب ستعود سيرتها الأولى إستنادا لقراءة دقيقة لكيفية تفكير من تعامل معهم لسنوات مضت ، ووعد أمريكي بإعطاءه كل ما يلزم إن لم تمضي الأمور كما يشتهي ، أما منظري الطوفان فلا تخلو تصريحاتهم من إشارات لبعض الخطوط الحمراء ، فالتفسير للسلاح والحكم وتسليمهما سيدخل مسدس التساؤلات العقيمه ، لمن وكيف ولماذا وأين ومتى  وكل واحدة منها كفيلة بتفجير أزمة لأن الردود عليها في المقاربة الإسرائيلية تبعد عنها مئة وثمانون درجة بالتمام والكمال ، وهذا ما ينتظره بنيامين نتياهو على أحر من الجمر ، قبل أن تبرد محركات الدبابات وجنازيرها ، فلم ترسم حدود المنطقة الصفراء إعتباطا ، فهي آخر الإنسحابات في عقيدة ساسة إسرائيل ، وهي محطة إعادة تموضع للعودة الى الخط الأزرق وليس للأحمر بكل تأكيد ، فإن تم حلحلة قضية الجثث بإقناع حماس من قبل الضامنين بالتخلي عن آخر الأوراق التي من الممكن أن يلعبوا بها ، فدونها ما هو أكثر تعقيدا .

ما بين هذا وذاك فقد تفتق المقترح الإسرائيلي والذي تبناه الأمريكيين على ما يبدو ، بالبدء بمنطقة رفح في أقصى الجنوب ، لإقامة منطقة خيام كبرى مؤمنة بإحاطة الجيش الإسرائيلي من جهاتها الأربعة ، مفتوحه مع العالم الخارجي عبر معبر رفح تحت الرقابة الإسرائيلية وتزويدها بالحدود الدنيا للبقاء على قيد الحياة والظروف الإنسانية من المياه والكهرباء والغذاء والعلاج ، وهو النموذج المفضل الذي يجري العمل عليه على الورق تحسبا للخيار الأكثر أحتمالا وهو فشل المضي قدما في مبادرة دونالد ترامب .

خلاصة القول :ـ

لا نعتقد بإن أحدا من اللاعبين الرئيسيين والضامنين مستعدا للمجازفة بالقول بإن حرب غزة قد إنتهت ، سوى دونالد ترامب فهم في أحسن الأحوال يفضلون مصطلح توقفت ، وما بينهما فرق شاسع ، فدونالد ترامب بات مسموحا له أن يقول ما هو محظور على غيره ، فلم يترك قضية حول العالم الا وإستخدم الشيئ ونقيضه تماما ، فبالأمس إستقبل فلادمير زيلنسكي محملا بمخططات وإحداثيات الأهداف العسكرية الروسية المنوي إستهدافها بصواريخ التوماهوك ، فخرج من الإجتماع خالي الوفاض فلا توما هوك في المدى المنظور ، فالولايات المتحدة بحاجتها أكثر منهم ، مطالبا إياه بوقف الحرب عند الحدود التي وصلت اليها على الأرض ، وأن ما تغير هو إتصال من فلادمير بوتين قام بفرملة مسعى زيلنسكي والأوروبيين على حد سواء ، فهذا هو حال دونالد ترامب والذي بات العالم مضطرا للتعايش معه لثلاث سنوات أخرى بكل أحلامه وأوهامه ، أما نحن المسلمين والعرب والفلسطينيين عموما وأهل غزة على وجه الخصوص ، فالسؤال الكبير الذي بات يبحث عن إجابة ، فإلى متى سنبقى أسرى لفكر تكفيري هزم في أول إختبار جدي على الأرض ، وبات شظايا لم تحرر الأوطان ولم تسمح لهم بإقامة منظومات حكم رشيد يحترم إنسانية البشر

(ملاحظة :ـ ما كدت أنهي آخر الكلمات لهذه المقالة حتى عاد القصف مجددا على غزة)

تعليقات