القائمة الرئيسية

الصفحات

 





لا تكن كاثوليكيا أكثر من البابا

إستدعى مندوب روسيا الإتحادية أرثذوكسي الهوية الدينية ، ليلة أمس مثلا أوروبيا مفاده " لا تكن كاثوليكيا أكثر من البابا " ، وذلك في معرض مداخلته عقب إعتماد مجلس الأمن للقرار رقم 2803 والذي أمتنعت بلاده عن التصويت له ، ليختصر سبب عدم تقديم مشروعهم المضاد ، أو إستخدام حق النقض الفيتو لوقف القرار ، أو بمعنى آخر أراد القول لن نتشدد أكثر من الممثلين الرسميين للعرب والمسلميين والفلسطينيين الذين دعموا هذا القرار ، معددا في مداخلته الفرص والمخاطر المتضمنه في القرار ، وحذا حذوه المندوب الصيني والذي إمتنعت بلاده عن التصويت ، ولم يستخدم حق النقد الفيتو أيضا .

تم تمرير القرار بغالبية 13صوتا لم يعارضه أحد ، وبات وثيقة من وثائق الأمم المتحدة العديدة تحت الفصل السادس وليس السابع كما أرادت إسرائيل ، وبحضور المندوب الجزائري الذي ذهب الى منحى مشابه للموقف الروسي ، ورغما عن كل ذلك فقد أيد القرار ، التزاما بالموقف العربي والإسلامي والفلسطيني العام ، وبحضور المندوب الإسرائيلي أيضا  الذي دعي لحضور الجلسة ولم يتقدم بطلب لإلقاء كلمة ، إستمع جيدا لكل ما يقال وأكتفى بعد إنتهاء الجلسة بتصريح صحفي معبرا عن تأييد حكومته للقرار ، أما صاحب القلم (المندوب الأمريكي) ففي مداخلتيه قبل التصويت وبعده فلم ينسى أن ينسب كل هذا لسيد البيت الأبيض (صانع السلام) ، أما بلغة السياسة فهو أفضل ما يمكن تحقيقه وعلى الجميع قبوله ، أما تعقيبا على رفض حماس له ، فقال ، أما فهذا فيؤكد أنهم سائرين على الطريق الصحيح ، ولكنه لن يجرؤ على التعليق على رفض بن غفير له قبل أن يعرض حتى على مجلس الأمن ، وهو أحد وزراء حكومة أقاصي اليمين .

ستتناول وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة الفرص والتحديات التي باتت حاضرة في أعقاب صدور هذا القرار ، ولن يأتي أحدا بجديد في هذا السياق ، فكل التجارب السابقة وعلى مدى قرن من الزمن ، أثبتت بالدليل القاطع فشل كل المساعي للوصول الى نتيجة مرضية ، لسبب بسيط يلخص الحالة برمتها ، بإنه صراع من النوع الوجودي ، تختلط فيه السياسة بالدين والتاريخ والأيديولوجيا ، فدولة قامت بقرار سياسي دولي كدولة لليهود في فلسطين تعويضا لهم عما فعلته أوروبا بهم ، دفع الفسطيينيين الى خوض نضال دفعوا به أكبر الأثمان ، وصولا الى ما آلت اليه الأمور في غزة ، وليسوا مستعدين بعد للإجابة على سؤال بسيط وماذا بعد ؟

رفضت حماس والفصائل القرار قبل صدوره ، وعادت لتكرر الرفض له بعد صدوره ، معددة كل مخاطره على الشعب الفلسطيني ومستقبل القضية الفلسطينية ، وكأنهم إكتشفوا البنسلين مثلا ، أو أن أحدا لا يرى ما يروه ، ولكن وقبل الرفض أليس بالأحرى بهم ، أن يقفوا أمام الله وقفة صدق ويجيبوا على سؤال واحد بعد المليون فقط ، فماذا لديكم لتقدموه للأطفال والنساء السابحين في الظلام الدامس في سيول مياه المطر والصرف الصحي مع أول تقلب لأحوال الطقس ؟ نعرف أنه لا ينقصكم بلغة السياسة فنون الإجابة ، من قبيل وهل يعني ذلك التنازل عما تبقى من كرامة وطنية ! والجواب ننصحكم بالتوقف عن إستخدام هكذا مصطلحات ، فالعالم سيقول لنا مجتمعين وليس لكم وحدكم  " لا كرامة لوطن أضعتموه ومزقتوه  ، تبكوه اليوم كالنساء ، لم تعرفوا أن تحافظوا عليه كالرجال " ، أما نحن الآمنيين مع أطفالنا ونساءنا بعيدا عن الموت والجوع والمرض ، فلن نكون كاثوليكيين أكثر من البابا ، وهم في هذه الحالة ، جموع المعذبين في الأرض ، الذين فقدوا كل شيء ،

لا يساور أحد الشك بإننا دخلنا كفلسطينيين الى مرحلة عدم اليقين ، لنتوقع ما قد يحدث ليوم واحد ، فقد فتحت الأبواب على مصراعيها للعالم بأسره للتدخل بتفاصيل الحياة الفلسطينية ومن بابها الى محرابها ، كما لا يساور أحدا أي نوع من الشكوك ، بإن حكومة أقاصي اليمين في إسرائيل تتربص للإنقضاض على أي ملمح قد تحمله المبادرة كفرصة نجاة للفلسطينيين ومشروعهم الوطني ، فمداخل انقلاب حكومة اليميين عليه عديدة ، ستكون أولى سردياتها مرتكزة على الرفض العلني لحماس لمشروع القرار الذي بات أمرا واقعا ، والذي سيتفرع عنه عددا كبيرا من التفصيلات المائعة والغير محسوبة ، لن يكون أولها نزع السلاح وحسب ، فقبل كل ذلك فهناك ثلاثة جثامين عالقة وسط أكوام الركام والدمار ، وأن حسبتها حماس آخر ما تبقى من أوراق للقوة التي لن تفرط بها قبل أن ترسم لنفسها دورا في المشهد ، فهي لحكومة الأساطير بمثابة طاقة أمل تنتظرها على أحر من الجمر ، للتلويح بها لعدم المضي قدما للخطوة التالية ، وخطوة بخطوة ستزداد التعقيدات وصولا لأسمى أمنيات حكومة اليمين بإنتزاع شرعية لآلة الحرب مجددا ، ولكن في هذه المرة بشرعية أممية .

إن من صاغ القرار يعرف إبتداءا ، بإنه لن يمضي قدما كما تم رسمه على الورق ، وأن موافقة حكومة أقصى اليمين عليه ، ما هي إلا محاولة لعدم الإصطدام المباشر بالبيت الأبيض ، فلن يجازفوا بخسارة دعم آخر من بقي لهم من داعمين على وجه الكوكب ، ولكنهم يعرفون أيضا كيف سيحولون هذا التحدي الى فرصة ، ففي ثنايا القرار من الثغرات ما يكفي لجعل عاليه واطيه ، وهو الأمر الذي لا تجيده حماس بكل تأكيد ، فالأيديولوجيا لا زالت هي الحاكمة ، ومن سيتعامل مع عالم أوله مصالح وآخره مصالح ، فلن يمضي بعيدا في القدرة على مسايرة الأحداث ، فتجربة العامين الماضيين والتلكؤ في إتخاذ القرارات قد أثقل كاهل الفلسطينيين بفواتير باهظة التكلفة ، نراها رؤي العين أمامنا بكل تأكيد ، وأن إعادة تدوير أساليب سابقة في إدارة الصراع ، قد ثبت فشلها سيكون بمثابة إنتحار جماعي للشعب الفلسطيني دون أدنى شك ، فلا يظن أحدا بإن بنيامين نتياهو لا يعي معنى دخول قوات دولية الى غزة ، فإذا نظر لها الفلسطينيين كقوة وصاية وحسب ، فهو ينظر لها كمن سحبت كل أوراق إدارة الصراع من بين يديه .

خلاصة القول :ـ

سيسحب سلاح حماس وتدمر الأنفاق وستخرج من المشهد شاءت أم أبت ، فهذا بات قرارا دوليا ، يتمنى العرب والمسلمين والفلسطينيين أن يحدث بهدوء وبأقل الخسائر الممكنة وبما يحفظ الكيانية الفلسطينية ، ويصون دماء الفلسطينيين ، أما بمنطق حكومة أقاصي اليمين ، فلا سبيل لتسجيل صورة نصر سوى بأدوات الموت العسكرية والمزيد من الإيغال بالدم الفلسطيني ، وأن إعطاءهم فرصة من هذا القبيل ، والمراهنة على مزيد من الوقت وتدخل من هنا وهناك ، فقد بات دربا من صناعة الأوهام ، فمن كان يسعى لفتح حوار معكم ، فقد كان لسبب وحيد وهو وجود عدد من الرهائن بين أيديكم ، أما الحوار معكم اليوم فسيكون بلغة مختلفة ، فأما التنفيذ الكامل وغيرالمشروط لكل متطلبات مشروع القرار الأممي ، وإما الموت ومعكم بضعة الاف من الضحايا الجدد .

تعليقات