القائمة الرئيسية

الصفحات

 


إنهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة

بات مثلا شعبيا ، وهو مأخوذ أصلا من العهد القديم في سفر يوشع ، هكذا كان الحال دائما وسيبقى مع كل منظومات الإستبداد وزراعة الأوهام ، وهي العقدة التي لم ولن تحلها الأيام ، لفكر الأساطير التي يعج به الشرق الأوسط ، تضع الحروب أوزارها في كل مرة ، ويحتضرون الف مرة ومرة ولا يموتون ، لا يهتدون الى باب أعمتهم أساطيرهم عن مفاتيحه ، وسنظل بابا موصدا يحجب وراء مصراعيه أسرار الأزمنة الغابرة واسراره الآتية  ، ينتصرون دائما بإنكساراتهم المتعاقبة ، يسكنون مفترق طرقات العالم ، ولا يتعلمون من تجارب المارين من هنا سوى تصدير البغضاء لهم ، لا زالوا ينفخون في قرون حيوانات أكلوا لحومها ، ولا زالوا يعرجون على السحرة والمشعوذين كلما جانبهم يسر الحال والأحوال ، يسبحون على بطونهم لإثارة حنق كارهيهم ، وينسبون الى الله كل ما ألم بهم من مكاره ، يتفنون في تخمير أزماتهم التي لا تنتهي ، يعشقون المحتالين ويكرموهم ، وما يلبثون حتى يندبون ، وفي ندبهم همس للأسوء الذي لم يأت بعد .

يحلو لبنيامين نتياهو أن يداعب خيال البسطاء على قدرته على تغييير وجه الشرق الأوسط ، وأضاف لها هذه المرة بأنهم هم أيضا قد تغيروا ، فباتوا بحاجة الى جيش كبير جرار ، واحتياطي تطول فيه فترة الخدمة ، أستعدادا لجبهات القتال المفتوحة على مصراعيها ، والإنتقال من سياسة الإحتواء الى المجابهة السريعة والعاجلة ، لقد صدق في كل ما قاله ، ولكن ما لم يقله ، هل كان كل هذا التغيير هو في صالح الدولة التي يديرها إستراتيجيا ؟ فيأتيه الرد عاجلا وليس آجلا ، بسلسلة حوادث ذات مغزى ، فمن غيت المدعية العسكرية يورشلمي الى غيت رئيس الهستدروت فقانون الإعدام الجاري تداوله ، فكلها معالم على طريق المشهد القادم للتغيير الذي أحدثه في الداخل قبل الخارج ، والحبل على الجرار من غيت الى آخر ، ولم تكد صدى كلمات دونالد ترامب بنيته التدخل لصالحه لوقف مطاردته جنائيا تتوقف بعد ، ولا ما بات يعرفه كل رعاياه ، بإن إسرائيل باتت دولة وصاية بإمتياز ، قبلوا ذلك أم أنكروه .

يرد عليه شريكه في صناعة الأوهام دونالد ترمب بأغرب من ذلك ، لقد أنهينا للتو صراع عمره ثلاثة الاف عام ، فيصفق له كل من يحضرون إحتفالياته التي لا تنتهي ، وهم يعرفون بإنه يتحدث بهراء محض ، فهو يتصور إن أجراء عملية تبادل لأسرى وجثامين ووقف لإطلاق النار ، فيكون بذلك يكون قد أنهى هذا الصراع ، الذي يعرف عنه أي شيء ، سوى ما يهمس له بعضا من بطانة تحالفاته بما يحلو لهم ، تقاطرت وفود ووفود من مبعوثيه رفيعي المستوى لمجرد تثبيته ، أو بمعنى أدق ، منع بنيامين نتياهو من الإنقلاب عليه ، وهو الذي لا يؤمن سلفا بقدرة أحد غير إسرائيل على تنفيذ إشتراطاته الخمس ، بما يحقق له النصر في هذه المعركة ، متوهما أن النصر بات قاب قوسين أو أدنى ، بل في متناول يده ، معتقدا أن مئة الف ضحية في هذه الحرب ، هي مجرد أرقام أو أغصان متيبسة قطعت من أشجار في غابة ، ولا يعلم بإن لكل منها إمتدادات ، زرع في وجدانهم ثأرا لا ينتهي ، لا يعلم عن بداية أي جولة جديدة من الصراع ، الا بقدر ما كان يعرفه حين كان يغفو بجانب برميل بارود قبيل ساعات من السابع من أكتوبر .

أما أهل الطوفان فهم ليسوا دون كل ذلك ، فلا زالوا يعتقدون أنهم قادرين على بعث الحياة في حكم شبع موتا ، وسبيلهم في كل ذلك مسرحية تجوال هزلية تحت رايات الصليب الأحمر ، لبضعة جثث يعلم عنها بنيامين نتياهو أكثر مما يعلمون ، يرون بأم العين ورشة الهدم الكبرى في شرق وشمال وجنوب غزة ، باتوا بحاجة الى وساطة العالم في إخراج مائتين من مقاتليين تقطعت بهم السبل خلف الحدود الجديدة ، فهكذا سيبقى عليه الحال  ، ما بين زراعة ريح وحصاد للزوابع ، الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا .

هذا هو حال من يديرون الصراع على هدي خطة دونالد ترامب في مرحلتها الأولى ، فما بين عصا وجزرة دونالد ترامب وأوهامه ، تمضي الأيام ثقال على مليوني فلسطيني ، يعيشون حربا مع كل شيء ، ومن أخطرها نقاش محتدم حول سؤال مفتوح مبني على المجهول وماذا بعد ؟ فما بين من يريد رسم معادلات وإستراتيجيات لخلاصة فكر الإستبداد والإحتلال والسيطرة المطلقه من ناحية ، ومعركة  الإستماتة على البقاء لشظايا حكم أصولي مني بهزيمة نكراء من ناحية أخرى ، ومظلة وسطاء يهيمن على مقاليد الأمور فيها راعي الأماني والأوهام دونالد ترامب ، تترنح المبادرة والتي لا إتفاق فيها سوى تبادل أسرى وجثث ، وحتى هذه فلا زالت عالقة في عنق زجاجة النوايا ، وفي سباق مع الزمن يتعجل بنيامين نتياهو الأمر لإدارة محركات عربات جدعون ربما المشهد الثالث منها ، وإبطاء هذا المسعى بمسكن من جثة هنا وجثة هناك من أهل الطوفان ، وجدل لصياغة مشروع أممي لتشكيلات قوة دولية وحكم ووصاية دولية ، مختلف عليها من ألفها الى يائها ، تمضي الأمور قدما نحو المزيد من المجهول .

ليس بعيدا من هناك فهناك على أرض الشطر الآخر من الوطن ، معركة جارية على الأرض بشراسة نهم التوسع والإستيطان ، عنوانها شبيبة وفتيات التلال ، حرق ومنع ومصادرة ، ذروته في موسم قطاف الزيتون ، كبرى الأعياد الفلسطينية في معركتهم للبقاء على أرضهم ، فالحوادث المسجلة تضاعفت أضعاف مضاعفة ، والتي أسست لها حكومة الأساطير الحاكمة في إسرائيل ، فمن لا زال يعتقد بإن كل ما يجري هو بعيد عن توجهات الأحزاب المشاركة في إئتلاف بنيامين نتياهو فعليه أن يعيد النظر في هذا التحليل ، فالمراقب على الأرض يعلم يقينا بإن الإنتشار العسكري والأمني في شوارع الضفة الغربية ، لا يسمح بحركة جماعات منظمة لمهاجمة الفلسطيينيين دون معرفة مسبقة بهذه التوجهات بمطلق الأحوال .

أما الجبهة الشمالية فحدث ولا حرج فطبول الحرب التي لا زالت تقرع هناك بدعوى سلاح حزب الله فهي سيدة الموقف ، وليست بحاجة سوى لصاروخ واحد من فكر شارد لتعود بكل قوة الى هناك ، فشظايا سلاح الحزب والذي لم يحفظ للبنان في أوج قوته أي مظهر من مظاهر الأمن ، بات اليوم وهو في أسوء حالاته ، المبرر لتجدد الة الموت والدمار من العودة سيرتها الأولى .

أم رأس المحور فلا زال في صدارة الأجندة الإسرائيلية ، فكومة الإشتراطات الأمريكية التعجيزية على نظام الملالي هناك ، والتصريحات الإسرائيلية المتعاقبة ، عن تنامي القوة الإيرانية وإعادة ترميم البنى التحتية لما يسمى بالبرنامج النووي ، فهي إن قالت شيء فهي تؤكد بإن هذه الجبهة لا زالت على صفيح ساخن ، أما كيف ستندلع شرارتها القادمة فهي في رسم الأيام القادمة .

لم ينسى بنيامين نتياهو التعريج على جبهة الحوثيين بإعتبارها تهديدا لم ينتبه له أحدا سواه ، رغم توقف هذه الجبهة ، بعد توقف إطلاق النار في غزة ، فهو يذكر الحوثيين ومعهم العالم بإن فاتورة الحساب لا زالت مفتوحة معهم ولم تنته ، وأن فصلا قادما سيحين موعده آجلا أم عاجلا ، مع تحرك مركبات جدعون نحو غزة مجددا ، وربما قبلها أيضا .

خلاصة القول :ـ

لا يوجد مكان على وجه الكوكب ، أكثر من صراع الفلسطينيين والإسرائيليين ، تتجلى فيه حقيقة أن إنتاج الإحتلال والإذلال والمعايير المزدوجة منطقة تتأرجح بين اليأس والتحدي ، فكل صاروخ يطلق وكل جدار يبنى متحديا للقانون الدولي وكل صمت في وجه المعاناة الإنسانية ، هو بذرة تزرع في أرض قاحلة لا تنسى ، أما الحصاد فليس سلاما كما يتوهم البعض ، بل غضبا وإنهيارا بطيئا ، لكن التاريخ برهن من أراد أن يرى ، أن الظلم المؤجل لا يبقى ساكنا بل يتخمر ، فحين يغض الطرف عن الحقيقة ، يذوب وهم السيطرة لحظة يدرك المقهورين ، أن لا شيء لديهم ليخسروه ، لقد زرعت الرياح ولا زالت تزرع ، والسؤال لم يعد هل ستأتي الزوابع ؟ بل من الذي سيبقى واقفا عندما تهب ؟

 


تعليقات