عشية الذكرى ..... تكريم فحنين
أنه الحادي عشر من الشهر
الحادي عشر للعام 2004 ، يوم ترجل حارس الحلم الفلسطيني ، والفصل الأطول في حياتهم
، أنه ياسر عرفات وكلمة سر الفلسطينيين الى مجدهم ، أختلف معه الكثيرين ولم
يختلفوا عليه ، ما بين ثورة ودولة ودولة وثورة رسم ملامح وحدود حلم الفلسطينيين ، إنتزع
الشرعية والإعتراف من بين فكي كل مفترسات الأرض ، أصاب وأخفق متنقلا بين كل أفخاخ
الكون بأسره ، عاصر كل المتغيرات والعظماء والجبناء على حد سواء ، أجاد الإنخراط
في الأزمات ودروب وممرات الخروج الآمن
منها ، لعب على حواف النهايات المحتومة ، إستطاع أن يكون رقما صعبا لدى مبغضيه قبل
محبيه ، كان متدينا فطريا أكثر منه شعائريا ، لا ندري من حسن طالعه أو سوءه ،
قيادته نضالا ضد قوة يدعمها الغرب والشرق على حد سواء ، صنعها الغرب وصدرها شرقا
بعيدا عنه ، لا بوصلة له بين كل جدران الصد سوى القدس بمأذنها وكنائسها وأزقتها
القديمة ، لا يجيد فنون الخطابة ولكنه أكثر من وصل الى قلوب المعذبين بالأرض ،
باتت كوفيته هوية وبطاقة تعريف بالفلسطينيين حول العالم ، باتت رمزا تستحضره كل
ساحات النضال العالمي للتحرر والنضال ضد كل أشكال الإستبداد ، من حصار الى حصار ، خرج
أخيرا وعاد مسجى الى مكان حصاره الأخير ، أبى أن يغادر مربع الفعل والتأثير حتى في
مماته ، أبى الا أن يكون حلما يفتقده الفسطينيون ، كلما ضاقت بهم السبل وضيق الحال
والأحوال ، سيتحضرونه ليداروا ضعفهم وإنكساراتهم ، بات إستحضار ذكراه ، وسيلة
تحايلهم النفسي حين يعجزون عن إستيعاب الواقع والقدرة على التأثير به .
أما وبعد ...... فأحياء
الذكريات الخالدة في طقوس الأمم التي تطوق الى التقدم ، هي الى جانب تكريم الذكرى
أو صاحبها ، فهي دعوة لوقفة تأمل ومراجعه لعام قد إنقضى ، وكم إستلهمنا من دروس
وعبر من الذكرى وصاحبها أيضا ، والحقيقة التي لا يختلف عليها إثنان فإننا في
إنحدار ، ومن سيء الى أسوء ، ننظر الى كل شيء وقد تغير من حولنا ، بتنا نقاتل
للبقاء في معادلات الإصطفافات الدولية ، بعد أن كنا جزءا مهما من بين لا عبيها
الكبار ، مدن مدمرة عن بكرة أبيها ، الاف الجثث لم نتمكن من مواراتها الثرى ، ثكلى
وأرامل وأيتام بالالاف ، إعدام للحياة المدنية للبشر ، نصف الشطر الجنوبي من الوطن
بات حدودا جديدة باتت خاضعة للتفاوض ، إستيطان يتفشى في الشطر الشمالي منه ، حصار
للمدن وللسكان وأرزاقهم ، حصار مالي يخنق حياة الناس وإستدامة بقاءهم على أرضهم ،
هذا هو الحال ما بين عام قد إنقضى وعام سيطل علينا ، نحاول مراجعة ما إستجد بينهما
، ليأتينا الجواب صريحا واضحا بإننا في واقع أسوء بكثير مما كنا عليه ، هل كان كل
ذلك بفعل ما أحدثته الحرب لوحدها ، أم كنا جزءا من الفعل الذي أفضى الى هذه
النتائج ، هل إستلهمنا من صاحب الذكرى قراره بالخروج من مشهد بيروت وركوبه البحر
منعا لدمارها وإحتلالها شيئا ؟ وبالتأكيد فالجواب هو لا كبيرة .
شئنا أم أبينا فإننا أمام
حالة من تآكل القرار الوطني المستقل ، فنظام سياسي برأسين متناقضين متناحرين لن
تكون نتائجهما بأفضل مما نحن فيه ، لقد كررها ياسر عرفات الاف المرات بإن عنوان
بقاءنا هو قرارنا الوطني المستقل ، قد نخسر ساحة ونكسب أخرى ولكن الأهم هو أن نبقى
أحرارا طلقاء في تحديد خياراتنا ، وعدم الإنحراف عن البوصلة نحو الأهداف الكبرى ،
لكن كل ما حدث هو نتيجة حتمية للإنخراط في لعبة المحاور ، وحتى وبعد أن مني محور
برمته بهزيمة نكراء ، فلا زال الإصرار على البقاء في ذات النطاق ، ولو مع شظايا
بإتت في حكم المؤكد ، بإنها لن تقدم أفضل مما قدمته وهي في أوج قوة وتمدد محورها
في المنطقة ، فكيف السبيل الى الخروج من مأزق إستراتيجي باتت نتائجه ماثلة أمام أعيننا
، بل ننتظر الأسوء والذي لم يأت بعد ، في كل حسابات المنطق والعقل وتجارب التاريخ
أيضا ، فهل بدعوى الأيديولوجيا يتم تبرير عدم الإنحناء أمام الرياح العاتية ،
فماذا نكون قد إستلهمنا من تجربة صاحب الذكرى ، حين ذهب الى خيار أوسلو إنحناءا
لعاصفة التغييرات الدوليه الكبرى ، وصولا لسقوط جدار برلين .
إن أفضل ما نقدمه لصاحب الذكرى هو أن نعيد قراءة تجربته في أدارة الشأن الفلسطيني بعين النقد ونستلهم من إخفاقاته قبل نجاحاته فهي السبيل للمضي قدما ، أو بمعنى أخر ذكريات أقل لصالخ تخيلات بعيدة المدى .
تعليقات
إرسال تعليق