حرب بلا قتال ، غرفة إجتماعات بلا سقف ، طاولة مفاوضات
مقلوبة ، تفاوض يتحكم بإيقاعه هدير الطائرات ، يكتب القادة شروطهم ويوقع عليها
الناس بدمائهم ، تتطاير فيها الأجساد لا الأوراق ، تفرض فيها إرادات ، تصمت
الديبلوماسية فتتكلم الطائرات ، لا شهوة فيها للإقناع بالفكرة بل بثمن رفضها ، لا
صوت يعلو فيها على الموت ، لا مسرح لها سوى بيوت الآمنين وأرزاقهم ، لا يظهر لابسي
قفازات الوساطة فيها الا موسميا ، يتبادل القاضي والجلاد أدوارهم كيفما إتفق ، لا
تعريف فيها للديبلوماسية سوى بإتجاه واحد ، أما الموت أو الموت ، تضيع فيها
الحقائق كالأحاجي والألغاز ، صدقت أو لم تصدق ، فلم تعد ذا صلة بالموضوع أصلا ،
يقرر يومياتها من لا يقبلونها أساسا ، هلامية مطاطة مائعة ، سمها ما شئت أو لم
تسمها فهو سيان ، إعتياد على صراخ في واد غير ذي زرع ، لا تسمع فيه سوى صدى صوت
مبحوح ، تخاله لكثرة سماعه بإن هناك من يسمع فيرد الإجابة ، تجتمع كل شياطين الأرض
في كل تفصيل من تفاصيلها ، تقلص المهل وتمدد وفق الحاجة والأولوية ، لا شريعة فيها
للمتعاقدين ، سوى ضحايا جدد يزينون مقابر الأرقام ، لماذا ومتى وكيف واين
......الخ ، باتت في عرف المتحاربين ، أسئلة ممجوجة لا تسوى مجرد الرد عليها ، فإن
أطيل اللسان أكثر من ذلك ، فقواميس التصنيفات وقوالب اللغة جاهزة الأستخدام ، وإن
زاد الحد عن ذلك ، فباطن الأرض أو كلاب الشوارع أولى بهم ، وإن أضيفت إلى... إلى
متى ، فهنا بتم يا حفظكم الله برعايته ، قد وصلتم الى منطقة زمنية على كوكب آخر ، تعريفها
....... وحتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .
بدأت مفاوضات المرحلة الثانية من خطة دونالد ترامب ، ولم
تبدأ بعد ، مفاوضات بالنار لغايات فرض الشروط لنهاية مأساة عمرها قرن من الزمان ، يتم
عنونتها بخروقات يتقاذفها المتحاربون ، متى وأين وكيف وقعت ، فليست مسأله شديدة
الأهمية ، اللهم أنها وقعت وحسب ، فمن يقرر وقوعها هو صاحب اليد الطولى في طول
البلاد وعرضها ، مسلحا بقرار دوليا من أعلى سلطات الشرعيات الدولية ، تتململ دول
في قبول الوقوع في شرك معزوفة سحب السلاح ، فمشاركتهم تكون لحفظ الأمن بين
المتحاربين ، إجتماعات ثنائية وثلاثية وما بينهما من إجتماعات مؤجلة أو في حكم
الملغاة ، لا تشي الا بشيء واحد ، فليقتلع الشوك من زرعه بيديه ، أو بمعنى آخر
فعلى بنيامين نتياهو أن يمضي قدما بما إبتدأه في غزة كما في لبنان ، أما كيف سيتم
ذلك ، فطريقته الفضلى هو إعادة تدوير عجلات آلته العسكرية وهدير طائراته ، نتساءل
كما الكثيرين في هذا العالم ، عن أي سلاح يتحدثون ، هل هو السلاح الذي خرج عن
الخدمة قبل عدة شهور ، أم أن هناك سلاحا آخر لم تذكره النصوص ، فبلغة العقل والمنطق
فأي سلاح لا يستطيع حماية الناس ، وخلق نوع من الردع والتوازن ، فمكبات إعادة
تدوير الخردة أولى به ، فلم يعد بتلك القيمة التي يتم تصديرها للعالم ، فصمت
القبور أمام كل هذه الإغتيالات في قلب العاصمة بيروت ، ومنها الى عمق غزة في وضح
النهار ، رغما عن إتفاقيات وقف إطلاق النار، لا يقول الا شيئا واحدا ، بإن المطلوب
هو سلاح البقاء على قيد الحياة لمشروع يحتضر ، ليس بحاجة لأكثر من رصاصة الرحمة ،
يتشبث أهله به لحسابات الداخل قبل الخارج ، فلا حزب الله بوارد تسليمه ، ولا حماس
ستفعل ذلك أيضا ، فهم يعلمون بإن الثمن الباهظ الذي سيدفع ، هو إنكفاء لمشروع عمره
أكثر من ثلاثة عقود ، ملئ الدنيا ضجيجا وصخبا عن الجليل وما بعده، وعن المجدل وما
بعدها ، فإذا به يحقق إعادة إحتلال غزة مجددا ، والتلال الإستراتيجية في الجنوب
اللبناني ، وتلال جبال الشيخ المطلة على قصر الشعب في دمشق فوق كل ذلك .
لقد عبر موسى ابو مرزوق تعبيرا صادقا حين قال " في
حال سلمت حماس سلاحهها فستكون عرضة لتصفية الحسابات مع كل خصومها في الداخل
الفلسطيني ، تبعا لإفرازات حكمها لقطاع غزة على إمتداد ثمانية عشر عاما "
وحتى يسيل لعاب الأمريكان والإسرائيليين ، يضيف الى ذلك "بإن حماس هي الجهة
الوحيدة القادرة على حماية أمن الحدود مع الإسرائيليين" ، أو بمعنى آخر وهو
لم يقله بإن وظائف السلاح ستتغير وفق العقيدة الجديدة ، حماية أمن الحدود مع
إسرائيل وحماية أمن حماس ، ولا نظنه أنه لا يعرف أو لم يقرأ مبادرة ترامب للسلام
أو نصوص قرار مجلس الأمن 2803 ، ولا نظنه أنه لا يعرف أيضا بإن هذا المحور بكل
تشكيلاته بات شيئا من الماضي ، وفق كل التصورات الجيوستراتيجية للمنظومة الدولية ،
ولنزيده من الشعر بيتا ، فقد باتت حاضنته الأوسع لمنظومة الأخوان المسلمين
العالمية قاب قوسين أو أدنى من الخروج عن الخدمة ، وإن لم يكن يعرف فالجولة
القادمة مع إيران لن تكون حول البرنامج النووي والصاروخي فحسب ، بل على رأس النظام
الذي بات في حالة من السوء لم يعشها على
مدار عقود عمره الخمسة الماضية ، فهل كل هذه المتغيرات الدولية ستجد من يقرأها ممن
تبقى من قادة هذا المحور أم لم يتسنى لهم ذلك بعد .
لم يمرر الروس والصينيين ، مشروع القرار الأمريكي في
مجلس الأمن رغم كل ما به من عوار إعتباطا ، فهم يعلمون جيدا التحولات الدولية
الكبرى التي جرت في المنطقة من ناحية ، وحاجتهم الماسة لتسويات في ملفات ذات أهمية
قصوى لهم من ناحية أخرى ، فالحرب الروسية الأكرانية ستتقدم بالتأكيد على سواها من
ملفات ، وأن المقايضة التي تمت في مجلس الأمن ، قد أثتمرت مبادرة أمريكية من
ثمانية وعشرون بندا ، تصب بمجملها في المصلحة الروسية بشكل حاسم ، ولن يخرج
الصينيون عن هذا المنحى ، فالمقايضة في إيجاد تسويات في حروبهم التجارية مع
الولايات المتحدة ، وبيع الشرائح المتقدمة للصينيين ، سيحتل الأولوية بشكل مؤكد
على سواها من ملفات ، وحتى أن كانت القضية الأولى (الموضوع الفلسطيني الإسرائيلي)
على طاولة المفاوضات الدولية ، ولم يبتعد السعوديين كثيرا عن هذا المنحى ، فمزيد
من الإستثمارات السعودية في الولايات المتحدة ، يعني بكل تأكيد صفقة طائرات أف 35
بمواصفات مثيلة لما تمتلكه إسرائيل ، وتدفق للشرائح فائقة التقدم عليهم ، وتثبيت
رؤيتهم في إيجاد حلول ومقاربات للموضوع الفلسطيني الإسرائيلي ، كما السوداني
والسوري واللبناني أيضا ، فلم يستقبل الشرع في البيت الأبيض بلا ثمن ، ولم ينخرط
الأمريكيين في الملف السوداني إعتباطا ، ولم يتم التشدد في موضوع سلاح حزب الله
إعتباطا ، ولم يتم البدء بنقاش تصنيف الأخوان المسلمين كجماعة إرهابية دون ذلك .
خلاصة القول :ـ
من الأهمية بمكان قراءة المتغيرات الدولية الجارية في
العالم وفي الإقليم بدقة شديدة ، وأن أي خطأ في الحسابات الآن ، سيكون ثمنه باهظا
في المدى القريب المنظور وليس المتوسط والبعيد ، فموضوع السلاح الذي فقد قيمته
الفعلية في غزة ولبنان ، وبات قميص عثمان لبنيامين نتياهو ، لا بد من إيجاد المقاربات
العربية وإلاسلامية والدولية لحله ، فالسعوديين والفرنسيين والأتراك ، أكثر من
قادرين على فعل شيء حيال إيجاد مثل التسويات ، لتجنيب المنطقة مزيدا من الدمار
والدماء ، فإن لم يفعلوا ذلك اليوم قبل الغد ، ويخرجوا من جلباب نظام آيات الله
الخامنئي ، فسيجدون أنفسهم ومعهم شعبهم في دوامة حرب لن تنتهي لسنوات ، ونتيجتها
الحتمية باتت مرئية جيدا ، وليست بحاجة الى مزيد التعمق في الرؤيا والتحليل .
تعليقات
إرسال تعليق