القائمة الرئيسية

الصفحات

 




يسوقون الأكاذيب لإحتمال الحقائق

مقولة أعجبتني لفريدريك نيتشة " الحقائق مرعبة ، ولذلك نختبئ خلف الأكاذيب لنتمكن من العيش " ، كما  "الكذبة الأكثر شيوعا ، هي تلك التي يكذبها الإنسان على نفسه " رغم معرفتنا المسبقة والقول لينتشه أيضا " الحقيقة لا تموت بل تنتظر الوقت المناسب لتنهض من تحت الأنقاض " ولعل هذه الأقوال تصلح مدخلا لفهم عالم يعاد تشكيله على ركام الحقائق ، ليس فيه من هو على إستعداد لقول الحقيقة ، أوركسترا من العازفين على أوتار الكذب ، كل يحفظ دوره عن ظهر قلب ، بقيادة كبير الأفاقين دونالد ترامب ، رجل ما بعد الحقيقة ، والذي لا يؤمن الا  ، بإن كل ما هو عظيم في هذا العالم ، لا يقوم الا على الكذب ، ليس فقط يخلق واقعا إفتراضيا ، بل يفرضه بالصوت العالي ، له جمهوره الخاص الذي يؤمن بإن الضجيج هو البديل المثالي للفكر ، رفع مرتبة الكذب الى مستوى رفيع من فنون السياسة ، وجد في نتياهو الهارب من هزيمته الأخلاقية ، وأوروبا الهاربة من ذاكرتها الإستعمارية ، وأمتان عربيتان وإسلاميتان هاربتان من الوقوف أمام مسؤولياتهما التاريخية ، وشظايا محور هارب من تحمل تبعات قفزاته في الفراغ ، فينتجون أقبح المعزوفات النشاز ، كل يكذب على نفسه ، وهم أكثر العارفين بإن على هذه الأرض ، تسقط الأكاذيب لفرط الحقيقة ، وأن الحقائق لا تقتل بل تعود لتنتقم .

مجلس سلام برئاسة دوناد ترامب ، قوة إستقرار دولية برئاسة جنرال أمريكي ، غرفة عمليات أمريكية في كريات جات ، مرحلة ثانية قد تبدأ أو لا تبدأ ، فبتوقيت بنيامين نتياهو ، هذا ما تنتظره غزة الغارقة بين بحري الدم والماء ، دقيق أمريكي بزيت إسرائيلي ، أو بمعنى آخر وكما يقال في المثل الشعبي ، "زيتنا بدقيقنا" ، فتصور ما سيكون عليه حال خليط من هذا القبيل ، فإذا كانت المقدمات أو ما أسموه بالمرحلة الأولى على هذا النحو ، فماذا ستكون عليه الأحوال في المرحلة الثانية بكل ما تحمله من ملفات ، فهي بجوهرها وعلى لسان بنيامين نتياهو ، تفكيك حماس وسحب سلاحها وتدمير البنى التحتية للمقاومة ، بالطريقه السهلة على يد قوة الإستقرار الدولية وفق القرار 2803 ، أو بالطريقة الصعبة على يد الجيش الإسرائيلي ، وهي وفق حماس على لسان خالد مشعل ، إعادة إعمار غزة وتجميد فعالية السلاح ، فغزة قدمت أكثر مما عليها ويزيد ، وعليها أن تبتدأ بالتعافي ، وكأنه لم يسمع لا بخطة دونالد ترامب ولا بقرار مجلس الأمن من قبل ، أما وفق دونالد ترامب فسلاح حماس سيتم نزعه بالطريقه السهلة أو الصعبة أيضا ، ولكنه متفائل بالأولى بواسطة أصدقاءه  وأصدقاء حماس القطريين والأتراك ، وما يتكاذب الجميع بشأنه ، بإن كل ما جرى هو تهدئة مدتها شهران قد يزيدان قليلا ، عنوانها تبادل للأسرى لا أكثر من ذلك ، شهدت كل هذا الكم من القتل ، بكم من المبررات لها أول وليس لها آخر .

بلغة الحقائق ، فلا حماس في وارد تسليم السلاح ، ولا هي جاهزة بعد كل هذه التضحيات بالخروج من المشهد أيضا ، كما أن بنيامين نتياهو فهو ليس في وارد المضي قدما بخطة دونالد ترامب ، فهو ذاهب الى جولة جديدة من الموت والدمار ، والدخول الى عمق مدينة غزة ، وليس أصدق تعبيرا عن ذلك مما قاله رئيس الأركان ، بإن المنطقة الصفراء هي الحدود الجديده لغزة ، كما أن دونالد ترامب يتماهى مع ذلك تماما ، وليس بحاجة لأكثر من أن تقول حماس برفضها صراحة لتسليم سلاحها بعد أول لقاء بأحد مبعوثيه ، ليطلق رصاصة الرحمة على أكذوبة خطته ، بدعوى عدم التزام حماس بمقتضياتها ، وبذلك يسدل الستار على كل هذا التكاذب ، والمعروف سقفها وهو إغلاق ملف الرهائن الإسرائيليين .

بلغة الحقائق أيضا ، فعندما تستمع لخطاب خليل الحية اليوم ، في ذكرى إنطلاقة حماس ، واللاءات الثلاث التي ضمنها خطابه ، بإن لا لقوات دولية سوى للفصل بين غزة وإسرائيل ، وأن لا تسليم لسلاح حماس سوى في إطار تسوية لإقامة الدولة الفلسطينية ، وأن لا وصاية على الحكم في فلسطين ، ليعاود مطالبة الوسطاء بالضغط على إسرائيل لتطبيق بنود خطة ترامب ، فلا يسعك الا أن تتسائل ، عن أي خطة يتحدث هذا الكائن غريب الأطوار ، ولمن يوجه خطابه الذي قرأه للتو ، فإذا كانت خطة ترمب تقوم على أساس تشكيل مجلس وصاية على الحكم في غزة ، وسحب سلاح حماس بلا قيد ولا شرط ، وإنشاء قوة دولية للقيام بنزع سلاح حماس ، تم تعزيزها بقرار من مجلس الأمن ، فعن أي خطة إذن يتحدث !! وهل لدينا خطة أخرى لم يسمع العالم بها من قبل ؟؟  

بلغة الحقائق أيضا ، فإن حماس قد إستنزفت تماما ، كما حزب الله في لبنان ، وباتا جبهتان خاسرتان تماما ، وأن فواتير خسارتهما اليومية سيدفعها المواطنين في غزة وجنوب لبنان أولا ، فهما سيدفعانها بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وباتت إرتداداتهما تطال كل الحالة الفلسطينية واللبنانية على حد سواء ، فلا يراهن أحدا على أن دونالد ترامب سيقف في في المنتصف ليرى بكلتا عينيه ، فبصفته الشخصية وبصفته الإعتبارية ، فهو غارق في تحالفاته مع اليمين في إسرائيل وعلى رأسه بنيامين نتياهو حتى أنفه .

بلغة الحقائق أيضا فالوسطاء العرب والمسلمين في عوالم أخرى ، فليس لهم من أوراق القوة ما يكفي ، لتصويب الأمور حتى نهايتها ، بما يضمن تحقيق المصالح العربية والإسلامية ، وصولا لخلاص الشعب الفلسطيني ، فكل البيض قد وضعوه مسبقا في سلة دونالد ترامب ، تحقيقا لمبدأ ، فهو كل الممكن في مثل هذه الحقبة التاريخية .

           

تعليقات