ساعة رمل السباق
الإنتخابي تضبط إيقاع الرد الإسرائيلي
في تصريحات منسوبة ليواف غالانت وزير
دفاع حكومة إسرائيل في معرض الحديث عن الرد الإسرائيلي على الصواريخ التي هاجمت
بها ايران إسرائيل مطلع الشهر الجاري " بإن العالم سيرى قوة أسرائيل في ردها
على ايران والذي سيكون مميتا وقاتلا ولن يعرف العدو كيف حدث بل سيرى نتائجه فحسب
" .
لا نعرف على ماذا أستند وزير حكومة
إسرائيل في أقواله وهو إفتراضيا أكثر
العارفين بخبايا صناعة الضربة التي ستوجه الى إيران والتي جاءت فجر السبت السادس
والعشرين من نهاية الشهر الحالي معاكسة لكل ما صرح به يوآف غالانت فلم يرى العالم
بها قوة إسرائيل ولم تكن مميته ولا قاتلة وقد عرف بها العدو قبل وقوعها أيضا .
تتجلى في هذا الفصل من الصراع بين محور
الأساطير الإيراني وأذرعه في المنطقة وحكومة الأساطير في إسرائيل عبقرية تصميم
الضربه وهي بكل تأكيد ليست من صناعة وزارة الدفاع الإسرائيليه بدليل بإن ما قاله
يوآف غالانت لم يلامس الواقع ، بل تسلمتها وزارة الدفاع الإسرائيليه كخطة للتنفيذ
من وزارة الدفاع الأمريكيه ومستشاري الأمن القومي في الولايات المتحده ،حيث وقعت
بالفعل وأصابت أهداف تتعلق بالبرنامج الصاروخي الإيراني ومنصات الدفاع الجوي
وتجنبت البرنامج النووي الإيراني الهاجس الأكبر لبنيامين نتياهو وإنتاج النفظ
والغاز شريان الحياة لتمويل أنشطة إيران في منطقة الشرق الأوسط وحرسها الثوري أيضا
، بلا صور ، بلا دماء كثيره ، بلا كرات لهب تضيء سماء طهران ، بلا صخب إعلامي ،
محللون عسكريون وسياسيون حائرون بأمرها ، تنفس الإيرانيين الصعداء عقبها ، وتنفس
الإسرائيليون الصعداء بعدها ، مست السياده الوطنية الإيرانيه قليلا ، وردت
الإعتبار للإسرائيليين قليلا ، صرح الإسرائيليين بإسدال الستار على هذا الفصل من
الصراع وصرح الإيرانيون بشكل متلعثم وملتبس بإنهم بصدد الرد
على الرد أيضا ، بلا رأي عام أيراني ضاغط للرد على الرد ، بلا رأي عام إسرائيلي
ضاغط بالمزيد من الضربات ، وكان الفائز الأكبر بهذه الجولة هو إدارة بايدن بلا
منازع .
السؤال الأهم كيف تمكنت إدارة الرئيس
بايدن بإقناع بنيامين نتياهو وحكومة أقاصي اليمين التي يديرها وجنرالات حربه بهذا
التصميم المخالف لكل ما هو متوقع في حين فشلت في محطات أخرى كثيره في الصراع
الدائر في قطاع غزة منذ عام ولا زال ، وبنفس المنطق كيف بنت رسالتها للإيرانيين
بإبتلاع الضربه وإسدال الستار على هذا الفصل من الصراع وفق منطق لا رابح ولا خاسر
به ؟؟
أن هندسة الضربة على هذا النحو وبكل
تأكيد قد قبلها بنيامين نتياهو مقتنعا على إعتبار بإنه ليس بإمكانه تحصيل أفضل من هكذا تصميم في ظل عدة ظروف ذاتيه وموضوعيه من أبرزها
:ـ
1ـ إن الطيران الإسرائيلي وهو السلاح
الأكثر فعاليه وتفوق غير قادر بمفرده وبقدرات إسرائيل بمفردها دون ممرات جويه آمنه
وذخائر متخصصه في مهاجمة المنشآت النوويه وتزويد جوي بالوقود للطائرات العديده
المشاركه في الهجوم وتوفير قواعد لأي هبوط إضطراري أو عمليات إنقاذ لأي إصابات
للطائرات والطيارين توفرها الولايات المتحده .
2ـ إن الجبهات المفتوحه على مصراعيها في
قطاع غزة وجنوب لبنان لا يتيحان لبنيامين نتياهو فتح ساحة صراع أخرى مستدامه مع
إيران ستتطلب الكثير من الجهد والتمويل هو درب من الجنون ومن باب أولى هو إنهاء
العمل العسكري المكثف على هذه الجبهات والتفرغ لاحقا لمعالجة هذا التهديد القابل
للسيطره عليه حالياً .
3ـ لقد باتت هناك قناعات مشتركه أمريكيه
إسرائيليه بإن القيادة الإيرانيه الجديده بقيادة
مسعود بزكشيان أخذت منحى التغيير وتقود ايران نحو إيجاد مسافة بينها وبين
أذرعها في المنطقه لعلمها يقينا بفشل هذه التجربة والتي أوصلت إيران الى هذا
الحصار ومعاناة الشعب الإيراني وأن عصر علي خامنئي قد إقترب من الأفول وهناك قاعدة
بدأت في الإتساع نحو هذا المنحى وأن برنامج إيران في المنطقه لا زال قابل للإحتواء
.
4ـ إن البرنامج الصاروخي الإيراني لم
يأتي على ذكرة في إتفاق البرنامج النووي الذي وقعته الولايات المتحده في عهد باراك
أوباما وهو ما أثار في حينه حفيظة إسرائيل والعديد من دول المنطقه باعتباره أحد
نقائص الإتفاق النووي وهو ما تم أخذه بعين الإعتبار عند تصميم الضربة .
5ـ لقد تلقت إسرائيل جوائز ترضيه
ومغريات عديده أمريكية كان أولاها تعزيز دفاعاتها الجوية بمنظومة ثاد وستتبعها
بأخرى كما أنها باتت يدها حرة طليقة في كل من جبهتي غزة ولبنان أكثر مما سبق
فالوقت الذي باتت أسرائيل بحاجة له بات ملكها لوحدها فلا تداعيات إقليميه محتمله
لإنفجار الأوضاع تبعاً لها .
6ـ إن الخيار المفضل لبنيامين نتياهو بأن يكون ساكن
البيت الأبيض الجديد هو دونالد ترامب ليس مضمونا بكل الأحوال فقيام بنيامين
نتنياهو بمغامرة ضرب البرنامج النووي لإيران قبل الإنتخابات الأمريكيه لن يلقى
قبولا من الإدارة الأمريكيه الحاليه ولن يلقى التسهيلات اللازمة لها وفي حال تنفيذ
الضربة على غير هوى الإدارة الحالية فستنسحب تداعاياتها للإدارة القادمة إن كانت
كاميلا هاريس ساكنته الجديده وستبدأ ولايتها بخلاف حاد مع بنيامين نتياهو وإن فاز
دونالد ترامب فسيكون قد إستقبله بفوضى عارمة يعج بها الإقليم وهو لن يروق بالتأكيد
لدونالد ترامب .
فإذا كان
الحال على هذا النحو بالنسبة لإسرائيل وبنيامين نتياهو فكيف تم بناء الولايات
المتحده رسالتها لإيران بهندسة هذه الضربة على النحو الذي تم :ـ
1ـ باتت
ايران الرسميه بشقيها المحافظ والإصلاحي على حد سواء على يقين بإن سحق ذراعيها
الأهم في المنطقة حزب الله وحماس والذي تقوم به إسرائيل حاليا هو حقيقه واقعه رغم
ما تبديه من إنكار لذلك عبر وسائل إعلامها وهو بالتالي يعني فيما يعنيه بإن خط
الدفاع الأول عن مصالحها ونفوذها في المنطقه والذي يجاور اسرائيل قد إنهار وأن خط
الدفاع الثاني وهو ترسانة منظومات الدفاع الجوي كخط دفاع ثاني تم إختراقه من
الطائرات الإسرائيليه ولن يقوى على مواجهة التقنيات الإسرائيليه والأمريكيه وقد
بات الممر الجوي فوق الأجواء السوريه فالعراقيه طريقا سالكه للطائرات الإسرائيليه
بعد تحييد خطر منظومات الدفاع الجوي الروسيه بتفاهمات أسرائيليه روسيه خاصه رسمت
حدودها المصالح العليا للبلدين وأن أقصى ما يمكن أن تقدمه روسيا لإيران هو إبلاغها
قبل ساعات من وقوع الضربه بعد أن يشعر الإسرائيليين روسيا بعبور الطائرات
الإسرائيليه للأجواء السوريه .
2ـ إن
الرسائل التي وصلت إيران من الولايات المتحده كانت صريحه وواضحه مفادها بإن الرد
الإسرائيلي واقع لا محالة وأن الولايات المتحده قد خففته الى حد لا يطال برنامجها
النووي وعصب إقتصادها النفط والغاز ودرة تاجها الحرس الثوره وأن برنامجها الصاروخي
المثير لحفيظة إسرائيل ودول المنطقه هو قيد المعالجة وما على إيران الا ابتلاع الضربة والمضي قدما
نحو الإستعداد لمعالجة برنامجها النووي بفتح مفاوضات يراهن عليه مسعود بزكشيان
ومستشاريه .
3ـ إن
إبتلاع الضربه الإسرائيليه هو المنحى الأمثل لإيران لأن أي تفكير ايراني بالرد على
الضربه ستكون له الولايات المتحده بالرصاد وإن تمكنت الولايات المتحده في هذه
الضربه من لجم الجموح الإسرائيلي فلن يكون بمقدورها فعل ذلك في المرات القادمة .
4ـ إن من
شأن إبتلاع الضربه وعدم الرد عليها من شأنه توفير المناخات المناسبه في البحث عن
مخارج سياسيه للصراع الدائر مع حليفه حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة وهما
عاملان تتطلع اليهما ايران بقوة بعد كل الضربات التي تلقاها حليفاه الأهم في
المنطقه
5ـ إن
إيران ليست في صدد منح دونالد ترامب فرص إضافيه للفوز بالإنتخابات القادمه فهو
الذي إنسحب من البرنامج النووي الإيراني وهو الذي قام بإغتيال قاسم سليماني وهو
الذي أعاد فرض سلسلة من العقوبات لها أول وليس لها آخر فكل ذلك لا زال حاضرا في
الذاكرة وإن تم تناسيه فبمناسبة وبدون مناسبه لطالما ذكرهم دونالد ترامب به في
جولاته الإنتخابيه وفي مناظرته الوحيده مع جو بايدن قبل إنسحابه من السباق الإنتخابي
ومناظرته الوحيده مع خليفة جو بايدن في متابعة السباق الإنتخابي .
إن القاسم
المشترك الأبرز ما بين مكونات هندسة الضربة على إيران هو السباق الإنتخابي الجاري
حاليا في الولايات المتحده فإدارة بايدن بحاجه ماسه الى تخفيف الغلواء في منطقة
الشرق الأوسط من على بعد الأمتار الأخيره لنهايته واسرائيل مجبره موضوعيا على
التسليم بهذا الواقع وايران تحرص أشد الحرص عليه وهكذا كان ، فكلمة السر في ضبط
إيقاع الرد الإسرائيلي هي ساعة الرمل للسباق الإنتخابي في الولايات المتحده .
تعليقات
إرسال تعليق