فقط .... لأصحاب الذاكرة القصيرة
يقول البير إينشتاين عندما سئل عن
تعريفه للجنون فأجاب " أنه تكرار تجارب فاشلة وتوقع نتائج مختلفه" ولكنه
بات من الراجح بإن هذا التعريف في القرن الحادي والعشرين وسط هذه الثورة المعرفية
الهائلة التي جلبها الإنترنت وما نتج عنها من محركات بحث وشبكات تواصل إجتماعي
وترويجي ودعائي واسعة النفوذ بات موضع شك إذ يمكن إعادة صياغته على نحو "بات من
الممكن أن تكرر تجارب فاشلة وأن تحصل على نتائج مختلفه إن تمكنت من القدرة
على إعادة تقديم وتسويق هذه النتائج الفاشلة بأنماط متغيره ولأسباب غير حقيقيه لدى
شريحه باتت تتسع يوما إثر يوم من أصحاب الذاكرة القصيره" .
الى جانب الثورة المعرفيه الهائله
وتدفقها التي خلقها الإنترنت فقد تسرب اليها أيضا وبشكل هائل أفكار مضلله والتي
أثرت بشكل حاسم على غالبية البشر حيث جعل منهم أصحاب ذاكرة قصيره يسودها الشك
والريبه بكل ما حولها وبات من الصعوبة بمكان مقاومة هذا التدفق الهائل والقدرات
التسويقيه للمعلومات والأفكار والمنتجات والخدمات بشتى الأصناف والأنواع وأخذ
الوقت الكافي للبحث والتنقيب والتدقيق والمعاينه والمراجعه مما سمح لإعادة تقديم
وتسويق كل ما سبق من أفكار ومنتجات وخدمات والذي تم تعريفها بالفشل منذ فترة وجيزة
للغاية على أنها ناجحه بل وناجحه بإمتياز منقطع النظير .
ذات يوم قال جوزيف غوبلز أحد أذرع
النازيه الإعلامية "اكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس" فهذه المقولة لا زالت
الى يومنا هذا صالحه للعمل بها ولكن بإستخدام أدوات الحداثه العصريه وما أصطلح على
تسميته بالتسويق الجماهيري ولو خالفت الحقائق العلميه (فبالعلم) ايضاً ولكن أي علم
إنه العلم الموجه والذي يصرف عليه ملايين الدولارات أيضا للتشكيك بحقائق علمية تم
التوصل اليها بنزاهة وحيادية وبمثال حي "فقد أثبتت الدراسات العلميه المعتبره
بإن الوقود الأحفوري قد أثر بشكل حاسم على المناخ ورفع درجة حرارة الكوكب على أثر ما
يسمى بظاهرة الإحتباس الحراري والتي سيكون لها آثار كارثيه في شتى مناحي الحياة ، أذن
والحالة هذه كان لا بد من مواجهة هذه الحقيقه العلميه من أصحاب المصالح والنفوذ
المتضررين من تداعياتها بأشكال وصنوف مختلفه من التشكيك بها وبتمويل خيالي لدراسات
علمية موجهه ومن ثم لا بد من مواجهة أيضا البدائل المقترحه لمعالجتها بذات التشكيك
من قبيل زرع بذور الشك بالسيارات الكهربائيه وطواحين الهواء ....الخ وهكذا ومع زرع
بذور حالة التشكيك وتسويقها تصبح الحقائق العلمية المؤكده موضع شك وخلاف وجدل بين
جمهورين مما مكّن أصحاب المصالح والنفوذ من الإستمراريه بهذا العمل التدميري
للكوكب وبمساعدة من سياسيين وبرلمانيين فاسدين ولوبيات الضغط والمصالح وقد تم
تعطيل برامج دولية كان العالم قد أستقر عليها من قبيل إتفاقيات المناخ بل والإنسحاب
منها أيضا وستجد شرائح واسعة من المجتمعات باتت تردد هذه الأكاذيب المختلقه وتتحدث
عنها كحقائق علمية ويصبح أصحاب الحقائق العلمية الخالصة موضع إتهام لا يعتد بما
ساقوه من أدله وحقائق .
أن أكثر المستفيدين في عصرنا الراهن
من فوضى المشكلات الجانبيه لثورة الأنترنت المعرفيه وهذا الفضاء الإعلامي هي ما
يوفره من مساحات واسعه للحمقى والمحتالين والشعبويين من السياسيين من إنتشار واسع
النطاق والذي بات يضرب أسس المجتمعات البشريه فالمفاهيم الأساسية التي إستقرت
عليها البشريه جمعاء كالمساواة ، العدالة الإجتماعية ، الحق في الحياة ، المنافسة
الشريفه ، الدمقراطيه ، جميعها مفاهيم تتعرض للمساس بها وبشده من هذه الشرائح
والتي وجدت ضالتها في الإنترنت والعالم الإفتراضي للتسويق لأفكارهم وقد إستطاعت
إجتذاب شرائح واسعه من المجتمعات البشرية في دول تعتبر في مصاف الدول المتقدمه في
كافة المجالات وللتدليل على هذه التغيرات العميقه سنتناول نموذجين للتدليل على هذا
المنحنى الذي تم الإشارة له :ـ
ظاهرة دونالد ترامب :ـ
لا بد من التوقف مطولا حول هذا
النوذج السياسي وكيف أستطاع بواسطة هذا العالم الإفتراضي تجاوز كل المعيقات
وتبديدها وتحقيق أنتصار تاريخي في الوصول للبيت الأبيض ومجلس الشيوخ والنواب على
حد سواء بعد ستة قضايا كفيله كل واحده منها بوضعه خلف القضبان لسنوات وفوضى عارمه
تسبب فيها بعد خسارته إنتخابات 2020 وتشجيع أنصاره من الرعاع من إقتحام مبنى
الكونغرس في حادثه عصفت بالدمقراطيه الأمريكيه ووضعت الولايات المتحده على شفا حرب
أهليه ليعاد أنتخابه من جمهور واسع التناقضات من المجتمع الأمريكي والأقليات فيه من
الاتين والسود والعرب والمسلمين رغم ما هو معروف عنه بشكل صريح وواضح من معاداته
للأقليات والمهاجرين والمسلمين والعرب على حد سواء وعدم شعوره بأي تعاطف مع
المدنيين الذين قتلوا في غزة وتأييده المطلق لبنيامين نتياهو وتهديده بوقف الدعم
الأمريكي لأوكرانيا وما أطلقه من شعارات خياليه عن أنه يستطيع وقف الحرب بيوم واحد
لا يمكن أن يصدقها الأ السذج وإطلاقه لشعارات بإعادة الإستثمار في الوقود الأحفوري
بل والتهديد بالإنسحاب من إتفاقيات المناخ الذي يعتبر أن كل ما بنيت على أساسه هو
محض أكاذيب وأجمل كل ذلك بإطلاقه في عالمه الإفتراضي شعار "فلنعد أمريكا
عظيمه مجددا "حيث داعب خيال الحالمين والبسطاء ليزد عليها بإنه سيوقف الحروب
التي حدثت في عهد جو بايدن وكأن جو بايدن هو من أطلقها ومن هنا نستدل كيف أستطاع
أن يقنع هذا الجمهور الواسع وبكافة متناقضاته وتنوعه على أن فشله وفوضويته والتي
لمسها وعايشها كل مواطن أمريكي في ولايته الأولى ستكون عظيمه في ولايته الثانيه ،
أنها بإختصار دليل ساطع على القدره على تسويق الأكاذيب والفشل بثوب جديد يمكن أن
يتم تقديمه للناس قصيري الذاكرة ويجعل منهم كمن يسير خلف السراب والأوهام ولن يرى
من كل ما تفوه به وما نشرته ماكينة التضليل الإعلامي التي عملت لصالحه أي منها على
الأرض .
بنيامين نتياهو :ـ
نموذج لسياسي آخر متهم بعدة قضايا
جنائيه ورغم ذلك فقد تفوق في الإنتخابات وشكل حكومة من أقاصي اليمين من أشخاص
مدانيين سابقا بقضايا جنائيه (بن غفير وأريه درعي) حاول الإنقلاب على المحكمه
العليا بمحاولة سن قوانين أطلق عليها التعديلات القضائيه أثارت عاصفه سياسيه في
اسرائيل حيث وصل رصيده السياسي في أوج هذه الإحتجاجات حدوده الدنيا شهد عهده أكبر
هجوم شن على إسرائيل قتل فيه المئات وأختطف المئات وجرح الالاف من قبل تنظيم سياسي
لا يمتلك من القدرات شيئا يذكر مقابل أسرائيل ، منح بنيامين نتياهو هذا التنظيم
تسهيلات ماليه قطريه غير مسبوقه وأطلق سراح أكثر من الف من أعضاءه في مقابل جندي
واحد وعلى رأسهم قائد هذا الهجوم يحيى السنوار دخل في حرب على عدة جبهات وهجر سكان
شمال أسرائيل وجنوبها على حد سواء أقال وزير دفاعه غالانت لمجرد أنه يطالب بما
يطالب به غالبية الإسرائيليين ومعهم العالم بأسره وبعد كل هذا تطالعك إستطلاعات الرأي
العام بإنه الأوفر حظا للفوز برئاسة حكومة إسرائيل مجددا لو جرت الإنتخابات الآن
فكيف يمكن تفسير مثل هذه الظواهر في القرن الحادي والعشرين على الرغم من أن كل
إخفاق من هذه الإخفاقات كفيل بإسقاط أعتى الحكومات في العالم وهنا نعود مجددا الى
القدرة على تسويق الفشل برداء جديد لدى قصيري الذاكره ، وهو هنا في هذه الحاله
بواسطة تنمية شعور حرب الوجود وأنه الأقدر على قيادتها وبدونه ستكون أسرائيل غير موجوده على خريطة
العالم وأنه أيضا الأقدر على مقاومة أعتى الضغوطات الدوليه وإن كانت من حليفه الأهم
الولايات المتحده الأمريكيه.
خلاصة القول لقد بات من غير الكافي أن تقول الحقيقه أو تقدم منتجات
مفيده أو خدمات تسهل حياة الناس وتنفعهم بل بات من غير الكافي أيضا أن تكون على
دراية بكيفية تسويقها أيضا فقد يكون الأهم من كل ذلك هو كيفية مقاومة ما سيواجهك
من تشكيك وأفكار مضلله قد تضع حدا لكل ما تقوله أو تقدمه للناس .
تعليقات
إرسال تعليق