الأصوليات
الفكريه والإنسياب الغرائزي
لقد قطع العلم بالأدلة القاطعة
بإن الغرائز السائبه بلا ضوابط واعية هي وصفه سحرية للإنزلاق الى دوامة لا تنفك من
الفوضى البشريه إن كان على المستوى الشخصي أو كسلوك سائد في أوساط المجموعات البشرية
كذلك، وأن النهاية المحتومه لتكرار هذه السلوكيات والمحكومه بالغرائز السائبه هو
الفشل الذريع ليس في مستوى هذا السلوك أو كنتيجه له فحسب أو في جانب دون آخر من
حياة الأفراد أو المجموعات البشرية ، بل ستكون إنعكاساتها حاسمة على مجمل حياة
الأفراد أو المجموعات البشريه أيضا ، فلا يمكننا القول أن ممارسة الغرائزيه السائبه
في إتجاه ما ليس ذي صله بالغرائز الأخرى ، ولكن ما هو ثابت بالأدله العلمية
القاطعه بإن الإنسياب الغريزي بشكل واضح بإتجاه ما لدى فرد ما أو وجموعه بشريه ما
، فهو بالضرورة معاناة من مركب معقد من الإنسياب الغريزي في كثير من الإتجاهات وأن
كانت غير قابله للقياس وغير واضحة المعالم بمستوى أحد الأنسيابات الغرائزيه ، وهو
ما يعقد مشكلة الأفراد والمجموعات البشرية أيضا نحو المضي قدما نحو التطور والتقدم
.
يختلف علماء النفس على نحو وآخر
بإيجاد فروقات بين العواطف والغرائز وحصر الغرائز بالحيوانات والعواطف ببني البشر
بإعتبارها كائنات أكثر تطورا ، ولكن بغض النظر عن المفردات والتعريفات المستخدمه
فهي في نهاية الأمر لن تكون ذات مغزى كبير في إسقاطات الموضوع الذي نحن بصدد
معالجته والمتعلق بإنسياب الغرائز أو العواطف على المجتمعات البشريه وعلى وجه
الخصوص في المجتمعات البشريه شرق الكوكب الذي نعيش فيه والذي يعج بالموروثات
والمقدسات والغيبيات والتي باتت القضيه الحاكمة لتوجهات الأفراد وحتى المجموعات
البشرية والتي تتصادم بشده مع مقتضيات العلم مما أحدث فجوة عميقه بين متطلبات
العصر وأدواته القائمه بالأساس على التفكير العلمي وبين مفاهيم أكل الزمن وشرب
عليها سادت في أواسط عصور بائدة ، وبمثال أوضح فلن تكون متفاجأ بإنه في القرن
الحادي والعشرين وفي عصر الثورة المعلوماتيه بإن ترى أحدهم يحمل شهادة الدكتوراه
في أرقى المواد العلمية ولا يزال يؤمن بالسحر وقدرة السحرة والمشعوذين على المساس
بك وبتغيير مجرى حياتك برمتها .
أن الإنسان بطبيعته إبن محيطه التي ينمو وتتشكل
به شخصيته منذ نعومة أظفاره وعلى الرغم من هذه الثورة المعرفية الهائله والتي باتت
متاحه لشرائح واسعة من المجتمعات البشريه الا أن الأصوليات الفكريه والأيديولوجيه
لا زالت تسلط سيف التحقير والتسخيف بل ما هو أصعب من ذلك الى التكفير والتخوين على
كل من يحاول الخروج عن التابوهات المعده مسبقا وما على الأفراد والمجموعات البشرية
الا أخذها كما هي بلا أدنى نقاش حقيقي بل باتت هذه الأصوليات الفكرية
والأيديولدجية تجيد إستخدام تقنيات الثوره المعرفية والمعلوماتيه لتثبيت هذا المنطق
في التفكير وتشكيل جدار صد هائل من الخرافة والبعد عن التحليل المنطقي لحجب
الحقائق عن الأفراد والمجتمعات .
أن الحروب الدائرة في الشرق
الأوسط حاليا وهذ الفصل الجديد من الصراع المندلع في الشرق الأوسط بين ايران كدولة
ورأس محور لأذرع ممتده من فلسطين الى لبنان الى سوريا فاليمن فالعراق ومحاولة
توسعته ليمتد ليطال دولة كالاردن بصناعة إذرع لهذا المحور بها وكذا الحال في مصر
أيضا والذي أصطلح على تسميته بمحور المقاومة من جانب ومن جانب آخر ضد إسرائيل بكل
تحالفاتها والدعم الذي تتلقاه من العالم الغربي والتي هي بالتعريف الدولي دولة
محتلة لأجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينيه وكذلك أراضي من الدول العربيه وتتنكر
للقانون الدولي في أنهاء هذا الصراع ، وهنا تتجلى بهذا الصراع ذروة الإنسياب
الغرائزي على عكس الصراع الذي قادته م.ت.ف ضد إسرائيل حتى مطلع التسعينات من القرن
الماضي والذي وصل حدود إتفاق أوسلو والذي فتح آفاق لمحاولة إيجاد حلول لهذا الصراع
لإختلاف جوهري عميق بأن الصراع القائم حاليا هو صراع أصولي ووجودي صفري والآخر هو
صراع وطني يتعلق بإسترداد الحقوق من طرف والتنكر لها من طرف آخر وهو قائم على
معادلة علمية للقوة وحدوها والممكن وغير الممكن تحت مظلة القانون والشرعيات
الدوليه .
أن ما يميز الصراعات الأصوليه
والوجوديه هي الإنسياب الغرائزي ففكرة منشأها بالأساس تفترض سلفا زوال الآخر وعدم
شرعية وجوده بالأساس فعندما ترفع الشعارات ذات الصله بنفي الآخر فهي قادمه أساسا
من منشأ ومنطوق فهم للمقدس وهي الفكره الحاكمه لمنطق هذا المحور لتصطدم بفكره
مقابله قائمه على الفكر الصهيوني المستند بالأساس الى منطوق المقدس كذلك ولكنه في
حالة إسرائيل كدوله قائمه فلديه من المساحه الفكرية القابله للتراجع الى الخلف
قليلا بما لا يمس التابوهات المقدسه أو المضي قدما وتعميق الصراع لأقصى مدى ممكن
وفق منظومة الحكم السائده وموازين القوى القائمه فعندما تم التوصل الى إتفاق أوسلو
فقد تم فهمه من طرفي الصراع على أنه وفق علوم السياسه وادارة الصراع فن الممكن
لحدود القوة والإمكانات .
عندما يقرر فصيل فلسطيني كحركة
حماس وهي حركه أصوليه أيديولجيه أن تفتح جبهة مواجه بهذا الإتساع صبيحة السابع من
أكتوبر مع أسرائيل متكئا على تحالفات مع محور مقاومة في مواجهة دولة نووية تمتلك
جيش مصنف من العشر الأوائل على مستوى العالم بأسره ومدعومه بتحالف أستراتيجي مع
القوه المهيمنه الأكبر في العالم وأمتداداتها الغربيه فستكون مصابا بلا أدنى شك
بإنسياب غرائزي مستحكم وصل الى درجة العمى وتمثل بما هو آت :ـ
1ـ أنه إنسياب غريزي في تقدير
خاطئ بل مميت لقوة الخصم أعتمد على الغيبيات أكثر مما أعتمد على العلم وقوانين
الحروب والتي لا تدار بالعاده بما لا يمكن قياسه فهو والحالة هذه أخذ منحى أقرب
الى الإنتحار الجماعي .
2ـ أنه أنسياب غريزي في تقدير قوة
التحالفات وإنخراطها في الصراع فعندما تتكأ على التحالف الأقوى المتمثل في حزب
الله والذي إنبرى بفتح جبهة أسماها منذ اليوم الأول بجبهة إسناد ومشاغله وبقي
ينتظر حتى تفرغت له إسرائيل بعد السيطرة الكبيره على جبهة غزة وكذلك عمليات موسميه
قادمه من اليمن والعراق وتدخل أيراني محسوب فقط عندما تتعرض مصالحها مباشرة
للإعتداء فنحن والحالة هذه أمام حماقه كبرى في صياغة التحالفات ومدى فعاليتها
وواقع حالها وظروفها عند المواجه الأولى مع الخصم .
3ـ أنه إنسياب غرائزي في تقدير
قوة أوراق القوة التي تمتلكها وهي في الحالة الراهنه الرهائن من المدنيين
والعسكرين الإسرائيليين وكيف ستتعامل معها أسرائيل وإفتراض حساسيتها المفرطه سلفا
إتجاه الأسرى والمختطفين وكيف سينظر
العالم الى إختطاف الأطفال والنساء والعجائز من بيوتهم والذين باتوا سببا لمزيد من القتل والدمار
وإتساع الحرب وليس توقفها .
4ـ أنه إنسياب غرائزي في تقدير
قوة الموقف العربي المعتاد الذ تم القياس عليه وفق فصول سابقه من الصراعات
والتدخلات التي كانت تتم وفق صفقات لإطفاء الحريق المشتعل وبما يمكنها من القدرة
على لملمة التداعيات والخسائر .
5ـ أنه إنسياب غرائزي في عدم
القدره الى إيجاد صيغه فكريه ومنطقيه قابله للتعامل مع التراجع أو التوقف أو إيجاد
صيغ حلول فرضتها الحقائق على الأرض وتفوق الخصم على كافة الأصعده بإعتبار أي منها
سيكسر التابوهات المقدسه
6ـ أنه الإنسياب الغريزي الأهم
وهو عدم تقدير صحيح ودقيق لكيفة قراءة الخصم لهذه الجوله من الصراع والذي بني عليه
كل ما تقدم أعلاه إنها معركة وجود ولا وجود ومعها أصبحت ورقة الرهائن وورقة
الخسائر البشريه وورقة إغلاق الإقتصاد خسائر ثانوية أمام بقاء الدولة على قيد
الحياة .
إذا فالجوله الراهنه والتي إنطلقت
من فهم أصولي أيديولوجي للصراع والذي أطلقت شرارتها حماس ستنسحب بالتأكيد على
الصراع المحتدم على الجبهة اللبنانيه بذات الإنسياب الغرائزي بإعتبار أن المنطلقات
لكلا الفصيلين هي واحده فبعد الشعارات الكبرى لحيفا وما بعد بعد حيفا وأوهن من بيت
العنكبوت فقد تلقى من الضربات والإنهيارات الداخليه ما كانت لتقترب من رسم سيناريو
قاتم يتوقعه أفضل المحللين الإستراتيجيين ولكنه وبذات المنطق والسردية المبني على
الإنسياب الغرائزي تواصل تلقي الضربات والخسائر الفادحه .
ليس الحال بعيدا عن ذات المنطق
والسريه المستنده الى الإنسياب الغرائزي على الجانب الآخر من معادلة الصراع
(اسرائيل) فإنطلاقا مما أوقعوه من خسائر فادحه لإذرع المحور الإيراني والخسائر
الفادحه للشعب الفلسطيني واللبناني فقد فتحت شهيتهم لما هو أكبر من ذلك بكثير
والذي باتت تنطق به السنتهم وبخاصة من أقطاب الإئتلاف الحاكم في إسرائيل عن رسم خرائط
لشرق أوسط جديد وضم الضفه الغربيه وإعادة الإستيطان في غزة وتجريد حزب الله من
سلاحه والذي سيكون عملا من قبيل القفز في
المجهول وذلك للأعتبارات التاليه :ـ
1ـ لقد خضع قطاع غزة للإحتلال
الإسرائيلي منذ عام 1967 وبقي كابوسا لكافة قادة أسرائيل لدرجة أن رابين قال ذات
يوم أتمنى أن أستفيق يوما من النوم وأرى غزة وقد إبتلعها البحر وخرجت من هذا
المستنقع في أعقاب إتفاق أوسلو في عام 1994 في أعقاب إتفاق أوسلو وفككك شارون كافة
المستوطنات هناك فما هي التسمية التي يمكن إطلاقها من يعيد إستساخ التجارب
الإحتلاليه الفاشله من جديد ؟
2ـ لقد إحتلت إسرائيل الجنوب
اللبناني سابقا وإحتفظت بشريط حدودي وأنشئت بما يسمى بجيش لبنان الجنوبي ولكنها
إنسحبت من هناك على وقع الضربات العسكرية والخسائر البشريه والماديه الفادح مصطحبة
الاف العملاء معها فهل ستكرر ذات المشاريع الفاشله ؟
3ـ إذا كان يعتقد الإسرائيليين
بإن موضوع ضم الضفه الغربيه هي مسألة إتخاذ قرار وحسب بلا تبعات فسيرتكبون حماقة
غير مسبوقه في التاريخ فهم بذلك قد دخلوا في دوامة لا تنفك من المقاومة والصراع
والى ما شاء الله لها أن تستمر ومن هو الفلسطيني الذي سيسلم بهذا الواقع الجديد ؟
4ـ أن الإسرائيليين والفلسطينيين
يعيشون على رقعة أرض مساحتها 27 الف كيلو متر مربع وكل متر من هذه الأرض هو موضوع
نزاع حقوق فردي وجماعي ناهيك عن مقدساتها والتي كانت المحرك الأساس التي إندلعت في
هذه المنطقه منذ قرن من الزمن وإستجلبت كل التحالفات لخوض المزيد من الصراع فمن هو
العربي والمسلم الذي سيقبل بذلك ؟
5ـ إن تجارب الشعوب كافة تشير لكل
بصيرة ومتجرد من الإنسياب الغريزي بإستحالة أن يتمكن ستة ملايين يهودي بين النهر
والبحر على إخضاع ستة ملايين فلسطيني بين البحر والنهر أيضا فلغة العلم والمنطق
تقول بذلك فيمكن بالاله العسكرية أن تسيطر على منطقة ما ولكنك لن تستطيع بكل ما
أوتيت من قوه بإن تنزع من حلم طفل بإن له حق سيحصل عليه يوما ما .
إن هذا المستوى من الصراع الراهن
كشف بالدليل الملموس بإننا أمام حاله من عدم القدرة على الإنفكاك من دوامة من الإنسيابات
الغرائزيه فمن إنسياب غريزي من عدم القدرة على تعريف الصراع الى عدم القدرة على
تحديد قوة الخصم الى إنكار الهزيمه والتقليل من شأن الضحايا المدنيين والدمار
الهائل الى المضي قدما بالصراع بلا مراجعات هذا على جانب من معادلة الصراع اما على الجانب الآخر فهو شهوة إعادة
إستنساخ تجارب إحتلاليه فاشله ووضعها موضع التنفيذ فكلاهما تركا العنان للإنسياب
الحدسي ليأخذ مداه فهما ببساطة شديده أسيران ومكبلان بقيود ثقيلة من التابوهات
التي أعطيت صفة القداسه وهي صفه ملازمة لكل الأصوليات حتى الفناء .
لم تكن اليابان ولا المانيا
قادرتان على النهوض من جديد ليشكلا قطبين إقتصاديين عالميين بعد حرب عالمية ثانية
طاحنة سوى بعد الخروج من دوامة الإنسياب الغرائزي المبني أساسا على منطق التفوق
العرقي والثقافي فلم تكن الهزيمه وحدها بلا مراجعات مجتمعية قادرة على وضع حد لهذا
الإنسياب الغرائزي الذي فتح المجال على مصراعيه الى أخذ منحى تصاعدي نحو إتجاهات
أخرى بعيدا عن قمقم مفاهيم باتت باليه لا سبيل لتنفيذها بمنطق الرغبات والعواطف
والأهواء فالتفوق الصناعي يمكن أن يكون بديلا يناسب لغة العصر على منطق التفوق
العرقي فما هي الجدوى من مفهوم التفوق العرقي والذي لم يقدم للبشر سوى الجوع
والمرض والموت .
فهل بعد كل هذه الدوامة من الموت
والدمار الجاري الآن سيتمكن هذان المجتمعان البشريان من إفراز قيادات مجتمعية
شجاعة تقول كفى لهذا الموت العبثي والمعاناة من الإستمرار وتتمكن من فتح نقاش
مجتمعي واسع النطاق على طرفي الصراع يخلق الأرضية والمناخات الملائمه للعوده للغة
العقل والمنطق والقائله بإن لا حل لهذا الصراع سوى بالسلام والذي إختطه ياسر عرفات
وأسحق رابين ؟؟؟
تعليقات
إرسال تعليق