القائمة الرئيسية

الصفحات

 



سقوط ثالوث التابوهات المقدسة

أقامت اسرائيل الحاكمة والمعارضه على حد سواء الدنيا ولم تقعدها على صدور مذكرتي توقيف وإحضار صادرتين عن المحكمه الجنائيه الدولية بحق بنيامين نتياهو ويوآف جالانت وزير الدفاع السابق الذي أقاله بنيامين نتياهو قبل اسبوعين من تاريخه ، فمن رئيس الدولة الذي وصف صدور المذكرات باليوم الأسود الى رئيس المعارضه لابيد والذي وصفها بالإنتصار للأرهاب مرورا بالمعني الأول بهذه المذكرات بنيامين نتنياهو والذي وصفها بالعار والأخلاقيه ....الخ  الى كافة الأقطاب السياسيه الحاكمه حيث وخلال ساعات معدوده إستنفذت القيادات الإسرائيليه كافة مفردات اللغه السياسيه وغير السياسيه الشاجبه والمستنكره لهذا القرار الذي بمجرد صدوره بات بحكم الأمر الواقع وثيقه صادرة عن مؤسسه قانونيه مرموقه ، وسيكون له تداعيات قانونيه ستلقي بظلالها على المواقف السياسيه لعديد من الدول والمنظمات الدوليه والتي ستظهر تباعا بعد إنتهاء هذه العاصفه من الأفعال وردود الأفعال فما هي التداعيات السياسيه والقانونيه على إسرائيل والفلسطينيين أولا وما هو التداعيات على النظام السياسي العربي والإسلامي ثانيا وعلى موقف بقية الدول ذات التأثير في الصراع الدائر في الشرق الأوسط :ـ

أسرائيليا :ـ

·         شاءت إسرائيل أم أبت فقد وقعت فيما كانت تخشاه دائما ومنذ قيامها قبل ستة وسبعون عاما وهو عدم خدش أي من ثالوث التابوهات المقدسه التي حرصت أن تقدمها للعالم أولاه بإنها أمه تعرضت لمظلوميه تاريخيه ومحرقه كبرى وعلى العالم أن يقف الى جانب هذه المظلوميه التاريخيه ، ثانيهما أنها واحة للديقراطيه وحقوق الإنسان الوحيده وسط بحر من الإستبداد والنظم الادمقراطيه التي يعج بها الشرق الأوسط  ، ثالثهما بإنها دولة قانون ونظام وسط غابة من الأعداء والتخلف والوحشيه والبربريه التي تسود منطقة الشرق الأوسط وبهاتان المذكرتان باتت اسرائيل حالها كحال الدول والمنظمات الخارجه عن القانون الدولي فبعد ان كانت دوله لأمه تعاني من مظلوميه باتت هي من تمارس الظلم وبعد أن كانت واحة للديمقراطيه وحقوق الإنسان باتت تخرق حقوق الإنسان بل تتهم بممارسة أعمال الإباده الجماعيه  وبعد أن كانت دولة القانون باتت تخرق القانون الدولي والإنساني بأفظع الصور والمشاهد .

·         بصدور هاتان المذكرتان باتت مشروعية الحرب التي تشنها في قطاع غزة فاقدة للشرعية التي إكتسبتها بعد الهجوم التي شنته حركة حماس بعد توجيه هذه الإتهمات للمسؤولين الأولين عن قيادة هذه الحرب فمنذ اللحظه التي صدرت بها هاتان المذكرتان وأن إستمرارها سيكون ومنذ هذه اللحظه هو خارج نطاق شرعية الدفاع عن النفس الذي تكفله قوانين الشرعية الدولية .

·         تعلم أسرائيل يقينا بإن مستوى الدعم السياسي الدولي الذي ستتلقاه منذ الآن فصاعدا سينخفض الى حدوده الدنيا والذي سيلقى تعبيراته في الإقتصاد وسلاسل توريد السلاح والذي سيلقي بظلاله على العمليات القتاليه الجارية في قطاع غزة وجنوب لبنان أيضا .

·         سيصبح بنيامين نتياهو وبكل ما يمثله عبئا ثقيلا على إسرائيل كدوله فهو المتهم محليا بقضايا جنائيه والمتهم الآن بقضايا دولية خطيره للغاية تتعلق بالإباده الجماعيه وفي ظل ذلك فستكون إسرائيل الرسميه والشعبية مجبره بالبحث جديا عن البديل ليس لبنيامين نتنياهو كشخص وإنما كحقبه سياسيه ومنظومة مصالح وتشابكات سياسيه أيضا .

·         لا يشك أحدا بقدرة بنيامين نتياهو الى تحويل المحن الى منح وقدرته كذلك على تدوير الزوايا السياسيه ونقل المعارك السياسيه الداخلية الى الخارج وهو الغارق بها حتى أذنيه ، ومن هنا فليس مستبعدا  أن يذهب الى مزيد من التصعيد وبمزيد من الدموية مدعوما بتحالفاته من أقصى اليمين لإحداث أي شكل من الإنتصارات التكتيكيه التي ستنقل الجدل الداخلي الى نشوه آنيه من إنتصار ولو شكلي بعد أن عجزت الى تحويل كل ما أنجزته تكتيكيا الى إنتصار إستراتيجي .

·         سيكون الهدف الأول لإنتقام بنيامين نتياهو وحكومته هو المتسبب الأول بصدرور هذه المذكرات وهي في حالتنا الراهنه السلطه الوطنيه الفلسطينيه صاحبة الدعوى الأساس الذي قدمتها للمحكمه الجنائيه الدوليه بحكم ولايتها القانونيه عى قطاع غزة وهي المنطقه التي وقعت بها  هذه الجرائم المنسوبه لبنيامين نتياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت فمن المتوقع أن يوعز لوزراء حكومته بإتخاذ مزيد من  الإجراءات العقابه .

فلسطينيا :ـ

·         مما لا شك فيه بإنه إنتصار تاريخي للقضيه الفلسطينيه على المستوى الإخلاقي والإنساني قد لا يكون له مفاعيل في القريب العاجل أو المدى المنظور سياسيا الا أنه في المستوى البعيد يضيف تراكما نوعيا لعدالة القضيه الفلسطينيه على المسرح الدولي ويكسبها مزيدا من الزخم السياسي وتكثيف الضغوطات الدوليه لإيجاد حلول لهذا المصراع وتكثيف الضغوطات على قوات الإحتلال للتراجع خطوات للخلف في الحرب الدائرة في غزة .

·         بقدر ما تضفيه صدور هذه المذكرات من إنتصار للمواطن الفلسطيني الذي تعرض لكل هذه الويلات فهو على الجانب الآخر يضيف مزيد من الضغوطات على السلطه الوطنية الفلسطينية لإتخاذ إجراءات حاسمه بإتجاه التشكيلات المسلحه والمتهمه إحدى أذرعها وهي حركة حماس بإرتكاب جرائم حرب وما مذكرة إعتقال محمد الضيف الا إشارة رمزيه على ذلك بمعنى أن الجانب الفلسطيني الرسمي وبحكم ولايته القانونيه على قطاع غزة والذي تم قبول الدعوى المرفوعة من قبله مطالبا بتنفيذ الشق القانوني المتعلق به بغض النظر إن كان محمد الضيف حيا أو ميتا والإجابة على ذلك بمنطق أن قطاع غزة محتل بالكامل من قوات الإحتلال وهو ما يعيق عمل السلطه فيه .

·         يجب أن يكون معلوما للسلطه الوطنيه الفلسطينيه بإن إسرائيل ستزيد ضغوطاتها على السلطه الوطنيه الفلسطينيه وأنه للتعامل مع هذا الإحتمال فإن التحرك السياسي يقتضي توسيع مظلة الدعم العربي والدولي للتخفيف من هذه الضغوطات والتي ستتركز على الأغلب في المجال المالي وحرية الحركة للمسؤولين في الداخل وعلى المنافذ المؤدية الى خارج مناطق الضفه الغربيه .

عربيا وإسلاميا :ـ

·         إن النظام العربي والإسلامي الرسمي أمام لحظة تاريخيه منحته فرصا إضافية للتحرك في عدة مسارات آنية وعاجله تتمثل في إيجاد مخرج للحرب الدائرة حاليا في قطاع غزة وجنوب لبنان وتخفيف الضائقه الشديده والملحه عن المواطنين الفلسطينيين واللبنانيين بضغط صدور هاتان المذكرتان .

·         على المستوى السياسي المتوسط فقد بات النظام العربي والإسلامي مطالبا بتعميق التحرك في المسرح الدولي للبحث عن خيارات وفرص لعملية السلام لأن بقاء الأحوال على هذا النحو سيبقي المنطقه في حالة عدم استقرار سياسي وستبقى شبح الحروب والدمار سيد الموقف فيها .

·         على الدول العربيه والإسلاميه التي تربطها علاقات تطبيع وسفارات مع إسرائيل وكذك الدول التي تطمح إسرائيل بإقامة علاقات دبلوماسيه بها أن توحد خطابها المعلن والسري لإسرائيل كدولة ولجمهورها أيضا بإن خيار السلام هو الخيار الأمثل وأنه وبعد كل هذه الدماء فلا يمكن تجاوز وجود قضية لشعب يكافح لقرن من الزمن في سبيل نيل حقوقه وأن القوة لا يمكن أن تحقق تصفية هذه القضيه والذي تسعى له حكومة أقاصي اليمين .

الولايات المتحده الأمريكيه :ـ

·         مما لا شك فيه بإن الولايات المتحده ونظرا لطبيعة التحالف الإستراتيجي القائم بينها وبين إسرائيل فقد وفرت الغطاء السياسي لإسرائيل طيلة فترة الحرب والذي تجاوزت العام الآن بكل ما نقلته وسائل الإعلام العالمية من فظائع يصعب وصفها الا أن موقف الولايات المتحده بإدارتها الدمقراطيه الحاليه وفي كثير من المحطات فقد أرسلت رسائل علنيه وسريه لإسرائيل تضمنت وقف مؤقت لشحنات أسلحه تعبيرا عن إمتعاضها من السلوك الإسرائيلي وكذا الحال لرسائلها الدائمه بضرورة ضخ المساعدات الإنسانية وزيادتها وهي الرسائل التي أثارت إمتعاض بنيامين نتياهو وعبر عنه سرا وعلنا في العديد من المرات .

·         مما لا شك فيه فإن بنيامين نتياهو ينتظر بفارغ الصبر تسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحده والذي صرح خلال الحملة الإنتخابيه بدعمه المطلق لإسرائيل وإنتقد إدارة بايدن الدمقراطيه لتقييدها حرية إدارة الحكومة الإسرائيليه للحرب في غزة ولم يعد خافيا بإن التشكيلة الي يعكف دونالد ترامب على تشكيلها لإدارته هي واعده بالنسبة لبنيامين نتياهو وهي طوق النجاة الذي يراهن عليه في المدى المنظور لإستمرار حكومة أقاصي اليمين في الحكم .

·         إن إختيار المحكمه الجنائيه الدوليه لهذه الفترة الإنتقالية بين إدارة جو بايدن الدمقراطيه وتسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم هو إختيار مدروس على إعتبار أن إدارة بايدن لن تذهب للمدى الأقصى في ردود أفعالها ولن تتجاوز التعبير بلغه سياسيه شاجبة للقرار وستكون قادره على إبتلاعه وهي أكثر العارفين بحقيقة ممارسات بنيامين نتياهو والتي تجاوزت كل حدود التناسب بين الفعل ورد الفعل على عكس ما سيكون عليه الحال لو تم إنتظار قدوم إدارة دونالد ترامب والتي ستذهب الى مديات إصدار عقوبات على قضاة ومدعي عام المحكمه الجنائية وهو ما هدد به مرشح دونالد ترامب كمستشار للأمن القومي مايك والتز بعقوبات شديده ضد المحكمه الجنائيه الدوليه الا أن طبيعة الأحداث الجارية وإزدحام أجندة دونالد ترامب ستثير كثير من التعقيدات حيال إتخاذ خطوات ضد المحكمه كون المواقف الدولية قد صدرت وبات الأمر واقعا ولن يأخذ طابع الإستعجال .

دولياً :ـ

·         بداية فإن الدول المئه والأربع وعشرون الموقعه على بروتكول روما لتشكيل المحكمه الجنائيه ملزمون قانونيا بتطبيق مفاعيل هذا القرار ألا أن الواقع السياسي لهذه الدول هو أمر مختلف فإن العديد من هذه الدول ستحاول الألتفاف على هذا القرار لسبب وآخر ولكن وفي كل الأحوال ستتجنب حتى هذه الدول الغير راضية عن هذا القرار الإصطدام مباشرة به وبالتالي لن يكون متاحا لبنيامين نتياهو زيارتها بطريقه دبلوماسية هادئه وغير معلنه في كثير من الأحيان .

·         أن بقية الدول الغير موقعه على هذا البروتوكول وبغالبيتها من الدول الكبرى ستتعامل مع هذا القرار وفق مقتضيات مصالحها السياسيه وهي في الأغلب والأعم صاحبة مصلحه في إجراء تغييرات في النظام السياسي في إسرائيل وباتت هذه الفرصه سانحه في غياب بنيامين نتياهو وحكومة أقاصي اليمين من المشهد السياسي في إسرائيل .

خلاصة القول :ـ

لقد فوتت إسرائيل فرصه تاريخيه بتشكيل لجنة تحقيق داخليه للتحقيق في أحداث السابع من أكتوبر وكل مجريات الحرب الدائرة حتى الآن والتي كان من شأنها وحدها منع تلقي إسرائيل هذه الصفعة التاريخيه الغير مسبوقه والتي مست الرواية والمظلوميه والصوره النمطية يستلزمها سنوات في محاولة لترميمها ولن يحدث ذلك بدون إجراء تغييرات عميقه في المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل وعلى العالم الحر أن يساعد الجمهور في اسرائيل أن يقطع بلا رجعة مع فكرة الإستحواذ والسيطرة والتوسع وبدون ذلك سيبقى في دوامة الصراع ولن يشعر بالإستقرار والأمان .                     

تعليقات