القائمة الرئيسية

الصفحات

 


في مثل هذا اليوم ، كنا هناك .....!!!

في مثل هذا اليوم الساعه الثامنه من صبيحة السادس من نوفمبر من العام 2016 أي قبل ثمانية سنوات بالتمام والكمال وخلال دورة أمنية بمشاركة تسعة زملاء آخرين ولمدة إثنا عشر يوما في دولة روسيا الإتحاديه ، وعلى غير المعتاد دخل المحاضر وهو رجل في نهاية الستينات من العمر الى قاعة المحاضرات ، ولم يبتدأ حديثه بإيجاز حول ما القي علينا في المحاضره السابقه وإن كان هناك أية إستفسارات أو أسئله حولها في محاولة لدمج المعلومات السابقه بما سيلقيه في المحاضره المخصصه لهذا اليوم وكانت المفاجأه أنه إبتدأ حديثه بسؤال مفاده " هل تابعتم نتائج الإنتخابات الأمريكيه وما رشح من معلومات عن مؤشرات على فوز دونالد ترامب على هيلاري كلينتون ، وما رأيكم بهذه المفاجأه بعد أن رجحت غالبية إستطلاعات الرأي العام في الولايات المتحده فوزها بأغلبية مريحه عليه ؟؟ " جلت بنظري سريعا نحو جميع الزملاء لعل أحدهم يود تولي الرد على هذا السؤال المفاجئ والغير معتاد وفي ذهني ما تلقيناه من تعليمات قبل السفر من قيادة المؤسسة بعدم الإنخراط في أي جدال سياسي لا داعي له قد يحمل مواقف سياسيه لا تعبر بالضرورة عن رؤية المؤسسة التي ننتمي اليها أو قد يثير جدال مع مضيفينا لا داعي له ، وعلى الرغم من ذلك وبعد مراجعة ذهنية سريعه لم أرى من الائق أن لا يرد أحد منا على السؤال فقررت تولي الرد شخصيا ولا أذكر بالضبط وحرفية الكلمات التي إستعملتها ، ولكن مضمونها وفق ما أذكر فقد كان على النحو الآتي " لقد تابعت بإهتمام شديد الحملة الإنتخابية لكلا المرشحين والتصريحات الصادرة عن دونالد ترامب خصوصا وفيما يتعلق بقضية الشعب الفلسطيني التي تخصنا بالدرجه الأولى والأساسيه ولم أرى فيها الأ تحيزا مطلقا لدولة إسرائيل ، وأننا سنكون أمام أربعة سنوات عجاف مع رجل أحمق لا يرى العالم سوى من خلال الدولار ، ولن يكون فيهما أي أفق سياسي لقضيتنا وسيجر الويلات على الشعب الأمريكي أولا وسيضر بقضيتنا بشكل غير مسبوق ...إنتهى " توقف المحاضر بإستغراب أمام كلمة أحمق قائلا وكيف سيصل رجل الى حكم دولة عظمى وينتخب بهذه الغالبية إن كان كما تصفه بالأحمق ؟؟ فأجبته "بإن المجتمع الأمريكي يضع على رأس أولى إهتماماته سلة مشترياته ورفاهيته قبل أية قضية أخرى وبما أن دونالد ترامب قادم من عالم الأعمال فقد راهن المواطن الأمريكي بإنه سيعيش معه حالة إقتصادية مريحه ولم ينظر الى مخاطر إنتخاب شخص بهذا المستوى المتدني من الإلمام بالسياسه الدوليه التي ستدفعه الى تفكيك تحالفات الولايات المتحده ، ولم يبالي لحالة الفوضى السياسيه التي ستعم الولايات المتحده من خلال نظرته الدونيه للأقليات وتفوق الرجل الأبيض ومعاداته للهجره في بلد أصلا قائم على فكرة المهاجرين من كافة أنحاء العالم .... إنتهى" أكتفى المحاضر  صاحب التجربة لأكثر من أربعين عاما في عالم الأمن والإستخبارات بهذا الرد وإستدرك قائلا لنعد الى محاضرتنا بعد شعوره بإنه تجاوز الوقت المخصص للمراجعه والإستفسارات الصباحيه بعد أن أخذت وقتا بين الأسئله والترجمه والرد عليها بعد الترجمه .

شكل هذا السجال الذي دار بيني وبين هذا المحاضر الذي كان من الواضح تماما بإن إجاباتي لم ترق له ، قناعة راسخة بإن دولة روسيا الإتحادية كانت تولي إنتخاب هذا الشخص أهمية كبيرة لأسباب خاصة بها باتت واضحه بالنسبة لي على الأقل تتمثل في أن المصالح العليا لروسيا الإتحادية تعنى بشخص يدعو الى إنكفاء الولايات المتحده نحو قضايا الداخل الأمريكي وبما يستدعي ذلك من تقليص هيمنة أساطيلها الحربيه في الخارج على العكس تماما مما كانت تدعو له هيلاري كلينتون ومن بعدها جو بايدن وأمتدادهم وبذات المنطق والتوجه كاميلا هاريس أيضا وأن هذا الإنكفاء نحو الداخل الأمريكي مجددا هو هدف إستراتيجي تسعى اليه روسيا الإتحادية بكل تأكيد وسيترتب عليه عدة مسائل في غاية الأهمية :ـ

1ـ إنحسار النفوذ الدولي لحلف شمال الأطلسي والذي يعتمد على المخصصات الأمريكيه في موازنته بالدرجه الأساسيه حيث قام دونالد ترامب بتخفيضها وفرض على الدول الغربيه الأخرى مخصصات أثقلت كاهلها حيث أعاد جو بايدن  الأمور الى نصابها مجددا بعد أن أطاح بدونالد ترامب في إنتخابات 2020 ومن المتوقع أن يعود دونالد ترامب بقوة الى هذه السياسات مجددا وبقوه أيضاً .

2ـ إن سيل الدعم الأمريكي والغربي السخي لأوكرانيا والذي أبقى على تماسكها كدولة ومنع إنهيارها بات في مهب الريح وبات فلادمير زيلنسكي بين خيارين أحلاهما مر إما الإستمرار في حرب إستنزفت كافة موارده ووضعته في مديونية لعشرات السنوات القادمه مع شح ما يمكن أن تقدمه دول الإتحاد الأوروبي وبقية الدول الأخرى عدا الولايات المتحده أو الجلوس على طاولة المفاوضات قبالة فلادمير بوتين ووفق الشروط المعلنه من قبله .

3ـ أنه والحالة هذه ستكون الدول الغربية في حالة بين خيارين لا ثالث لهما إما الإستمرار بفرض العقوبات على روسيا بعد إنكفاء الولايات المتحده الى الداخل الأمريكي أو إختيار الخروج من نظام العقوبات على روسيا وعودة تدفق الغاز الروسي الرخيص الى أسواقها ومصانعها مجددا وإنكفاءها على مصالحها والتي كانت تعيش حالة من الإزدهار قبل الحرب الروسيه الأوكرانيه .

4ـ في ظل حالة الإنكفاء الأمريكي نحو الداخل فقد باتت الصين أمام خيارين وهما يتعلقان بسلوك إدارة دونالد ترامب حيالها فإن قام بتشديد قبضته الإقتصاديه عليها وهو المرجح فسترد وبشكل مرجح بمحاولة حسم قضاياها الجيوسياسيه في منطقة بحر الصين وبالقوه العسكريه وتفرض أمرا واقعا لا محاله  ، أما إن بقيت الأمور تراوح في المكان على حالها الراهن فمن المستبعد قيامها بذات الشيء .

5ـ إيران باتت في مأزق كبير فقد عادت الى مربع العقوبات وتشديد الحصار فهي إن إستمرت بمحاولاتها السابقه بتبادل الضربات مع إسرائيل فستجد الولايات المتحده وقد أطلقت يد بنيامين نتياهو وبمساعدة مباشرة من الولايات المتحده في توجيه ضربة لبرنامجها النووي مباشرة ولم يبقى لديها سوى الفتره الإنتقاليه ما بين إدارة بايدن وتسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم وأن سلوكها في هذه الفترة الإنتقاليه سيحدد مآلات الوضع الإيراني برمته في المنطقه وبما سينعكس على أذرعها في المنطقه العربيه بكل تأكيد .

6ـ لم يعد أمام اللبنانيين من خيارات كثيره فإما القبول بالشروط المطروحه من قبل بنيامين نتياهو لإيقاف الحرب على جبهة الجنوب في الفترة المتبقيه من إدارة بايدن أو إنتظار قدوم دونالد ترامب ومعه شروط جديده لإيقاف الحرب من قبل بنيامين نتياهو ولكنها أكثر تشددا حيث من المستبعد أن يقبل حزب الله وغالبية اللبنانيين هذه الشروط مما سيدفع بنيامين نتياهو لمحاولة دفع حزب الله بالقوه خلف الليطاني مع كل ما يحتمله الأمر من تدمير وكوارث ستحل بطرفي الصراع .  

 أما الوضع الفلسطيني فحدث ولا حرج فهو المتصدر لقائمة أكبر الخاسرين فبعد إن تم إختبار هذا الشخص لمدة أربعة أعوام سابقه وكل ما أحدثه من أضرار جسيمه للقضيه الفلسطينيه فنحن نعود مجددا لذات السياسات السابقه ومعنا هذه المره غزة التي باتت منطقه محتله تماما وبكل مافيها من كوارث ويد طليقه لبنيامين نتياهو وشروط لن تقبلها حماس لإطلاق سراح الرهائن ، ولن يكون أمام بنيامين نتياهو سوى أن يكمل إن تبقى شيء لتدميره في غزة وسقوط الاف الضحايا الجدد وإخراج ما تبقى من أحياء من رهائنه كجثث وإحتلال غزة بالقوة العسكرية لأجل غير مسمى ووضع القضية الفلسطينيه طي النسيان .

هكذا سيكون حال أمه عندما تقرر أن تولي أمرها الحمقى والمجانين فلم تتعظ من الفوضى الذي أحدثها دونالد ترامب في ولايته الأولى وكأنها بلا ذاكرة فتعيد إستنساخ ذات التجربه وتجرب ما تم تجربته ولكنها وبلا إدراك تأخذ العالم بأسره معها الى الفوضى العارمه ، فهذه هي لعبة الديمقراطيه فإما أن تقبلها كما هي وأما أن ترفضها كما هي أيضاً .      

تعليقات