زلزال سوريا والإصطفافات الدولية
إنطلق
اليوم السبت 14 ديسمبر 2024 في العقبة
الأردنية أول إجتماع عربي يضم لجنة الإتصال العربية الخاصه بسوريا والمكونه من كل
من وزراء خارجية الأردن ، العراق ، السعودية ، مصر ، لبنان وسينضم لهم وزراء
خارجية كل من قطر ، الإمارات ، البحرين وأمين جامعة الدول العربيه لبلورة التوجهات العربيه حيال ما حدث في سوريا في
الأسبوعين الماضيين وسقوط النظام السوري وسيطرة المعارضه على غالبية الأراضي
السورية ،
ليتبعهما لقاء آخر بين المجموعة العربية
المشاركة بالإجتماع بكل من وزير خارجية الولايات المتحده ، وممثل السياسات
الخارجية للإتحاد الأوروبي ووزير الخارجية التركي بالإضافة الى المبعوث الأممي
لسوريا .
المشهد السوري عشية اللقاء
·
إنهيار دراماتيكي للنظام السوري وقواته العسكرية في إحدى
عشر يوما ، فاجأ كل المراقبين والمحللين السياسيين والعسكريين وباغت القيادات
العربيه الرسمية وحتى من خططوا لهذا الهجوم .
·
حوادث تصفيات وإغتيالات محدوده قياسا بحجم التراكمات
والأحقاد للثورة السورية لمدة 13 عام وما سبقها من سني عمر هذا النظام الذي إستمر بالحكم لمدة 54 عام من حكم
عائلة الأسد رغم كل الفظائع التي تتكشف تباعا بهذا البلد .
·
رسائل طمئنه عديده أرسلها المسؤول الأول عن إدارة
العمليات العسكرية أحمد الشرع "ابو
محمد الجولاني" للخارج قبل الداخل بإن سوريا القادمة ستكون منفتحه على العالم
بأسره مطمئنا البعثات البلوماسية بأن سوريا القادمه ستكون لكل مكوناتها ، وأن هذا
التغيير لن يكون فيه ثأر ، وعدالة تامة خلال الفترة الإنتقالية .
·
تأييد شعبي سوري واسع لهذا التغيير ، في غالبية
المحافظات السورية الأربعة عشر لا تخطئه العين من غالبية مكونات الشعب السوري في
وقت لا تخفي فيه العديد منها بعد المخاوف من المستقبل مع تمنياتهم بغد أفضل لسوريا
.
·
الإعلان عن حكومة مؤقته بلون واحد وهي هيئة تحرير الشام
برئاسة محمد البشير المنتسب للأخوان المسلمين في سوريا ، لاقت الكثير من
الإنتقادات والقليل من التفهم من مكونات الشعب السوري أولا لناحية التفرد بتشكيلها
وإقتصارها على اللون الواحد من الكون السني ، وغياب النساء عن هذا التشكيل مع بعض
التفهم للحاجات السورية العاجله والتي لا تقبل التأجيل ،ناهيك عن المخاوف الدولية
والعربية لذات الأسباب تقريبا .
·
تصدرت تركيا المشهد قيادة ودعما لكل ما جرى في سوريا
وتبني كل ما تقوم به هيئة تحرير الشام ، والدفاع عنها دوليا والترويج لها ، وفتح
النوافذ الدولية مع كل المتداخلين في الحالة السورية وعلى رأسهم الولايات المتحده
والغرب عموما بل وحتى روسيا الإتحادية لعدم الإحتكاك العسكري بقواعدها في سوريا ،
وخلق تفاهمات مع الأكراد بتفاهم مع الولايات المتحده ، مما أتاح لهذا التشكيل
مزيدا من السيطرة والتحكم على مقاليد الأمور .
·
كان الوفد التركي القطري السياسي والأمني أول الواصلين
الى العاصمه السورية عشية جمعة الإحتفال بالنصر في ساحة الأمويين ، وقد حملت هذه
الزيارة في طياتها الكثير من الرسائل الرمزية بإن الدور التركي لن يتوقف عند حدود
التغيير الذي جرى ، وأن الدعم المالي القطري الكبير في طريقه اليهم ، وإن حركة
الأخوان المسلمين ، ستكون عنوانا لهذا التغيير السياسي بداعميها الأساسيين التركي
والقطري .
·
إنحسار الدور الروسي وتصفية الدور الإيراني والمليشيات
الموالية لها ، هما عنوانان بارزان في مجمل عملية التغيير الجارية الآن مع سعي كل
منهما وبشكل حثيث من التخفيف قدر الممكن من هذه التداعيات ، ومحاولة مد الجسور مع
القادمين الجدد لحكم سوريا ، وإن لم تفلح هذه المحاولات فإن البدائل ستكون حاضرة
ايضا .
·
إن من وضع اللبنات الأولى التأسيسيه لهذا التغيير الذي
جرى هي اسرائيل بكل تأكيد ، فبضرباتها المتكرره للوجود الإيراني وأذرعه على الساحة
السورية واللبنانيه ولقوات النظام ومقدراته قد خلق الفرق للحظه المواتيه للمجاميع
المسلحه لإستغلاله على النحو الأمثل ، ليتلوها بإلغاء إتفاقية فك الإشتباك الموقعه
مع الدولة السورية والسيطره على أجزاء واسعه من الأراضي السورية في الجولان ، وتدمير
ممنهج للألة العسكرية الإستراتيجيه السورية ، وهي رسائل موجهه للقادمين الجدد لحكم
سوريا بإن ما بعد الأسد لن يكون كما قبله .
فإذا كانت
هذه هي صورة المشهد عشية الإجتماع الجاري إنعقاده في العقبة بكل ما فيه من تشابكات
دولية وصراع مصالح ونفوذ ، فأي وجهة سيولي النظام العربي الرسمي وجهه للتعامل
مع أولويات الحالة السورية في الأيام والأسابيع القادمة :ـ
·
إن وحدة الأراضي السورية ستتصدر قائمة الأهداف
الإستراتيجيه العربية فلن يكون بمقدورها قبول ورؤية سوريا وقد تفككت الى أجزاء
كالحالة اليمنيه والليبية ، والتي لن يكون فيها المستفيد الأكبر سوى إسرائيل ، والتي
ستتمكن والحالة هذه من التعامل معها كأجزاء مبعثرة ومتناحره .
·
إن المصالح العربية العليا تقتضي رؤية مشاركة 17 مكون
سوري في الحياة السياسية والحكم ، لأن الحكم بلون واحد أثبت عقمه وخلف المآسي
الراهنه في سوريا ، وكذلك استباق سعي من يتم إستبعادهم للبحث عن مبررات إنفصاليه
وحكم ذاتي كما في الحالة الكردية المرشحه بقوه لمثل هذه التحركات .
·
إعادة تنظيم وترتيب الجيش السوري وقوى الأمن ومؤسسات
الدولة في هذه البلد بعيدا عن سياسة الإقصاء وصبغه بلون سياسي أو مكون طائفي محدد
، فالباب يجب أن يكون مفتوحا للجميع وحتى لضباط ومنتسبي قوى الأمن الذين لم
يتورطوا في جرائم كبرى .
·
النأي بالنفس عن سياسة الإنخراط في المحاور الإقليميه
والدولية لأن الفسيفساء السورية غير قابله لذلك البته، فما زاد من تفاقم الأزمة
السورية قبل سقوط النظام يجب أن تكون شاهدة على أن التدخل الإيراني الروسي لصالح
جهة على حساب بقية المكونات قد قصر من عمر النظام ، فلن تكرر التجربة بالإنخراط
بمحاور أخرى كالتركي والأمريكي والإسرائيلي ، والذي سيقاوم بكل تأكيد ممن ستتضرر
مصالحهم بمثل هذه التحالفات
·
إن نشوء دولة دينية في سوريا هي إحدى الوصفات لكارثه
محققه ، وأن الحشودات التي جرت في المساجد وإعتلاء منابرها من قبل ما يسمى برئيس
الحكومة المؤقتة ومن قبله الجولاني قد دق ناقوس الخطر لدى الكثير من الداخل السوري
والخارج على حد سواء .
·
سيكون النظام العربي عينه مفتوحة تماما على تحركات حركة
الإخوان المسلمين والتي بات واضحا تماما سعيها للسيطرة على الحكم ، وتجيير كامل
الثورة السورية لصالحها كما حدث في الثورة المصرية والتي أدخلت مصر لسنوات في
الفوضى ولا زالت مصر تعاني من آثارها بعد أكثر من عقد من الزمن .
·
عدم التعسف في ممارسة العدالة الإنتقالية ، وممارسة ذات
الأساليب الذي سلكها النظام مع خصومه ، وكأن شيئا لم يتغير، فبعض الحوادث
والتعديات التي حدثت قد أخذت أشكال مختلفه من التعديات بعيدا عن القانون ، والتي
تندرج حتى الآن تحت الفوضى الناشئه عن السقوط المفاجئ للنظام وعدم تشكل جهات
متخصصه في إنفاذ القانون .
·
التعديات الإسرائيليه على سوريا ومقدراتها العسكرية
وأراضيها مستغلة إنهيار النظام والضعف الشديد التي تمر بها سوريا كدولة حاليا وعدم
تشكل منظومة سياسيه معترف بها دوليا ، بما يقتضيه ذلك من سرعة تشكيل حكومة معترف
بها دوليا لمتابعة هذا الشأن عبر الإتصالات السياسيه العاجلة .
·
الإقتصاد السوري المتردي ما قبل حتى سقوط النظام وحاجته
الى التدخل الدولي والعربي في محاولات عاجلة لإنعاشه ، تجنبا للتداعيات المجتمعية
الداخلية كتفشي الجرائم المختلفه والتي تواكب التغييرات السياسيه الحاده والعنيفه
، والذي سيفاقمها إنتشار السلاح وبكثافة بين أيدي الناس والذي هو بغالبيته مما
تركه النظام في الشوارع والثكنات التي لم يتبقى أحد ليدافع عنها .
·
سرعة تعيين لجنة لتعديل الدستور والذي سيحدد ملامح
الدوله والعقد الإجتماعي بين المواطن والدولة ، وأن يلقى قبول كافة مكونات الشعب
السوري ، تمهيدا لإجراء إنتخابات رئاسيه وبرلمانيه .
خلاصة
القول :ـ
مما لا شك
فيه فإن إنعقاد الإجتماع بحد ذاته يعكس إهتماما عربيا لافت في سوريا كدولة محورية ،
وإن إنعقاده في الأردن كجوار لسوريا يعطيه مزيدا من الزخم والإعتبار ، وأن الحضور
الدولي بهذا التمثيل سيضفي عليه الكثير من صفة الإستعجال .... الا أن فسيفساء
المكونات السوريه وكثرة المتداخيلين فيها دوليا وبخاصة من المتضررين من سقوط
النظام ، ستكون بمحصلتها النهائيه عوامل معيقة لخروج سوريا من أزمتها بالسرعه
اللازمة ، هذا إن لم يحدث الأسوء ودخولها في دوامة الفوضى والدول الفاشلة بإمتياز
.
تعليقات
إرسال تعليق