القائمة الرئيسية

الصفحات

 




ايران والعرب والقبعات الست

بعد كل الأحداث التي عصفت بالمنطقه ، لنفترض أن جهة بحثية محايده قررت عقد لقاء عصف فكري لشريحة من النخب الفكرية والسياسيه العربية على إختلاف مشاربهم الفكرية ، تحت عنوان بالخط العريض " تداعيات التدخل الإيراني في المنطقة العربية وأزماتها  " ، وقد وجهت الدعوات على المشاركين بعد إرفاقها بمحاور النقاش لها والتي ستكون على النحو الآتي:ـ

·         مدخل هذا التدخل

·         أسباب هذا التدخل

·         كيف تطور هذا التدخل

·         الرؤية العربيه الرسمية حيال هذا التدخل

·         الرؤية الشعبيه حيال هذا التدخل

·         تداعيات ومألات هذا التدخل

إن أولى المشكلات التي ستواجه إدارة هذه الجلسة والتي يجب أن تكون في حسابات القائمين عليها هي إعتراض عدد من المشاركين على مجرد إستخدام كلمة التدخل من العنوان الى محاور النقاش ، على إعتبار أن هذا يعكس عدم حياديه للجلسة ، وأن هناك رأي مسبق للقائمين عليها ، وأنه كان من باب أصح لو إستخدمت كلمة العلاقة ، ليصبح عنوان جلسة العصف الفكري "العلاقة العربية الإيرانية وإزمات الشرق الأوسط" مثلا ، وأن يصار الى تقسيم محاور هذه الجلسة على النحو التالي :ـ

·         العلاقات التاريخية بين ايران والعرب

·         أهمية العلاقات العربية الإيرانية

·         الموقف العربي الرسمي من العلاقه مع إيران

·         الموقف الشعبي من العلاقات العربيه الإيرانية

·         تداعيات هذه العلاقه إيجابا وسلبا

·         سبل تطوير العلاقات العربية الإيرانية

وهنا ستكون إدارة الجلسة قد وقعت بين خيارين موضوعيين لهم من الوجاهة الكثير ، فإما أن تصر إدارة هذه الجلسة على الإبقاء على عنوان الجلسة على حاله وعلى محاورها كما هي على إعتبار أن الدعوات التي وجهت للمشاركين وتلبيتها من قبلهم ، كانت واضحه بعنوانها ومحاورها وبذلك فإن حق الإعتراض بعد الحضور يفقد وجاهته ، وأما أن تكون بهذا الرأي قد تجاوزت حق بعض المشاركين في الإعتراض ، وتحاول البحث عن مخرج ضمانا لإستمرار الجلسة بروح الفريق وتنفي عنها أي شبهة بعدم الحيادية .

في حالة كهذه ، سترفع الجلسة لمدة 15 دقيقه للتشاور بين أعضاء الفريق البحثي لإتخاذ قرار بهذا الشأن ، وبعد التداول تعاود جلسة الحوار الإلتئام ، وقد تم الإتفاق على إبقاء المطبوعات على حالها إحتراما لمنطق الموافقه المسبقه عليها بمجرد الحضور والمشاركه من المدعويين ، مع إجراء تعديل في اليات النقاش لمحاور اللقاء ، بعد إحتزالها بمحور واحد وذلك على طريقة لبس القبعات الست كبديل للمحاور الست لهذه الجلسة ، وبهذا فقد تجاوزت الإشكال الناشئ وبطريقه إبداعية لم يتم الإخلال بواسطته بحقوق أي من الأطراف .

وزعت أدوار لابسي القبعات الست على المشاركين ، وفق إختيار اول ستة مشاركين في المحور الوحيد لها والذي باتت مزاوجته تقتضي نقاشه واقعيا بمفهوم "ايران والعرب بين منح الجغرافيا ولعناتها "

·         القبعه البيضاء :ـ

إن وجود الحضارة وألامبرطورية الفارسية 559 ق.م قد سبق وجود الحضاره العربيه الإسلامية بأكثر من الف سنه ، وإن إيران كدولة بشكلها الحديث والتي أسستها عائلة بهلوي والتي حملت لقب "الشاه" 1501 م قد سبقت الدول العربيه بشكلها الحديث بمئات السنين ، وإن الجغرافيا  المشتركه بين هاتان الثقافاتان المختلفتان بكل تفاصيلهما ، حملت في ثناياها بذور صراع دائم ، ولم تستطع كلتا الحضارتان البحث عن المشترك قبل البحث عن المختلف ، وحتى الدين الإسلامي لم يتمكن من فعل ذلك فالتباين الطائفي السني الشيعي كان عاملا آخر من عوامل الصراع ، وأن التطبيع السياسي المستقبلي ، بحاجه الى تطبيع ثقافي ايراني عربي مسبقا .

القبعه الصفراء :ـ

·         إن إيران بشكلها الحالي كدولة إسلامية من الممكن أن تكون قيمة مضافه كبيره للأمه العربيه والأسلامية ، وأن الحوار بين ايران والنظام العربي بكليته بعد هذا الفصل من الصراع في الشرق الأوسط ، بات أولوية قصوى فتقييم التجربه الماضيه بروح العيش المشترك ، وحسن الجوار والإقتصاد والإبتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ، والمآسي التي خلفها والتي باتت ظاهرة ولا يمكن إخفاءها ، شريطة أن يقام هذا الحوار في إيجاد قاعده أساس هو حسن النوايا والصدق ، وأن الفرص لنجاح هذا الحوار وخلق أسس متينه للبناء عليها مستقبلا هي كبيره للغاية .

القبعه السوداء :ـ

·         إن الفكرة الحاكمه لنظام الحكم في إيران التي أرسى قواعدها الإمام الخميني ، هي تصدير الثورة الإيرانية وجعل من القدس الشعار الكبير لها ، وأن أي أطروحات من قبيل فتح حوار مع العرب والنظام العربي ، هي مسائل تكتيكيه لخدمة الإستراتيجيه العامه بعنوانها العريض تصدير الثورة ، فقد سبق وتقدم بإتجاه علاقات مع الأردن ودعم إقتصاديي ومشاريع مياه وسياحه ....الخ ، ولكن عينه على الحدود الأردنية الإسرائيلية وإستخدام الأخوان المسلمين بالأردن في حالة مشابهة لحماس في غزة ، أيران في حالة ضعف شديد حاليا ، وهي بحاجة الى خطاب سياسي منخفض الوتيرة لإعادة لملمة حالة التشظي لأذرعها ، ومن ثم ستنقلب على أية تفاهمات قد توصلت عليها مع العرب .

القبعة الحمراء :ـ

·         إن ما أحدثه النظام الإيراني في المنطقة العربية كبير للغاية ، فقد أسقط عدة عواصم عربية فمن بغداد الى صنعاء ومن بيروت الى دمشق ، وجعل من هذه الدول فاشلة بإمتياز ويتحمل المسؤولية الكبرى الأولى والأخيرة عن كل ما حدث ، فغزة باتت غير قابلة للحياة البشرية فبدعمه لحماس وتحريضها على الإنقلاب على السلطه ، دفعها للقيام بما أطلق عليه طوفان الأقصى ، والذي جر المنطقه بأكملها لهذه الكوارث ، ولا توجد فرص حقيقيه لأي تقارب أيراني عربي ، سوى بتغييرات عميقه بهذا النظام وبنيته الفكرية ، أما الحديث عن حركة إصلاحيين تحت ولاية نظام الفقيه فهي ذر للرماد في العيون .

القبعه الخضراء :ـ

·         شئنا أم أبينا ، فالجغرافيا هي العامل الحاكم ، وعلينا الإعتراف أن هناك أخطاء قد أرتكبت من قبل الطرفين في إدارة العلاقة ، وإن المبادرات العربيه نحو إيران وفك الحصار عنها وتطبيع العلاقات الإقتصاديه الثقافية والسياحيه عنها ضروري للغاية ، لأن من شأن ذلك أن يحدث الفرق للتأثير بالمواطن الإيراني نحو التغيير وكسر حالة الخوف وعدم الثقه التي بنيت خلال عشرات السنين ، فالإمكانيات العربيه كبيره جدا ، وبإمكاناها ممارسة سياسة الإحتواء للحالة الإيرانية وليس العكس .

القبعة الزرقاء :ـ

·         نحن أمام تجربه إمتدت لقرابة نصف قرن مع نظام الولي الفقيه ،الذي أنشأه الأمام الخميني بعد ثورته عام 1979 بعد إسقاط نظام حكم الشاه وعائلة بهلوي في ايران ، قد رفع شعارات واضحه لتصدير الثورة للخارج في استعداء واضح لجيرانه العرب ، لتندلع حرب عراقيه ايرانيه لعشرة سنوات ، تم تقديم الدعم الخليجي فيه للعراق ، في حين أخذت عدد من الدول العربيه موقفا محايد علنيا ، باعتبارها حرب مدمره للعرب وايران على حد سواء ، بينما وقفت دولة كسورية مثلا الى جانب الإيرانيين ، حيث شكلت هذه الحرب ركيزة الإصطفافات اللاحقه .

·         بعد عدم القدرة الايرانية على إحداث اية تغييرات في المنطقه العربية بدأت ببناء تحالفاتها مع إمتداداتها الطائفية (الشيعة) في هذه البلدان ، كبديل لإسقاط هذه الأنظمة وكانت الدفعه الأولى بعد سقوط نظام صدام حسين في بغداد ، كبديل لإسقاط هذه الأنظمه ، الا أن جائتها فرصة الربيع العربي على طبق من ذهب والذي جيرته في عدد من البلدان لصالحها حيث حركت أمتداداتها الطائفية ونجحت في بلدان كاليمن مثلا بدعم الحوثي بالسيطره على العاصمه صنعاء وأجزاء كبيرة في اليمن ، وأخفقت في أخرى كالبحرين مثلا بعد تدخل السعوديه لدعم إستقرار الدوله هناك ، وبقي النموذج الأنجح لإيران هو نموذج حزب الله صاحب الإمتداد الطائفي الشيعي ،

·         حاولت إيران ولسنوات الإنتقال الى الداخل الفلسطيني كجبهة صراع مباشرة ونسج علاقات مع القوى المعادية لمنظمة التحرير الفلسطينيه وعلى رأسها ياسر عرفات الذي رفض طلب ايران بتحويل مسارها الى قوة إسلاميه ، وقد بدأ هذه العلاقه بحركة الجهاد الإسلامي برئاسة فتحي الشقاقي ، ولكن لمزيد من التدخل اضطر للتحالف مع حركة حماس ، وهي الحركه السنية التي تتبنى فكر الإخوان المسلمين بكل ما لهذه العلاقه من محاذير .

تتوزع القبعات من جديد على المشاركين الآخرين وبذات الألوان ، وتتكرر تقريبا ذات المفاهيم بعبارات مختلفه ولكنها في جوهرها واحده ، وهكذا حتى ينتهي المشاركين جميعا من مداخلاتهم وفق الأدوار والقبعات التي إختاروها .

خلاصات وإستنتاجات :،

·         إن كافة الأزمات التي نشأت بين ايران والعرب منذ قيام ثورة الخميني في العام 1979 ، هي بالأساس ذات بنيه ثقافية ، تعود لبنية النظام الجديد وفكرة تصدير الثورة ، التي جوبهت من يومها الاول من الشق الأكبر من النظام العربي ، مع بعض الإستثناءات القليلة التي لم تأخذ ذات الموقف نظرا لتركيبته الفكرية والأيديولوجيه ، وفي الصراعات ذات البنية الثقافية  والأيديولوجيه لا بد أن يخرج أحد الطرفين من جلده ، وهو أمر بعيد المنال في المدى القريب المنظور .

·         إن الفصل الأخير من الصراع من غزة الى لبنان فسوريا أشار بوضوح الى تراجع حاد في قوة ما أطلق عليه محور المقاومة ، ولكن كل المؤشرات إستنادا الى التصريحات الصادره عن نخب الطرفين السياسية والثقافية ، لا تشي بإعادة قراءة هذه التجربة وتقييمها ، فلا زال منطق التفكير الإيراني ولغة التفكير بالمحور هي السائده ، وعلى الجانب الآخر فلا تغيير بالموقف الرسمي العربي الرافض لكل فكرة المحاور والتدخل في القضايا العربية .

·         لا يمكن إغفال دور العامل الخارجي في هذا الصراع والمكون من عدة قوى أساسيه أبتداءا بالولايات المتحده ، روسيا ، تركيا واسرائيل بكل مصالحهم ونفوذهم المتضارب ،فإذا لم يستطع العرب كنظام سياسي ونخب أساسا من رسم حدود مصالحهم ونفوذهم ومتطلبات أمنهم القومي بدقه ، والسيطره على بعض القوى المحلية في بلدانهم من التغريد خارج سرب الإجماع الرسمي الشعبي والعربي ، فستبقى بلدانهم مسرحا لمزيد من الصراعات ومصالح ونفوذ الآخرين .

·         ايران وبحكم الجغرافيا هي واقع ، ولا بد من البحث عن سياسات عربية للقاء ، ولو بحدها الأدنى كرأس جسر عبر مفاهيم إقتصادية وأنشطه ثقافية والإختلاط الإجتماعي ، وتغييب لغة الخطاب التأجيجي والمذهبي كلها عوامل قد تساعد على بناء الثقة تدريجيا على أمل التغيير في المستقبل .

·         ايران كمجتمع ليس موحد التفكير بنظرته الى العرب وسياسات بلاده نحوهم ، فبعد 45 عام من قيام هذا النظام فإن الأغلبية الصامته والتي نأت بنفسها عن الحياة السياسيه الإيرانية ، لا توافق النظام على سياساته مع الخارج ، وبخاصة مع جوارهم العربي ، وكذا الحال فإن جمهور واسع من العرب ، لا يوافق النظام العربي الرسمي على سياساته إتجاه ايران ، ومن هنا يأتي دور النخب العربية المثقفة بهذا الخصوص ، وتكوين رأي عام مشترك لدي جمهوري البلدين ، من قبيل تشكيل جسم عربي ايراني غير رسمي كهيئة للحوار العربي الإيراني ، لإقامة الندوات واللقاءات بما لا يمس النظم القائمه حتى لا يتعرض للتصفية في مهده .              

إنتهـــــــــــــــــــــــــــــــــى .......

تعليقات