بين مطرقة
حكومة الأساطير & سنديان هلال الركام والصدأ
خمسمائة
يوم من الموت والدمار ، كانت كافية لإحداث
متغيرات عميقة الدلالات في منطقة الشرق الأوسط ، والتغيرات في شكل الخرائط
الجيوسياسية في المنطقة ، تحاول أطراف ترسيخ مفاعيلها لعشرات السنوات القادمة ،
وتحاول أخرى التخفيف من مفاعيلها بنفس القدر ولذات الأسباب ، ويرفض آخرين الإعتراف
بنتائجها بنفس الأهمية ولذات الأسباب كذلك ، ولكن بين حدود الممكن وغير الممكن
باتت الكرة في ساحة النظام الرسمي للعرب ، بعد أن القى بها بهلول السياسة والتاريخ
وساكن البيت الأبيض الجديد في ملعبهم ، هربا
من وعود كان قد قطعها على نفسه في حمى الإنتخابات ، عن ساعات لإيقاف كل حروب الكون
، وعن تملكه لشواطئ الريفيرا الجديدة بعد تهجير أهلها بعد فوزه بالإنتخابات ، يحاول
مستشاريه جاهدين مداراة مفاعيل سيل هذه الترهات التي لا تتوقف وبلا طائل في المدى
المنظور .
لقد كانت
الصورة التي نقلتها وسائل الإعلام للغة الجسد للعاهل الأردني كافية لتقول كل شيء
في لقاءه مع بهلول السياسة والتاريخ ، فحالة الإختناق التي كان يشعر بها هي بالضبط
ما شاهده العالم ، فمن قذفه للكرة الملتهبة في حضن الشقيقة الكبرى ومشروع يجري
إعداده للتسوية في المنطقة ،الى إستقباله لألفي طفل لدواعي إنسانية وعلاجية بما
يعني الفي عائلة ، وبلغة الأرقام قرابة عشرة ألاف مهجر ، تزيد أو تنقص فهي بحدود
إمكانيات بلاده لإستقبال المهجرين طوعا لا قصرا ، أما عن بقية الملفات فهي مسؤولية
جماعية للعرب ، سيحملها رئيس الشقيقه الكبرى في زيارته المؤجله للبيت الأبيض بعد
القمة العربية المرتقبة ، وذلك بعد أن تم وضع الخطوط العريضة للبيان السياسي
الختامي لها في الرياض في ظل غياب أصحاب القضية الأساس عنه ، بدواعي أن موقفهم
معروف ولا داعي لحضورهم لصياغة آفاق مستقبلهم ، وغير علنية نتيجة إعتراض بعض الدول
المقررة على من سيحضر ، نزولا عند مطالبة بمن يمسك بالأرض والسلاح بحضوره مثل هذه
المناقشات على قدم المساواة مع صاحب
الولاية القانونيه .
رسمت
جنازير دبابات بنيامين نتياهو الحدود الجيوسياسيه الجديدة ، فقد توسع في الأراضي
السورية المشاع بقدر ما يحتاجه في هذه المرحلة ، وإحتفظ بالتلال الإستراتيجية في
الجنوب اللبناني التي يحتاجها مع ما يلزم من أرض لحركة قواته دخولا وخروجا بشكل
آمن ، ودباباته على أطرف الأحياء في غزة في حالة تأهب للعوده لتقطيع أوصالها مجددا
بعد إنتهاء أعمال القمة العربية ، وإعطاءهم فرصة تفكيك حماس وحكمها وسحب سلاحها
طوعا ، وباتت دباباته التي لا حاجة لها تجوب شوارع جنين وبعد أيام في طولكرم وهكذا
رويدا رويدا وصولا لكل المدن الفلسطينية ، فلم التعجل في الأمر ، والعمل جاري على
قدم وساق لإخلاء مخيمات اللجوء الواحد تلو الآخر فلا بأس بأربعون الفا حتى الآن وبعد
شهر واحد فقط ، فستة شهور أخرى كافية لإنجاز المهمة ، أما عن الأنروا ورمزية حق
العودة فقد باتت في حكم المنتهية في نظر ساسة حكومة الأساطير وجاري العمل على
تفكيك هياكلها .
أقام أهل
الطوفان سلسلة عروضهم المسرحية الأسبوعية عن الإنتصار الكبير ، بتحميل ثلاثة أسرى
كل الرمزيات الممكنه وغير الممكنه ، عن الأنفة والقوة وسيارات الدفع الرباعي ، حتى
وقعوا فيما ينتظره بنيامين نتياهو بتسليم
آخر دفعتين بالجملة ، ليفتح معهم كشف حساب على كل الصور والرمزيات ، وجاء
الرد بوقف عملية التبادل بعد أن إستحصل على كامل الأحياء في الدفعة الأولى من
إتفاق وقف إطلاق النار ، أما حزب الله فقد أقام مهرجان وداع لأمينين عامين دفعه
واحدة في إستعراض القوة بمئات الألاف من مناصريه ولا بأس أن خلا المهرجان من مسدس
أو هيكل خشبي لسلاح ، وحتى وأن كان الطيران الإسرائيلي في سماء المحتفلين ،ليجتر
أمين عام الضرورة كلمات كان يعرف سابقه كيف يقولها وكيف يحرك بها غرائز الجماهير الموعوده
بحيفا وما بعد حيفا وما هو أوهن من بيت العنكبوت .
بعد تضييق
الخناق على بهلول السياسة والتاريخ من قبل مستشارية ولجم لسانه ، تكرم على العرب
بإعطاء نظريته النموذجية بالتهجير صفة
الفكرة ، في إنتظار ما سيرشح عن مؤتمر العرب من أفكار أكثر قابلية للتطبيق ، شريطة
أن لا تبتعد كثيرا عن حدود الفكرة النموذج ، أما على الأرض فهو التبني بالكامل لكل
ما يقوله أو يفعله شريكه في الإحتيال السياسي بنيامين نتياهو ، فلا بأس بإفراغ
إتفاق وقف إطلاق النار من أي إستحقاقات بالإنسحاب وإعادة الأمور الى ما قبل السابع
من أكتوبر ، وإقتصاره على عمليات تبادل أسرى وبعض الطعام والخيم والمواد الأنسانية
الغير مؤثرة على الأمن الذي له بداية ومفتوح النهايات بكل تأكيد ، أما نظام
الملالي فهو سيبقى بين حالة اللاحرب واللاسلم ،ولا بأس ببعض الهوامش في إستقبال
وفود أذرع الركام والصدأ ، لإهداء صاحب الزمان بعض من الإنتصارات من غزة ولبنان
مقابل الإلتزام ببعض ما جاد الله عليهم مما سيتبقى من مال لقاء نفط مهرب كلما تيسر
.
بات البيان
الختامي المعجزة لقمة العرب جاهزا تماما بمقدمته وبما حبانا الله من القدرة على
تطويع الكلمات ، وبما يتناسب مع المناسبة وجلال الموقف ودماء الشهداء وتضحيات
الأسر الثكلى ومن فقدوا أطرافهم وبيوتهم وأرزاقهم ، شريطة أن لا يغضب بهلول
السياسية والتاريخ ولا يرضيه تماما ، فلا ضير عن إمتداح أفكاره الملهمه ولكنها قد
تصلح لمكان آخر وزمان آخر ، أما شريكه في الإحتيال ، فلا بد من إسالة لعابه بفتح
حواضر العرب جميعها دفعة واحدة لحياة مشتركة وسلام ووئام حتى يعيد الأمور الى ما قبل
طوفان اللعنة ، ويكفي وعد منه لإعادة النظر بإيجاد حل للفلسطينيين مع بعض التنازل
ثمنا لكل التضحيات التي دفعوها ، أما إصحاب القضية الأساس ، فعقوبة صاحب الولاية
القانونية بإعادة تدوير حكومة شكلها قبل فترة وجيزة ، وذلك نزولا عند رغبة أصحاب
الطوفان لإشراكهم بحكم ولو من خلف ستار لأكوام الركام والموت ، أما الذين لم
يكونوا يعرفون نتائج الطوفان وإلا لما قاموا به فعقوبتهم بإخراج رموزهم الى بلاد
تقبل بهم ضيوفا وتسليم سلاحهم للجنة متعددة الجنسيات .
من مفارقات
القول بإن كل اللاعبين من أولهم لآخرهم يعرفون تماما بإن الصراع قد فتح ولا أفق
لحلول يقبلها العقل والمنطق السائد ، فما بين من بات يتمتع بكل هذا الفائض من
القوة والإستعلاء والدعم اللامحدود من ساكن البيت الأبيض الجديد ، والذي باتت
معتقدا بإن جنازير دباباته هي التي سترسم معادلاته الجيوسياسية ، ومابين محور
الركام وهلال الصدأ الذي لا زال يعيش حالة من الهذيان عن الإنتصارات وقدرته على
تغيير المعادلات ، هوة سحيقه لا تكفي معها بيانات العرب ولا خياراتهم الراهنه
لردمها ، فمن هو الذي بقي يعتقد بإن حكومة الأساطير الراهنه في اسرائيل وكل
الأحزاب المعارضة ، من الممكن أن تتعايش مع فكرة حل الدولتين طوعا ، وفي المقابل
فهل بمقدور النظام العربي الراهن من وضع حد نهائي لرأس محور الركام والصدأ وأذرعه
وأمتداداته في المنطقه العربية .
أن الفصل
القادم من الصراع حتمي فحجم الدم والكراهية التي صنعها صاحب الزمان وبنيامين نتياهو
كبير جدا ، فالمصالح التي أقامها صاحب الزمان في المنطقة العربية كبيرة جدا ، فمئتين
الف لبناني على الأقل أصبحت حياتهم ومستقبلهم مرتبطة إرتباطا وثيقا بهذا المحور ،
وكذا الحال فحماس عدا عن التنظيمات الأخرى بات مستقبلها وجمهور واسع لها مرتبط
إرتباطا وثيقا بهذا المحور وهذا النفوذ ، أما على الجانب الآخر فحجم الهواجس وعدم
الشعور بالأمان الذي تمكن بنيامين نتياهو من صناعته على مدى ثلاثين عاما فلا حدود
ولا سقوف لهما ، فلم يعد الأغلب والأعم من الإسرائيليين يرغبون حتى بمجرد مناقشة مثل
هذه الأفكار ، وفي المحصلة النهائية فقد تشكلت مصلحة مشتركة للطرفين بالإبقاء على
حالة الصراع والإشتباك وقد يكونان الآن أكثر من أي وقت مضى بحاجة الى المحافظة على
حدود من الإشتباك ، فحماس منزوعة الأنياب وحزب الله منزوع المخالب له أولوية في
حسابات بنيامين نتياهو قطعا ، عن إقامة علاقات طبيعية مع العرب تسمح بإقامة دولة
فلسطينية بإي حال من الأحوال ، فهذه الفزاعة التي أتقن إستخدامها لثلاثين عاما لا
زالت صالحة للعمل أيضا ، مع الأخذ بعين الإعتبار على عدم تكرار ما وقع من أخطاء في
إدارة هذا الصراع في المراحل السابقة ، ففي حين كان متحفز جدا له في التعامل مع
رأس المحور وذراعه اللبناني ، ولكنه أخطأ في إدارة تقدير عواقبه عند التعامل مع
الذراع الفلسطيني ، وما سيضاف له حتما مع اليمني الناشئ حديثا.
بات النظام
العربي الرسمي في وضع حرج وغير مسبوق ، فكل السياسات التي إستخدمت سابقا لم تكن
كافية لإقناع أحد من المتصلين بقضايا المنطقه بتغيير أي من مساراته ، وحتى بعد كل
الأحداث التي عصفت بهذه المنطقة ، فالولايات المتحدة لا زالت في كامل إنحيازها
لحليفتها إسرائيل ، ولا زال قادة إسرائيل على رفضهم لمقايضة الأرض بالسلام ، كما
لا زال محور الركام والصدأ وبعد كل ما أصابه يمسك بشعوب هذه المنطقة كدروع بشرية
لحماية مصالحه ، إذن وفي حالة كهذه فإن عدم مغادرة مربع السياسات القديمة فهو يؤكد
بإن الخلل بات لدى النظام العربي الرسمي وليس بهؤلاء ، فإن بقيت السياسات العربية
تراوح مع الولايات المتحدة دون أن تشعر الولايات المتحده بإن مصالحها باتت عرضة
للتهديد نتيجة لإنحيازها لإسرائيل فلن يكون هناك تغيير وما حاجتها أصلا للتغيير ،
وكذا الحال بالنسبة لإسرائيل فإن بقاء سفاراتها في أي بلد عربي بعد رفض أي مقايضة في عملية سلام
، فلماذا تغير من سياساتها أيضا ، وكذا الحال بالنسبة لرأس محور الركام والصدأ فإن
إبقاء العلاقات العربية مع هذا النظام هو درب من العبث الخالص ، فتصور أن يتخذ
العرب مواقف جادة وحاسمة بهذا الشأن فستغنيهم عن سنوات طويلة من المعاناة ومكابدة
كل هذه المخاطر والحرائق التي باتت على ابواب بلدانهم والتي لن ينجو منها أحد .
تعليقات
إرسال تعليق