وحتى لا يقال لم نكن نعرف
في عدة مقالات رأي ومقابلات يقول
الكاتب الصحفي اليهودي الأمريكي توماس فريدمان المعروف بسعة إطلاعه على السياسات
الأمريكيه عن حقبة دونالد ترامب الحالية ، " أعترف بإنني لم أعد قادرا على
توقع أي شيء حول سياسات دونالد ترامب ، فانت أمام شخص يصحو من النوم صباحا ليأخذك
الى قضية جدلية أكثر بكثير مما قد نمت عليه في اليوم السابق ، ويضيف بإن امريكا
التي يعرفها أجدادكم كعرب باتت غير موجودة في الواقع ، واننا امام مستشارين يعملون
معه لا يجيدون سوى التصفيق لكل ما يقوله ولا يجرؤون على ممارسة أية إنتقادات او
تحذيرات مما هو مقدم عليه ، نحن اليوم أمام واقع باتت فيه أمريكا تصوت سويا مع
كوريا الشماليه في الأمم المتحدة ، نحن أمام رئيس ينظر الى فرنسا كمستأجر لأحد
الحواصل في إملاك ترامب الشخصيه وبات السعر الذي تدفعه غير مناسب لما تجنيه مقابل
ذلك ، نحن أمام رئيس يقوم بعملية إبتزاز لرئيس دولة تم الإعتداء عليها والسيطرة على
اراضيها على الهواء مباشرة ، هذه هي أمريكا التي سيتعامل معها العالم من الآن
فصاعدا أو على الأقل للأربع سنوات القادمة على أقل تقدير .
في الرابع من آذار والرابع من
رمضان 2025 إختتمت القمة العربية أعمالها ، وصدر بيانها الختامي بفقراته الثلاثة والعشرون
، والذي أعاد التأكيد على المؤكد منذ
سبعين عام ويزيد ، ولكن المختلف في هذه المرة فالتهديد الوجودي للشعب الفلسطيني لم
يعد هواجس تقرأ ما بين سطور السياسات الإسرائيلية ، ولكنها باتت خطط وتصورات
وأفكار يتبناها أكبر الداعمين لإسرائيل وهي الولايات المتحدة الأمريكيه ، ورئيسها
القادم من خارج النسق المؤسساتي للولايات المتحدة الأمريكيه ، حيث إنعقد المؤتمر
أساسا لمعالجة هذه الجزئية على وجه التحديد ، وليتحمل العرب المسؤولية الجماعية
لرفض هذه الفكرة حتى لا تقع على كاهل دولتين هما مصر والأردن وهم المعنيتان مباشرة
بها ، بعد إن إقترحهما دونالد ترامب كمكان للتهجير ، وحتى لا يصبحان هدفان له على
وجه الخصوص ولم يطل طويلا رفض إسرائيل وأمريكا لهذه المقررات بإعتبار الأحداث قد
تجاوزتهما بكثير فالحديث عن السلام وحل الدولتين باتت الطريق لهم موصدة .
لم يكد الزعماء العرب يصلون دولهم
حتى سربت الصحافة الأمريكيه والإسرائيلية خبر قيام الولايات المتحدة بإجراء
محادثات مباشرة مع حركة حماس ، لتبدأ معها حمى التناول الإعلامي العربي لهذا الخبر
والذي من المفترض أنه غير مفاجئ البته فقد المحت له كل التصريحات الأمريكيه
والإسرائيلية وحماس أيضا ، وما وجه الغرابة في الأمر إذا تناولنا المسألة من زاوية
الواقعية السياسية فالرهائن لدى حماس ، وهو موضوع حياة أو موت بالنسبة لها ، وأننا
أمام رئيس فعل كل ما فعله حتى لآن من الغرائب والعجائب خلال أقل من خمسين يوم من
الحكم ، فهو يبحث عن الصورة والإشارة له وقدراته الخارقه ولا مشكلة إن كانت
تخريبية تدميرية كارثية سمها ما شئت ما دامت تحقق له هذا النزق والغرور كملك تم
تتويجه للتو ولم يبلغ من العمر سن النضوج الذي يستطع معه السيطرة على ابتهاجه
بكرسي التتويج والذي يسابق الزمن للحفاظ عليه خوفا من أن يختطفه أحدا منه .
لم تمضي ساعات على هذا الخبر حتى
ينشر دونالد ترامب على منصته تروث سوشيال منشورا موجها لحماس مبدوءا بكلمة
بالعبرية شالوم حماس ، وتعني مرحبا ووداعا حملت أقصى ما يتنظرها إن هي لم تفرج عن الأسرى
في غزة بل وأيضا مغادرة قيادييها قطاع غزة ، ولم ينسى أن يضمن أقواله مقطع فيديو
يظهر فيه ثمانية من الرهائن المفرج عنهم من قبل حماس في الدفعات الأخيرة لتبادل
الأسرى ، محملا إياه بكل الرسائل الممكنه والغير ممكنة على حد سواء ، وبغض النظر
إن كان يتماشى هذا المقطع مع سياسات الحكومة الإسرائيلية الراهنه أم لا ، وحتى إن
كانت زيارة هؤلاء الرهائن منسقه مع الحكومة الإسرائيلية أم لا ، فالأكيد أنها تخدم
بالتأكيد الصورة التي يسعى لها دونالد ترامب عن ترسيخه لفكرة أنه الشخص الوحيد على
وجه هذا الكوكب الذي بإستطاعته فقط إيجاد حل لأزمة الرهائن الإسرائيليين الموجودين
في غزة .
ساعات ويظهر الناطق الرسمي بإسم
الجناح العسكري لحماس ابو عبيده ليعيد التأكيد على ثوابت لن تحيد عنها الحركة في
مسألة حل أزمة الرهائن وهو المضي قدما في حل هذه المسأله في إطار ما وقعت عليه
الحكومة الإسرائيليه من إتفاقيات وهي البدء في تنفيذ خطوات متزامنه من الإنسحاب
الإسرائيلي من كامل قطاع غزة الى خارجه ، بما في ذلك محور فيلادلفيا وذلك كموقف
رسمي لمن يمسك بالأرض في قطاع غزة ، فهل كان هذا الظهور الإعلامي للناطق الرسمي
بإسم كتائب القسام هو لرفع الحرج عن القيادة التي تفاوض الولايات المتحده من حماس
في الخارج بإنها وإن كان لها موقف مختلف فهي لا تستطيع أن تفرض على من يمسك بالأرض
أمورا لا يرغب بتنفيذها ؟أم هي إشارة الى من يفاوض الأمريكيين في الخارج بحدود
وسقوف يجب عدم تخطيها في أية مفاوضات تجريها الحركة حاليا أو قد تجريها مستقبلا ؟
ما هي الا ساعات وتسلط الحكومة
الإسرائيلية الأضواء على تولي إيال زامير مقاليد رئاسة الأركان في الجيش
الإسرائيلي خلفا لهيرتسي هيليفي ، والذي سيحمل معه وهو مودعا كافة أسلحة جيش
الإحتلال وصمة الفشل في السابع من أكتوبر ، والتي تسعى الحكومة الإسرائيلية الى
تحميله ومعه كل أقرانه من المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية المسؤولية
الوحيده عنها بلا منازع ، مع متطلبات أن يكون حضور القادم الجديد محملا بالرسائل
لمن يهمه الأمر وعلى وجه الخصوص حكام الأمر الواقع في غزة ، بإن القوة ستكون خياره
الأول والأخير في تحقيق كامل أهداف الحرب الذي أعلن عنها بنيامين نتياهو وأنه قادم
لتحقيقها دفعة واحدة بإعتبار العام الحالي 2025 بكامله هو عام حرب ، ولم ينسى أن
يجول على الوحدات ويلتقط الصور مع مسؤولي الوحدات والمقاتلين وتسليط الأضواء على
السلسلة القيادية في هيئة الأركان أيضا والتي لم تكن بالعادة تلقى إي إهتمام
إعلامي بكل الأحوال .
ما هي الا ساعات وتبث كتائب
القسام شريط فيديو لجندي إسرائيلي محتجز لديها حرصت أن يذكر نصا 510 أيام على
إحتجازه كإشارة حياة في القوانين المتعارف عليها بين المتحاربين في الأوضاع
الطبيعية للصراعات ، أما في الحالة الراهنة فهي حمالة لكل التحليلات والرسائل والصور
التي يحتملها هذا الشريط ولا يحتملها أيضا ، فقد وضع الكلام في فمه ليؤكد ما حرصت
عليه كتائب القسام في كل مرة تنشر بها مثل هذه الأشرطة ، الا أن المختلف في هذه
المرة هو التركيز المخصص لدونالد ترامب بإعتباره المخلص لهم من هذا الجحيم الذي لا
يطاق في قطاع غزة ، وكأن المتحدث وهو الجندي المغيب لخمسمائة وثمانية عشر يوما
يعرف كل التفاصيل في مشهدية دونالد ترامب والذي هو بالكاد قد يعرف النهار من الليل
في باطن الأرض ، ولكنه اللحن المفضل لمسامع دونالد ترامب والتي باتت حماس كما
غيرها من القوى تستطيع العزف عليها ببراعة ، وهي شديدة الرغبة في التعامل معه .
ما هي الا دقائق وبالتزامن مع
شريط الفيديو للجندي الإسرائيلي ليطل علينا عبد المالك الحوثي والذي كاد الناس أن
ينسوا حتى شكله ، ليمنح الوسطاء فرصة أربعة أيام لا غير للوصول الى إتفاق يسمح
بموجبه برفع الحصار عن السكان في قطاع غزة وإعادة فتح المعابر البرية وإدخال
الساعدات ، والا فإنه سيعاود أعتراض السفن الإسرائيلية أو تلك الذاهبة للموانئ
الإسرائيليه ، لم يفصل كثيرا في مغزى الأيام الأربعة وإن كانت مرتبطة بمعرفة مسبقة
عن مفاوضات تجري حاليا ولها مهلة محددة ، أم إن كانت وفق معلومات إستباقية عن هجوم
محتمل على قطاع غزة مجددا أم هو رقم من بين الأرقام التي لن تلفت عناية المهتمين
بالأمر كثيرا أو قليلا ، بقدر ما ستكون رسالة شديدة الضغط على المتفاوضين لصالح
حماس ، والواقعه تحت ضغط الحالة الشعبية والإحتياجات التي لا تنتهي للمواطنين ، والذين
ذاقوا ندرا يسيرا من بصيص حياه خلال الخمسون يوما الماضية ، ولم يعودوا قادرين أو
راغبين بالعودة مجددا لكل الفصول التي عانوها خلال الستة عشر شهرا الماضية .
مشاهد متلاحقه وسريعه الإيقاع
واللاعبين فيها كثر لا يمكن حصرهم في حدود المشاركين في الحدث الجاري منذ عام ونصف
تقريبا ، فتداعيات ومخرجات هذه الحرب سيترتب عليها ترتيبات لعشرات السنوات القادمة
، فصاحب المصلحه الأساسية بها فقد جائته محنة السابع من أكتوبر بأعظم منحة لم يكن
يتخيلها في أقصى أحلامه فهو سيسعى لإعادة ترتيب منطقة نفوذه الجيوسياسيه بم يتلائم
مع مشاريع كانت حبيسة الأدراج لسنوات ، لإنعدام الفرص المتاحة لتنفيذها فكيف سيكون
عليه الحال مع فرصة لن تتكرر مرتين في التاريخ مع رئيس جاء على مقاس مفكري الحركة
الصهيونية وهو على أتم الإستعداد لمقايضة السلطه والنفوذ والأضواء التي أتاحها له أثرياء
الحركة الصهيونية بأموالهم ونفوذهم ، في مقابل إعطاء كل ما هو ممكن وغير ممكن لمشروعهم
الحلم .
بدأت تتسرب الى وسائل الإعلام
مفردات من قبيل أن هناك خلافات باتت واضحه بين إدارة دونالد ترامب وبنيامين نتياهو
بخصوص ما تقوم به إدارة ترامب من إتصالات مع حركة حماس وأن بنيامين نتياهو وحكومته
غير موافقين على هذه الإتصالات ، وأن من يأخذ هذا المنحى من التحليل عليه أن يمتلك
معلومات عن طبيعة ما يطرح في إطار هذه الإتصالات فإن كان يعلم بإن هذه الإتصالات
تجري في إطار إنهاء ما يسمى بالمرحة الثانية من الإتفاق والإفراج عن الرهائن وهم
من الجنود وجنود الإحتياط وفق مفاتيح المرحلة الأولى للمجندات مثلا ، وإخراج
قيادات حماس البارزين من غزة ، وسحب السلاح من بقية العناصر الموجوده في غزة ، ويبقى
مصرا على مثل هذا المنحى من التحليل فأقل ما يقال عنه بإنه يحلل بالأماني والأحلام
، فوتكوف ودريمر قد رسموا الخطوط العروض لمثل هذه الإتصالات وهي تجري بالتوافق
التام بينهم وأن سموتريتش الذي تواجد في الولايات المتحدة على علم بذلك ، وتحدث عن
ذلك دونالد ترامب صراحة بإن هذه الإتصالات هي مصممه لمساعدة إسرائيل في إستعادة
الرهائن .
إن الأغرب مما تقدم هو عند تناول
موضوع الخلافات الجارية في حماس ما بين جناح ابو مرزوق الذي يفاوض الأمريكان
مباشرة وجناح خليل الحية الذي يفاوض عبر القناة الرسمية للوسطاء بإعتبار الأول
يفاوض على المقاربات العربية لإيجاد حل أما الآخر فهو يفاوض على مقاربات من يمسك
بساحة القرار في داخل قطاع غزة ، فكلا الجناحان الموصوفان يعرفان بإن ما تمتلكه
حماس من أوراق ضغط هو كذا وعشرون رهينة لا زالو على قيد الحياة ومع الأهمية
البالغة لحياة هؤلاء لكل من إدارة ترامب وحكومة بنيامين نتياهو فهم في نهاية
المطاف سيعتبرون أحدى خسائر هذه الحرب والتي من المفترض أن ترسم نتائج إستراتيجية
لإسرائيل ولعشرات السنوات القادمة ، اذا لم تؤدي الإتصالات بين إدارة ترامب مع
حماس الغايات منها .
خلاصة
القول :ـ
إن أي تقدم في الإتصالات التي يجريها
مبعوث ترامب ادم بوهلر مع قيادة حماس ستكون لها فاتورة ، ومن سيدفعها في نهاية
الأمر هو بنيامين نتياهو وهنا ستكون الأثمان المدفوعة بلغة المنطق مساوية على
الأقل لطبيعة الأهداف المعلن عنها من قبله ، فتخيل أن يحضر لبنيامين نتياهو صيغة
إتفاق بإخلاء سبيل الرهائن وفق أثمان ما تم دفعه في حالة المجندات ، ويتم إخراج المئات
من قيادات حماس الى خارج القطاع ، وتسليم السلاح للجنة عربية كعهدة لتسليمه الى
السلطة التي ستحل مكان حكومة حماس لاحقا وكذلك فحماس قد أعلنت مسبقا على موافقتها
على لجنة الإسناد المجتمعي والتي ستدير قطاع غزة ، وهنا فما الذي سيكون قد خسره
بنيامين نتياهو والحالة هذه فبإمكانه أن يخرج لجمهوره معلنا وقف الحرب وقد حقق
أهدافها ، أما مقاربة حماس فستخرج لتقول أنها حققت إنسحاب العدو من غزة وضمان
إعادة إعماره ومنعت تهجير الفلسطينيين وحافظت على سلاحها والذي سيكون في نهاية
المطاف بأيدي فلسطينيه ولها به حصة معتبرة بعد إعادة تشكيل قوى الأمن ، أما من
سيخرجون فبإمكانهم العودة ثانية بعد إنسحاب العدو من محور فيلاديلفيا ومعبر رفح
وبهذا تكون إدارة ترامب قد حققت حلا سحريا من خارج الصندوق يلقى قبول الطرفين ، أما
إن تزامن حلا معلنا من هذا القبيل مع حلا غير معلن عن جائزة ترضية كبرى لبنيامين
نتياهو في موافقتهم على ابتلاعه لأجزاء
واسعة من الضفة الغربية فبذلك نكون قد إنتقلنا من حلول من خارج الصندوق الى حلول
من خارج العقل والمنطق وبموافقة جميع الفرقاء بما فيهم سموترش وحماس إن كانت لم
تكن تعرف على طريقة ابو مرزوق فهي باتت
الآن بحاجة الى معرفة أكثر حتى لو تم سؤال الطفل x إبن مستشار الحوكمة في إدارة الهذيان .
تعليقات
إرسال تعليق