القائمة الرئيسية

الصفحات

 




صدق أو لا تصدق

 ما بعد إنتصاف الليل بتوقيت شرق المتوسط ، يطل دونالد ترامب بخبر مفاجئ على منصته تروث سوشيال ، ليعلن عن وقف لإطلاق النار بين ايران واسرائيل بجهد أمريكي ووساطة قطرية ، منذ صبيحة الثلاثاء 24 يونيو ، وفق صيغة أقرب الى منطق صدق أو لا تصدق ، بعد إثنا عشر يوما من حرب ضروس ، وبعد أن إنهك طرفي المنازلة ، تبدأ الحكاية بأن ترد ايران أولا على الضربات الأمريكية لمنشآتها النووية بضرب قاعدة العديد الأمريكية في قطر ، بعد إعلام كل من صاحب السيادة على القاعدة وصاحب السيادة على الأرض  ، أحدهما الصديق الأقرب لمن تبقى من صداقات قليلة للإيرانيين من العرب ، وصاحبة الإستثمارات الضخمة في ايران في زمن العقوبات الأقسى ، على قاعدة الصديق وقت الضيق ، يعلن الجيش القطري تصديه للصواريخ القادمة بمنظوماته الدفاعية التي لا يمتلك من أمرها شيئا ، لا خسائر بشرية ولا أضرار تذكر ، تدين قطر الفعل المشين والإعتداء الموصوف مع إحتفاظها بحق الرد ، يعقدوا مؤتمرا صحفيا لموظفي الدرجة الثانية في قطر  ويغيب عنه أركان المطبخ الأساسيين ، يدينون الفعل الذي يفتقد الى المبادئ الأخلاقية وحسن الجوار ، يشرحون البطولات التي سجلت بالتصدي للصواريخ بلا رؤوس متفجرة  ، فيكون الثمن بإن تبتلع قطر الضربة مقابل وقف إطلاق النار ، وأن يتنازل صاحب السيادة الأمريكية على القاعدة التي لا يملك أمير قطر الدخول اليها الا بإذن مسبق ، عن وعد قطعه علانية بإن ايران ستخطأ خطأ كبيرا إن هي ردت على الضربات الأمريكيه ، فلا بأس إن كانت قاعدة العديد على أرض الصديق الصدوق لنا ولخصومنا على حد سواء ، تنعقد الجلسات الحوارية المتصله على فضائية العرب الأولى وجزيرة المحللين بالأماني ، على هول الصواريخ التي تضيء سماء الدوحة ، لا يعرفون من أين يبدأون ولا أين سينتهون ، غير مصدقين أن يأتي الفعل ممن سوقوا لروايته بكل المحرمات السياسية ، يتراكض الخائفين في أسواق الدوحة ، لا يعرفون ما يدور حولهم ، لا يجدون من يقول لهم على رسلك فلا داعي للذعر ، إنها ألعاب نارية على هيئة صواريخ ، ينبري المتقاتلين على الأرض في سباق مع الزمن ، بعد أن منحهم دونالد ترامب ستة ساعات لإيقاع أكبر أذى ممكن ، فكانت ليلة دموية في طهران لم تشهدها منذ بداية الحرب ، ودموية بإمتياز لمدينة بئر السبع ، كما لا ينسى المتحاربون بإن يسجل كل منهم الضربة الأخيرة ، فيختلفوا بهذا الشأن ، ليظهر دونالد ترامب محذرا للطرفين ، ويطلب من بنيامين نتياهو أن يعيد طائراته بحمولتها الى اسرائيل ، يستمع لدونالد ترامب ، ولكن مع رمي الحموله على أهداف لا قيمة لها ،  مسرحية هزلية يستحي أن يكون حضورها طلاب المرحلة الإبتدائية في دول العالم الثالث ، فهكذا ستبتدأ الحروب وهكذا ستنتهي في زمن دونالد ترامب فأولها غدر ونهايتها تكاذب وتضليل وعلى العالم بإن يكون  فطنا  ، حسن الظن ، صافي النوايا لفهم ما بينهما .

لقد صمت هدير الطائرات وصخب الصواريخ المتطايرة من فوق رؤوس سكان غابة الشرق الأوسط ، وسينبري المتقاتلين للبحث عن مكامن إنتصاراتهم ، وتعمية إخفاقاتهم ، فابتداءا بسيد الأمن العائد بقوة الى المشهد ببركات الصلاة والتقرب الى الرب بجوار حائط المبكى عند البدء وعند المنتهى ، فحال لسانه يقول لقد أنهينا للتو التهديد الوجودي الأساس ممثلا بنووي ايران ، فهو بات ما بين التدمير والتعطيل والطمر بالصخور والأتربة ، أما البرنامج الصاروخي فهو بقايا لم يعد تشكل ذلك التهديد كما كان عند البدء بالحرب ، وسيتم درس الإختلالات بعد هذا الفصل من الصراع لمعالجة كيفية التصدي الأنجع له في الفصل القادم من الصراع ، لقد تمكنا من خلق جيش من العملاء في الداخل الإيراني سيصار الى إعادة بناءه بعد الضربات التي تلقاها ، لقد باتت الطريق الى طهران سالكة بسهولة ولا تحتاج الا لزمن الوصول ليس أكثر ، لقد تمكنا من جر قدم الولايات المتحده لوضع بصماتها في القضاء على هذا التهديد ، أما لمن يسأل فماذا عن اليورانيم المخصب ومصيره فالجواب كان مقدما إن مكانها الجديد بات معروفا لدينا وهو تحت أعيننا ، أما لمن يسأل عن أجهزة الطرد المركزي فالجواب إنها قد دمرت أو طمرت أو باتت خرده تصلح فقط لإعادة التدوير ، أما عن توقف الحرب بلا إتفاق ، فالجواب لم يعد لديهم ما يمكن أن نتفق عليه معهم ، وبكل الأحوال فإن عادوا مجددا لبناء وترميم قدراتهم فطائرات سلاح الجو حاضرة ولا سيتلزمها كثير العناء لتكون في سماء ايران للتعامل مع التهديد ، دون الحاجة لأية مسوغات وتجاوز للإتفاقات المكبلة مع نظام لا نعترف بوجوده أصلا ، أما عن قيادات الصف الأول فقد باتوا من الماضي وكذا الحال بالنسبة لعلماء الفيزياء النووية فليتولاهم الرب برحمته ، وحتى من شاركوا بالتنسيق عن قرب ، لما جرى في السابع من أكتوبر فهم أيضا باتوا من الماضي ، وحتى أحد مرافقي حسن نصر الله فقد طالته أيدينا في طهران بعد أن ضاقت به بلاده ذرعا لعدم تذكيرهم بما كان ، أما لمن يتسائل عما إذا كانت إسرائيل باتت في وضع أمني أفضل اليوم قياسا بما كان قبل إثنا عشر يوما ، فالجواب قطعا بنعم ، إما الى متى سيدوم هذا الحال ، فلا يمكن لأحد أن يجيب على ذلك فهو رهن بسلوك النظام في ايران ، فلن يضمن أحد شيئا سوى القوة أولا وثانيا وأخيرا ، فالحرب مع هذا النظام مباشرة أو بواسطة حروب الظل ، ستبقى دائمة وبلا توقف ، حتى يتم سقوطه أسوة بمن سبقوه والذي لم ينبري أي من بقاياهم لتقديم يد العون له وهو في امس الحاجة لذلك .

أما على الجانب الآخر فالمسألة أكثر تعقيدا في إبراز الإنتصارات والتعمية على مكامن الخلل ، سوى مشاهد الدمار البادية في اسرائيل والتي لا يمكن إخفاؤها ، فحال لسانهم وسرديتهم ستركز أساسا على الخداع الذي تعرضوا له وأنه بالرغم من كل ما حدث ، فقد كانوا ندا قويا للعدو وهددوا بقاءه ووجوده ، لولا الدعم الأمريكي المفتوح لخصمهم لما إستطاع الصمود ، وأن عدوهم هو من دفع دونالد ترامب لإستدعاء الوسطاء لوقف الحرب ، أما البرنامج النووي فلا زال صالحا لإعادة العمل خلال فترة وجيزة للغاية سيتفاجأ معها الأعداء ، فلا تنازل عن تخصيب اليورانيوم على اراضيهم بأي حال من الأحوال ، لقد حاولوا بكل السبل الممكنه إسقاط النظام وأن أي دولة لو تعرضت لما تعرضت له إيران لسقطت في الأيام الأولى للحرب ، فدولة يضرب صفها القيادي الأول ويتبعها ببدائلهم العسكرية والنووية هي معجزة فقط حالت دون ذلك وبمساعدة الرب فقط نجت ايران ونظامها الإسلامي ، أما التضحيات الجسام فهي صغيرة أمام القدس والمقدسات الإسلامية وعلى الشعوب العربية والإسلامية أن تعيد النظر بعلاقتها بالعدو ، أما عن السبل الممكنه لضمان عدم تكرار العدو لما قام به مجددا في حال العودة لإعادة بناء البرنامج النووي والصاروخي ، فليس من ضمانات لذلك سوى بناء القوة والإستفادة من مكامن الخلل التي حدثت في الفصل السابق من الصراع ، أما عن جيش العملاء الذي أسهم إسهاما كبيرا في العمليات العسكرية والخسائر الفادحة التي تلقتها الدولة ، فقد تم القضاء على العديد من الخلايا والأفراد وتم ضرب هذه الشبكات في مقتل أما من تبقى منها على الأراضي الإيرانية ، فسيجري العمل بكل السبل الممكنه على ملاحقتهم بمساعدة الشعب الإيراني والذي أسهم بشكل حاسم في تقويض هذه الخلايا ، أما عن أية مفاوضات مجددا مع الأمريكان فستنطلق من نتائج الحرب والتي لن تدفعنا لتقديم أية تنازلات ، فالأمريكان ومعهم الأوروبيين يعلمون مواقفنا جيدا وهي غير قابلة للتغيير بعد كل ما جرى ، أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية فستصبح بحكم القانون الذي سيسن منظمة يمنع عليها دخول الأراضي الإيرانية حتى تغير سلوكها والذي كان سببا مباشرا لتشريع العدوان ، أما عن الخروج من معاهدة منع إنتشار السلاح النووي فسيتم مراجعتها وفق ما تقتضيه تطورات الموقف على الأرض ، أما عن تغيير العقيدة النووية وبناء سلاح نووي كان سيمنع أي إعتداء مستقبلا ، فهي متروكه للمرشد فهو الوحيد القادر على تغيير فتوى الإمام الخميني ، بتحريم صناعة السلاح النووي على الأراضي الإيرانية .

فإذا كان هذا هو حال طرفي الصراع الأساس فماذا سيكون عليه حال دونالد ترامب صاحب القرار الأول ببدأ الحرب وتوقفها ، فحال لسانه وهو القائل لقد تم سحب مشروع القنبلة النووية من بين أيدي إيران ، فقد تم تدمير البرنامج النووي الإيراني تماما ، وأن من يشكك في ذلك فهو ينتمي الى الإعلام الفاسد ، لقد باتت الأجواء مهيئة أكثر من أي وقت للسلام ، ولكن ليس هناك ما يستدعي العجلة بهذا الشأن ، فلم يعد البرنامج النووي الذي كان يجري التفاوض عليه موجودا بنفس الإلحاح عند البدء بالحرب ، وإن أرادت ايران تجديد العمل بهذا المشروع فهي تعرف الإشتراطات لذلك ، فلا تخصيب على الأراضي الإيرانية ، ولا بد من تفكيك البرنامج الصاروخي الهجومي ، كما أن على ايران أن تنهي علاقاتها بالفصائل المزعزة للإستقرار وأن كانت حاليا قد دخلت في حالة موت سريري ، فلا بد من نزع وسائل التنفس الصناعي الموضوعة عليه ، لتموت موتا رحيما بصمت ، أما برنامج العقوبات التي تخضع اليه أيران فسيبقى قائما ، حتى تعود ايران لتكون دولة طبيعية أسوة ببقية الدول في منطقة الشرق الأوسط ، وأن أي خروج عن أي من هذه المحددات ، فالقوة وحدها من سيحسم الأمر ، إن لم يكن بأيدينا فاسرائيل حاضرة بالمشهد وبقوة ، والذي سيكون من أولى أولوياتها هو تغيير النظام ، والذي لا يتطابق بالضرورة مع رؤيتنا ، ولكن في نهاية  الأمر ، فنظام لا يقدم لشعبه سوى الحروب والقتل والدمار ، فالأولى به أن يغادر المشهد

خلاصة القول :ـ

لقد وقف العالم بأسره يرقب المشهد ، لم يتح  أمريكيا وإسرائيليا  لأي من قواه أي فرصة للنجاح ، فالملف النووي الإيراني هم وكلاءه الحصريين ، وإن كان لأحد أن يتحدث بهذا الشأن فعليه أن لا يخرج بالمطلق عن المحددات الأساسية لما نقله الأوروبيين للإيرانيين والتي رفضها الإيرانيين بالمطلق ، لقد وضعت الحرب أوزارها وكل يدعي أنه قد حقق إنتصاره بها ، وتعود الأمور سيرتها الأولى ، وكأن شيئا لم يتغير ، فإيران ستبدأ تلملم شظايا برنامجها النووي والصاروخي فهي لن تبدأ من الصفر على الأقل ، وستكون العين الأمريكية والإسرائيلية عليها بكل تأكيد ، فهم أيضا لن يبدأوا من الصفر أيضا ، تحضيرا للفصل القادم من الصراع ، والذي لن يكون فقط هدفه هو البرنامج النووي والصاروخي فحسب ، بل النظام برمته ، والتي تؤشر كافة الشواهد بإنه لن يكون بعيدا .       

                 

تعليقات