محاولة فرنسية للملمة قمامة ترامب السياسية
في خطوة مفاجئة للكثير من المعنيين بشأن الفلسطيني ،
خاطب الرئيس الفرنسي ماكرون الرئيس الفلسطيني برسالة إعلان نوايا ، يبلغه فيها بإن
فرنسا أخذت قرارها بالإعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر القادم ، لم تكن خطوة
تصحيحية لمسار خاطئ ، ولا صحوة ضمير مفاجئة ، بل هي خطوة إستباقية لخطوة سيقدم
عليه دونالد ترامب بالإتفاق مع بنيامين نتياهو في سلسلة إجتماعاتهما في واشنطن
إبان زيارته الأخيرة ، وتقضي بالإعتراف
بضم أجزاء واسعة من أراضي الضفه الغربية الى إسرائيل (المستوطنات وغور الأردن) ، كان
قد مهد الكنيست الإسرائيلي لها بمشروع قرار ، سيتبعها بالتزامن قرار بالضم من قبل
الحكومة الإسرائيلية والإعتراف به أمريكيا بالتزامن ، وعلى إثر هذا الإعلان
الفرنسي أقامت الحكومة الإسرائيلية والمعارضة على حد سواء الدنيا ولم تقعدها ،
وإعتبرتها مكافئة لحماس على حد زعمها ، وكذا الحال للعديد من أقطاب الإدارة
الأمريكية ، حيث إعتبرها دونالد ترامب بلهجة مخففة بإنها خطوة بلا وزن سياسي ،
ولتزيد من تعقيدات المشهد إسرائيليا وأمريكيا ، فقد جاءت متزامنه مع سحب الوفدين
الأمريكي والإسرائيلي لمفاوضات تبادل الأسرى ، وإتهام حماس بعدم الجدية في الوصول
لإتفاق لوقف إطلاق النار لستون يوما ، ليتبعها الفرنسيين وبمشاركة السعوديين
وبرعاية الأمم المتحدة بعقد إجتماع يوم أمس الإثنين 28 يوليو في نيويورك لتشكيل
تحالف دولي داعم لحل الدولتين ، والمؤجل على إثر الحرب الإيرانية الإسرائيلية
وبالمشاركة المباشرة الأمريكية والتي إستمرت لإثنا عشر يوما ، وإنتهت بالطريقة
المسرحية التي إنتهت عليها ، لتعاود لغة اللاءات سيرتها الأولى وكأن حربا لم تكن
قبل أيام ، تتكدس الملفات المفتوحة بلا نهايات حاسمة على طاولة صانع القرار
الأمريكي ، فوسط مشهد سوري يزداد تعقيدا يوما إثر يوم ، وملف لبناني مفتوح على كل
الإحتمالات ، ويمني يتصاعد مهددا سلامة الملاحة الدولية على نحو غير مسبوق ، وحتى
عراقي كان يعتقد بإنه قد إستقر وإذا به يفتح على صراع مجددا على شرعيات السلاح من
جديد ، كما الضفة الغربية والصراع الموجه والمفتوح مع التهويد والإستيطان ، وحرب غزة التي تراوح في مكانها ودعوة دونالد
ترامب لبنيامين نتنياهو للبحث عن مسار آخر لرسم نهاية لها ، كمن يدعوه لإعادة
إكتشاف البنسلين من جديد ، فتتكدس نفايات سياسات دونالد على إمتداد الشرق الأوسط
وهو لم يكد يكمل نصف عام من حكمه ، بعد أن أوصله بنيامين نتياهو لمربع خياراته
السياسية والشخصية على حد سواء ، المستعصية على إيجاد أية مقاربات سياسيه في المدى
المنظور ، وفي حالة من هذا القبيل كان لا بد من وجود أحد ما ليقرع الجرس مجددا أو
يطلق صرخه في واد سحيق ، من هنا تبدأ الحكاية وهنا تنتهي فهل من مجيب .
يقول وزير الخارجية السعودي ، لقد إستخدم بنيامين نتياهو
حماس ، مرة لضرب المشروع العربي للسلام في مطلع الألفية الثانية ، ويستخدمها الآن
كفزاعة لضرورات إستمرار الحرب ، بل أنه أي بنيامين نتياهو مستعد لإبقاءها في غزة
في حالة مهلهلة لا تقوى على شيء ، على أن لا تعود السلطة بدعم عربي لإعادة أعماره
والمحافظة على الكينونة الفلسطينية ، وهو وصف دقيق خارج المألوف في سياسات الخليج
، فأن تسمي الأشياء بأسمائها بات من الضرورات الملحة في السياسات العربية ،
فالحالة الراهنة التي يمر بها قطاع غزة والتي تتعمق أزمته يوميا ، وصولا للحالة
الميؤس منها تماما والتي يريدها بنيامين نتياهو بموافقة دونالد ترامب ، فإن لم يكن
المسار السابق وفق الجداول الزمنية التي أعدت سلفا ، هدن ووقفات عقب تصعيد وسحب
ورقة الرهائن من يد حماس ، فبمسار جديد بدأت ملامحه قيد التشكل ، وهو مزيد من
التصعيد ومزيد من توسع الة الإحتلال لمناطق تم تركها سابقا ، والتلويح بخيارات
إقتطاع أراضي بشكل دائم ، ويبدو أن قرار حماس ماض نحو خوض غمار الخيار الثاني ،
وقد عبر خليل الحية عن ذلك بوضوح ، وسبقه اليه الناطق بإسم كتائب حماس قبل عشرة
أيام ، حيث إختارا التحريض على العرب والإتهامات بالخذلان ، كبديل لمعالجة المأزق
الذي أوصلوا أنفسهم ومعهم الشعب الفلسطيني اليه ، وهو المربع المنسجم تماما مع
خيارات بنيامين نتياهو السياسية والشخصية .
زيارات مكوكيه متتالية لواشنطن من قبل رون ديرمر وزير
الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي ، الصندوق الأسود لبنيامين نتياهو ، يلتقي بها
أركان إدارة ترامب ، بعد فشل تنفيذ صفقة التبادل والتهدئة لستون يوما ، وهي تعيد
إعادة تشكيل المشهد كما طلب ترامب من نتياهو فعله ، بما يحقق هدفي الحرب القضاء
على حماس وتخليص الرهائن ، وكما يبدو بإن الخطة التي يحملها رون ديرمر تقضي بدخول
قوات الإحتلال الى مناطق وسط القطاع والذي يتواجد بها غالبية الأسرى الإسرائيليين ،
وهنا فقد باتت الورقة الرابحه في يد حماس قابلة بالنزع بالقوة العسكرية كبديل
للهدنه حتى لو تم إستعادتهم جثثا هامدة ، وتوجيه ضربات مركزة لكتائب حماس
المتواجده في تلك المناطق ، مستمدا الشرعية من الغطاء الأمريكي والشعبي في إسرائيل
بعد أن تم إبراز حماس كطرف معطل ، وتحميلهم كامل المسؤولية عن ذلك .
كما أسلفنا فإن الخطاب السياسي لحماس قد جهز الرأي العام
الداخلي للتعامل مع هذا الخيار ، فكل الطرق باتت أمامهم موصدة ، فخيار الهدن
مقروءة لديهم تماما ، فبمجرد استرداد الرهائن ستعود الحرب سيرتها الأولى لإستكمال
أهدافها ومن ابرزها القضاء حربا أو بالمفاوضات على ما تبقى لهم من قوة ، والخيار
الفرنسي السعودي لا مكان لهم به على الطاولة مع الإحتفاظ بأية مظاهر للقوة ، وفي
أحسن الأحوال كحزب سياسي أسوة بأي لاعب يقبل بشروط اللعبة السياسية ، وفي حالة من
هذا القبيل فلا بد من الإرتماء بالحضن الإيراني والإنقياد لكل متطلباته وبلا أية هوامش
مناورة ، مع كل الفواتير المحتملة لمثل هكذا قرار وأولاها وبشكل شبه مؤكد هو
وجودهم العلني في أية دولة ترتبط بأي نوع من المصالح مع واشنطن .
يسابق الوسطاء الوقت لثني حماس من الدخول الى هذا
المعترك ، وهم أكثر من يعرف بإن الحاضنة الشعبية الفلسطينية قد إستنفذت تماما ،
ولم تعد تقوى على تحمل دفع فاتورة قرار من هذا القبيل ، فالجوع والمرض واليأس
والموت ، حاضرة في كل زاوية وركن من تخوم غزة ، وأن ما تفعله حماس هو تأخير
للمخرجات النهائية للحرب ، وتدفيع الإحتلال كلف إضافية من الخسائر بالأرواح من
الجنود والرهائن عدا عن الخسائر المادية ، لا تؤثر بمجمل الأحوال على نتائجها ،
فبحسابات قيادات صقور حماس فإن سحب وسائل القوة من يديها فهو يساوي الموت بعينه ،
وهو النهاية الحتمية لوجودها حتى في مسرح السياسة ، والذي إستمدت قوتها أساسا من
المقاومة ، ولا يعتقد بإن أصوات الحمائم والتي تستطيع التعايش مع مقاربات سياسية
للخروج من المأزق الراهن قد يقدر لها أن تكون مسموعه ، سوى من بعض التسريبات من
هنا وهناك والتي قد ترسل بعض الإشارات لمن يهمه الأمر أو من بقي يراهن بإن هناك
بصيص أمل في إستيعاب حركة من هذا القبيل في عالم السياسة الدولية ، فالبنسبة
للإسرائيليين وبخاصة بعد السابع من أكتوبر فلا يمكن قبولها سوى قوة هامشية ، تبرر
لهم حرية الحركة وليس بقية العالم بأحسن حال في تصوراته لهم ، فمن تسبب بكل هذه
الكوارث فلا يمكن أن يتعايش العالم معهم بمطلق الأحوال .
خلاصة القول :ـ
عندما تتحرك دولتان بوزن فرنسا والمملكة العربية
السعودية لقيادة حراك دولي وبدعم من غالبية العالم ، فهو من المؤكد ليس فعلا عابرا
، ولكن ما قاله دونالد ترامب عن فقدان الوزن السياسي فهو يقرر أيضا واقعا قائم ،
فمن بيده حق الإعتراض ، فهي اسرائيل الرسمية والمعارضة أيضا وبدعم مطلق من
الولايات المتحدة الأمريكية ، بخاصة في عهد دونالد ترامب ، من جهة أخرى فإن القطب
الآخر للصراع (المحور الإيراني) وإن رحب ظاهريا بهكذا تحركات ، فلن يكون ميسرا
لإعماله أو نازعا للذرائع من بين يدي اسرائيل والولايات المتحدة لمهاجمته والتشكيك
به ، وذلك لسبب بسيط ، بإن مكونات هذه المحور وسلاحه الذي تكدس في الشرق الأوسط سيكون
حاضرا على طاولة تقرير شأن أي مستقبل سياسي لمنطقة الشرق الأوسط ، فتفكيك هذه
الأذرع وسحب سلاحها هي أهم وأبرز أوراق قوة هذا الحراك ، ومن هنا ستتعقد المشكلة
وسيكون مطوبا التعامل مع تناقضين اساسيين له ، كما عشرات التناقضات الثانوية
الناشئه عنهما في ذات الوقت ، فهل سيبصر تحرك من هذا القبيل النور وسط تلال القمامة
التي إنشئها دونالد ترامب بالشراكة مع بنيامين نتياهو ؟؟؟
تعليقات
إرسال تعليق