دولة وظيفية في سرداب
الأناكوندا
ما أن وصل دوي الصواريخ الإسرائيلية الذي ضربت مقر حماس
في الدوحة مسامع حكامها ، فعلى هذه الدولة أن تعرف إبتداءا ، بإن أولى الرسائل
التي حملتها هذه الصواريخ ، فأن الدور الوظيفي السابق لهذه الدولة بات شيئا من
الماضي ، فالدور الذي إنيط بها أمريكيا وإسرائيليا وبلسان قيادتها القديمة
والجديدة المتعلق بتوفير مقرات لحركة حماس لإحتواء الحالة الناشئة في قطاع غزة بعد
الإنقلاب عام 2007 على أراضيها كهدف معلن ، وهدف غير معلن كبديل لمنظمة التحرير
الفلسطينية ، مع إندلاع أحداث الربيع العربي في عهدة حكم أوباما ووزير خارجيته
هيلاري كلينتون ، بتمكين الأخوان المسلمين من حكم الوطن العربي ، ومن ضمنهم حماس
في الحالة الفلسطينية ، قد فشلت بالقيام به على النحو الأمثل ، فمشهد الإحتفاء
بأحداث السابع من أكتوبر من قبل قيادات حماس على أرض الدوحة كان بمثابة بدء العد التنازلي لماراثون فاشل أمريكي إسرائيلي لم
يحقق أي من الأهداف المعلنة والغير معلنة له ، وقد آن الأوان لتغييره ، وكان على
قيادة هذه الدولة أن تعلم أن اللعب على حبلين في آن واحد بات مهمة صعبة للغاية ان
لم تكن مستحيلة ، وأن التخفي خلف مفاوضات إنهاء ملف الرهائن هو محدود الآجال كان
سينتهي عاجلا أم آجلا ، لم يخفيه الأمريكان والإسرائيليين على حد سواء ، لن تستطيع
معه الرشوة السياسية بترليونات الدولارات ولا طائرة الأحلام الرئاسية أن تفعل شيئا
في حالة دونالد ترامب ، فهو يفهمها على نحو حق مكتسب للولايات المتحدة للدخول تحت
مظلة الحماية الأمريكية ولم يخجل بالتعبير عن ذللك عشرات المرات ، أما إن كان فهم
القطريين قاصرا عن ذلك فهي مسألة بات عليهم أن يعيدوا النظر فيها بشكل قاطع ، فدولة
وظيفية لا تمتلك سوى المال لتقدمه بلا لوبيات ضغط داخل أروقة السياسات والقرار
الأمريكي هي كمن يلقيها في جوف أناكوندا جائعة ، فمقارعة إسرائيل في ملعبها وحاضنتها هو عمل
محكوم عليه بالفشل الذريع ، فإسرائيل هي دولة وظيفة تنفق عليها الولايات المتحده
بإعتبارها جزء من نسيج النظام السياسي والإقتصادي الأمريكي ، فلوبيات الضغط المالي
والإعلامي والسياسي المملوكة ليهود أمريكا تكاد تحكم الخناق على الحياة العامة
الأمريكيه ولا تكاد تجد الا القليل ممن يتمكن من التجديف عكس التيار ، فبوابة
العبور الى مراكز القرار يمر عبر الحظوة بتمويل حملات إنتخابية عالية التكلفة يعجز
عنها كل من يمتلك موقف مبدأي مغاير ، الا في طفرات نادرة الحدوث .
قد يضلل القطريين أنفسهم ومعهم بعض الجمهور بإن دونالد
ترامب لم يكن على علم مسبق بالضربة ، والذي لا يمكن أن يتبنى عملية من هذا النوع
رغم سمو هدفها وفق ما عبرت عنه الناطقة الرسمية للبيت الأبيض ، وقد يقنعوا أنفسهم
بإن بيان صحفي لا رئاسي ، لن يكون مجرد وثيقة في أرشيف مجلس الأمن لم يسمي إسرائيل
بالإسم صادر عن المجلس كافي لرد الإعتبار والإحترام لدورها الوظيفي ، بعد كل هذه
السنوات وكل هذه الإستثمارات في خدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية ، وقد يكفيهم
كيل كل هذا المديح ، الا أن الحقيقة المؤكده الوحيده بأن هذا الدور قد إنتهى ونقطة
على السطر في هذه الحقبة التاريخية .
بعد مهرجان الخطابات في أروقة مجلس الأمن يلتقي رئيس
الوزراء ووزير الخارجية القطري كل من نائب الرئيس الأمريكي ، ووزير الخارجية
تمهيدا لما سيسمعه من دونالد ترامب شخصيا ، والذي سيؤكد بإن بقاء أي وجود لحماس
على أراضيها مرهون بإنتهاء أزمة الرهائن فموافقة حماس غير المشروطة على مبادرة
ترامب الأخيرة هي الفرصة الوحيدة للسماح ببقائهم لفتره محدودة سيضمن دونالد ترامب
عدم قيام إسرائيل بإستهدافهم على الأراضي القطرية أما دون ذلك فلا ضمانات بإن تعيد
إسرائيل الكرة مجددا ، فالهدف من العملية أساسا هو إستهداف قيادات حماس على الأراضي
القطريه بالتحديد ، ولم يكشف سرا دونالد ترامب حين قال ربما تكون هذه العملية فرصة
للسلام وإنهاء الحرب ، فقد سبق قبل ثلاثة شهور وقبل هجوم إيران على قاعدة العديد
كفرصة لإنتهاء الحرب على ايران .
ما أن إنتهى مارك روبيو من لقاءه مع رئيس الوزرء القطري
حتى توجه على عجل الى إسرائيل ، ولن تخلو بنود زيارته المزدحمة التي سربت الكثير
من جدولها للصحافة والإعلام الا ما يتصدرها وهو نتائج لقاء رئيس وزراء قطر ، وما
تم إسماعه له في لقاءهم التمهيدي معه ، قبل أن يسمعه من دونالد ترامب شخصيا ، وهو
ضمان شخصي من دونالد ترامب بعدم تعرض أي من قيادات حماس على أراضيه لأي إعتداء
مجددا مقابل ممارسة ضغوطات قطرية على قيادة حماس التي إستدعيت على عجل الى الدوحه
كبديل للقيادات التي تم تحييدها في الهجوم الأخير ، للموافقة على مبادرة دونالد
ترامب بلا شروط ، وسبل فرملة عمليات جدعون إثنان لحين تحقق هذه الغاية .
لم يكن من باب المصادفة هو إستبدال ستيف ويتكوف بمارك
روبيو ، فالأخير لا يخفي مواقفه المتطابقة نصا وروحا مع مواقف بنيامين نتياهو ، بل
يغالي عليها في أحيان كثيرة في إنتظار تحقيق طموحات سياسية شخصية مستقبلية ، فهو
يحمل الحقيبتين الأكثر حساسية في الولايات المتحدة ، والأقدر على رسم السياسات مع
بنيامين نتياهو في أعقاب الهجوم على مقر حماس ، وليس مجرد ناقل للرسائل في حالة
ستيف ويتكوف ، فسينقل لهم أولا ما سمعه من رئيس الوزراء القطري عن نتائج الهجوم
على مقر حماس ليصار الى تنفيذ ما تبقى من تفاصيل ، وإعطاء الفرصة الكافية لنجاح
هذا المسعى وعدم التشويش عليه ، عدا عن بقية البنود التي يزدحم بها برنامج الزيارة
والتي تليها في الأهمية هي سبل مواجهة الحراك الديبلوماسي للإعترافات المتتالية
بالدولة الفلسطينية ، وتنسيق الخطوات الإسرائيلية الأمريكية إتجاه الضفه الغربية
وقضية الضم لأجزاء واسعة منها ، ويبقى عنوانها الأبرز هو الدعم المطلق للحليف
الأكثر موثوقية ، رغما عن أي خلافات في وجهات النظر .
لقد بالغت الدوحة في تقدير ذاتها والحظوة التي تلقتها من
رعاية أمريكية ، لدرجة أنستها أنها في حسابات المصالح الأمريكية ، فاصلة في كتاب
ملئ بالتجارب المريرة مع كل من سبقها في تقمص هذا الدور ، لدرجة إصطدامها وإنحيازها
للمصالح الأمريكية والإسرائيلية مع المصالح العليا للأمة العربية والإسلامية ، وفي
أكثر الأمثلة سطوعا هي تجربتها مع ما أطلق عليه الربيع العربي ، فقد إستثمرت من
الأموال والجهود ما يفوق قدرتها حتى عليها كدوله تعوم على على بحر من النفط والغاز
، ورغم الخيبات الكثيرة لها بهذا الإتجاه الا أنها في كل مرة كانت قادرة على
الخروج من مأزقها بمزيد من ضخ الأموال ، الا أنها وصلت الى الحالة الأكثر إستعصاءا
وهي الحالة الإسرائيلية ، وهنا سيكمن الإختبار ، كمن يمشي في حقل ألغام وبخيارات
تكاد تكون صفرية ، فهي إن ذهبت الى ممارسة الضغوطات القصوى على حماس ، فستخسر إرثا
بنته لسنوات طوال في وقوفها الى جانبها وحمايتها وتوفير كل ما يلزم لها كحركة
مقاومة ، وإن هي فشلت في هذا الدور والذي بات على المحك فستعود الى أصلها كدولة
خليجية عادية وستنتزع منها أي صفة إعتبارية إكتسبتها على مدى سنوات ، تحت سطوة
أكبر القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط ، فقد وصلت بقدميها الى الحالة الموصوفة .
من الصعوبة بمكان لمن إعتاد على كل هذه الحظوة أن يعود
أدراجه الى الخلف خليجيا ليصطف خلف المملكة العربية السعودية والأمارات العربية
المتحده بعد أن قارعها ووضع رأسه برأسها أن يعود أدراجه للخلف ، فعقلية البداوة
السائدة نحو الصيت والمجد ، سيدفعها حتما لأن تصطف خلف دونالد ترامب بمتطلباته
التي ستكسر ظهرها حتى تجد مخرجا من كل ما وجدت نفسها به ، أما في الحالة العربية
فحدث ولا حرج فعليها الإصطفاف في طابور طويل خلف المصريين والأردنيين واللبنانيين
والسوريين الذين هم على تماس بحدود مشتركة مع الإسرائيليين ، أما طابور المتربصين
بها وبدروها ممن سلطت عليهم بوق دعايتها الجزيرة لسنوات فهم ينتظرون تغير الأحوال
والأدوار ، رغم ما نشاهده من مهرجان للخطابات والتأييد العارم .
خلاصة القول :ـ
قبل أن تتهم إسرائيل بالغدر الذي هو سياسة ملازمة
لحكامها ، فأن من باب أولى بالدوحة مراجعة ما قامت به من غدر طيلة هذه السنوات ،
فلم تترك بلدا عربيا الا وتواطئت مع السياسات الأمريكية والإسرائيلية عليه ، وحتى
لا نبتعد للبحث في كثير من الدلائل من مصر الى تونس الى اليمن والسودان الى
السعودية الى ليبيا الى الجزائر الى سوريا وحدث ولا حرج ، فيكفي أن تكون الحالة
الفلسطينية نموذجا ساطعا لهذا الغدر ، فما يحدث اليوم في غزة وكل هذا الموت
والدمار ، فإن للدوحة نصيبا معتبرا منه ،
فمن هو الذي نسق مع بنيامين نتياهو بتقديم الدعم لحماس للمحافظة على قسمة وطنهم
لشطرين ، ألم تسمع الدوحة بتصريحات علنية لبنيامين نتياهو بإن الدعم المقدم لحماس هو
لمنع إقامة دولة فلسطينية ، وهو ما عزز رواية بنيامين نتياهو طيلة هذه السنوات
بعدم وجود شريك فلسطيني ، فهم غير قادرين على توحيد أنفسهم ، والذي عمل ليلا نهارا
على المحافظة على عدم حدوثه ، وقد تواطئ القطريين مع كل ذلك ، على أمل تمكين حماس
من الجلوس في مقعد منظمة التحرير الفلسطينية ، للتفاوض مع الأمريكيين
والإسرائيليين بإسم الشعب الفلسطيني ، وكما يقال فقبل أن تشير الى قذارة الآخرين
عليك أن تنظف إصبعك جيدا .
لا صداقات دائمة ، لا عداوات دائمة ، هناك مصالح دائمة
فقط ، فهي سنة الحكم في الولايات المتحدة منذ نشأتها ، فماذا يكون عليه الحال في
عهدة حكم دونالد ترامب الذي لا يعترف الا بالمصالح ، ودونها فليذهب العالم وعلى
رأسهم حلفاء الولايات المتحدة الى الجحيم ، فأين موقع الدوحة سيكون في معادلة
دونالد ترامب الجديدة ، في مقابل الناتو والإتحاد الأوروبي وجيرانه الكنديين
والمكسيكيين .....الخ ؟؟
تعليقات
إرسال تعليق