القائمة الرئيسية

الصفحات

 



مبادرة في زمن العنكبوت

من أجمل ما يمكن أن تسمعه للدكتور مصطفى محمود واصفا فيها حياة العنكبوت ، فيقول " إنها  إنموذجا للغدر والوقيعة والتآمر ، بكل ما فيها من السلوكيات المنحطة من العصابية الى العدوان والسرقة ، وهو أحط مخلوقات الله على وجه الأرض " ، وما أشبه هذا التوصيف وإسقاطاته السياسية بزمننا الراهن في ظل كل هذه التشابكات الخطيرة بين السياسة والإقتصاد والحرب والدعاية بشبكتها العنكبوتية ، فمن سيعيش في عصر العنكبوت عليه أن يعرف مسبقا ، القوانين الناظمة لها وبكل ما تتصف به  ، ولا يمكن أن تجد صيغة قد تلائم ما نعيشه من يوميات حرائق الشرق الأوسط ، أكثر منها بلاغة ودلالة على أننا مجازيا قد بتنا في وسطه ، بل في ذروة كبرى تجلياته وكل مفاعيله في واقعنا ، أنه زمن ثلاثي أصوليات الأسطورة وما قبل التاريخ ، إنه زمن تشابك الديني بالسياسي بالإقتصادي ، في تشابك لم يعد الجمهور يقوى على فك تشابكاتها وطلاسمها .

من منا لم يشاهد توبيخ فلادمير زيلينسكي على الهواء مباشرة ، وفرش السجاد الأحمر لفلادمير بوتين في الاسكا ، لتتحول بعد أسابيع معدودة  ، الى مفاوضات لتزويد زيلينسكي بصواريخ توماهوك ، وباتت روسيا نمر من ورق يمكن لأوكرانيا من دحرها وإستعادة أراضيها ، وهي التي كانت قبل أسابيع تخسر الحرب ، من منا لم يشاهد بنيامين نتياهو على منبر الأمم المتحدة ، يقرر أن لا مجاعة في غزة ولا إبادة وهي المنقولة على الهواء مباشرة ، وأن إقامة دولة فلسطينية على أرض إسرائيل كمن يقيم دولة للقاعدة بجانب نيويورك ، من لم يشاهد زيارة علي لارجاني للبنان ، في أعقاب كل ما جرى لتحشيد ما تبقى من شظايا سلاح ، ومواجهة قد إنتهت منذ شهور ، بصورة تضاء بها صخرة الروشة في بيروت ، فغزة التي أدخلها محوره بيت العنكبوت فجعلها وأهلها أرضا للخراب والموت يتسع ساعة بساعة .

أما في داخل بيت العنكبوت فحدث ولا حرج ، فكل يأكل بعضه بعضا ، إن لم يجد ما يبتلعه ، ففي موسم التزاوج بين العناكب ، يكثر المتسابقون لتقديم المنح للإلهاء ليتسنى هم لقضاء شهوات غريزية مكبوته ، فذلك قدم غزة ولبنان عربونا لشهوة ولكنه لم ينجو ، وذالك قدم قطر كساحة مفضلة لممارسة ردود غريزية إنتقاميه ، وهكذا دواليك وقس عليه الكثير مما يجري في حلبة صراع الأمم في مملكة العنكبوت ، أنها تبتلع فراخا أنتجتها للتو لن يكون آخرهم المؤثر الشاب يميني الهوى تشارلي كيرك ، والذي عبأ لملك العناكب صناديق الإقتراع بصوت الشباب الأمريكي .

إنه أكثر من ملئ الدنيا وشغل الناس بأحاجي وأكاذيب وغدر بإمتياز هو الملك المتوج لعصر العنكبوت والشبكة العنكبوتية ، إنه دونالد ترامب ، والذي  إبتدأ حكايته من الداخل الأمريكي قبل خارجه ، فشبكته العنكبوتية قد إبتلعت الباب الناس ، من يصدق أن شخصا موصوما بخلاصة فساد أهل الأرض سيكون المخلص الجديد لكل إفرازات نظام التوحش للرأسمالية العالمية وإنحطاطها ، فسوق كل المكاره على أنها قيم فضلى ، حتى بات العالم يلهث خلفه على طريقة صدق أو لا تصدق ، بين صانع للسلام والحرب ، حقن دم الجنود على الجبهات وصواريخ التوماهوك ، من وزارة للدفاع الى وزارة للحرب ، توحيد المفاهيم العسكرية بما يتسق مع عصر العنكبوت ، عظيما دائما قولا وفاشلا أبدا فعلا، يقول الشيء ولا يبالي بقول نقيضه بعد ساعات ، ولكن الأغرب مما يفعله ، أن تجد من لا زال يصدق كلمة واحدة مما يقوله ، ولكن هذه السمة التي يجب أن يعتادها كل من قرر أن يكون جزءا من مملكة العنكبوت ، ففيها كل شيء مباح ، فلا مكان فيها سوى للأقوياء المفترسين دائما .

مبادرة من أحدى وعشرون نقطة أطلقها ملك العناكب في لقاءه مع سبعة دول عربية وأسلامية والى يمنيه وصيفه الثاني لعصر العنكبوت في الشرق الأوسط طيب رجب أردوغان ، وغاب عن يساره وصيفه الأول بنيامين نتياهو ، والذي لا يتسع المقام والمقال له ، فهو من طينة أخرى تسمو على المصالح والمجاملات ، فهو من أهل مملكة العناكب الغير مجنسيين حديثا ، فيشرح خطوطها العريضه والعظيمة ويتكوف ، وهي خلاصة كل مبادراته الفاشلة حتى الآن والتي لم توقف حربا ولم تمنع قتلا ودمارا ، بل وفرت لبنيامين نتياهو كل الوقت الذي يحتاجه لإنهاء مهمة عصية على الإنتهاء ، أعجب العرب والمسلمين بما سمعوه من شرح وأثنوا عليه ولم يتسلموا شيئا وهم يهمون للمغادرة ، فالخطوط العامة بحاجة الى شروحات وتفصيلات ومقدمات وتوقيتات وإحكام الثغرات ، لم ينتهي منها بعد كوشنير وتوني بلير ودريمر ، وفوق كل ذلك الى مناقشات لم تستكمل بعد مع الوصيف الأول ، حول الأهمية وصناعة دروب التفافية وصولا للاءاته وإستعصاءاته الخمس .

أيام قلائل ويطل الى جانب وصيفه الأول بنيامين نتياهو ، بعد جلبة لجهود مضنية بذلها مساعدوه لإقناع وصيفه الأول بها وهو أكثر العارفين بكل تفاصيلها وسبل الإلتفاف عليها ، فباتت عشرون بعد إن إبتلع منها ما يتصل بالضفة الغربية وتعهد كان قد قطعه على نفسه بعدم ضمها ، يتلو ويتلو وعندما يصل الى كلمة السر في كل الصراع الجاري وحل الدولتين ، فينبري بتمهيد قطعي بإخراج القدس من الصراع كونه قرر في دورة حكمه الأولى بإن تكون عاصمة لوصيفه الأول ، وهو يتفهم بشدة رفض بنيامين نتياهو لإقامة دولة فلسطينية الى جواره ، كما يتفهم ما أقدمت عليه بعض الدول بإعترافها بالدولة الفلسطينية ، ولكن متطلبات الصياغة قد أملت ضرورة الإشارة اليها بدروب تكاد تكون أقرب الى مستحيلة ، فلم يكون رأي بعد وحتى إن أجرى حكامهم وحكام أمر واقعهم كل المتطلبات لذلك .

يرد عليه وصيفه الأول بإن قبوله للخطة جاء بناءا على إتساقها مع الأهداف الخمس التي حددها للحرب ، وقد تغافل أن يقول بإنها صيغت على هذا النحو لتتماثل مع شروطه الخمس ، أما بالنسبة لحكام الفلسطينيين فطريقهم طويل للقبول بمجرد وجودهم كشركاء في كل ما يجري وأن الطريق الإلتفافي الذي أعده لهم فيكاد يكون مستحيلا ، وهو من أبدع على مدار ثلاثون عاما في صناعته أيما إبداع ، أما وهو الأهم فحكام أمر واقع غزة ، بين الخيار موتا أو إنتحارا فهم سيقررون هذا الأمر وليس أحدا غيرهم ، فوفق توقيتات مملكة العنكبوت للعمليات الجارية في غزة فلم تكتمل بعد  ، فلا زال هناك ثمة أبراج قائمة في تل الهوى ، وبشر مكدسين في مخيم الشاطئ ، وخيام متناثرة في الرمال ومحيط الشفاء ، وريبوتات متفجرة قيد الإعداد بعد أن إستنزفت عن آخرها ، فكل ذلك بحاجة على الأقل الى يوم عن كل بند من بنودها العشرون من يوم تم إطلاقها ، فعمل ماكينة الموت جارية على الأرض على قدم وساق وعلى مدار الساعة ، أما بقية الفعاليات من تطهير وتفجير وتسوية للمكان عن آخره بالأرض ، يمكن إستكماله بعد أخذ ورد ومفاوضات ماراثونية بين عواصم العالم قد تحتاج الى ثلاثة أيام عن كل بند من بنودها وبهذا نكون قد وصلنا الى عدم وجود أي شيء يمكن التفاوض عليه مع مطلع العام الجديد ، فهكذا تدار الأمور في مملكة العنكبوت ، ومن لا يقبل بشروطها فعليه أن ينتظر مبادرة أخرى وثالثة ورابعة .....الخ .

إذا كان عنوان المبادرة ومجلس السلام الأعلى داربا للدف ، والراقصين يجيدون الرقص على إيقاعه مهما كان نشازا ، فالعيب لم يعد بهم بل للمستمعين والمتلقين لنغماته النشاز ، فمن يصدق دونالد ترامب بكلمة واحدة ، ومن يتوقع من طاقمه أن يخالفه الرأي أو يغرد خارج السرب فهو واهم بكل ما للكلمة من معنى ، فكوشنير غني عن التعريف فهو بطل صفقة القرن بكل ما فيها وقبل أن يحدث السابع من أكتوبر، وتوني بلير هو عراب أمريكا وسياساتها في الشرق الأوسط وهو بطل تمرير أكاذيب نووي وكيماوي وبيولوجي العراق ، أما ويتكوف فحدث ولا حرج فهو الذي إنقلب على نفسه وخطته عندما إحتاج بنيامين نتياهو الى مزيد من الوقت

خلاصة القول :ـ

لم يعد هناك متسع لتلاوم الفلسطينيين ، فنحن الآن أمام واقع لا إنفكاك منه ، وبموافقة عربية إسلامية وقوى نافذة في العالم ، فلا سبيل أمام من أوصل الحمار ليؤذن بالناس سوى أن ينزله من هناك ، وما دام أنه غير قادرا على فعل ذلك ، فعليه أن يختفي من حياة الفلسطينيين الى الأبد ، ويحرق أوراقه وبقايا سلاحه وأنفاقه ومعهم أحلامه التي زرعها في جموع البائسيين ، ليتمكن حكامه الفعليين من معالجة ما أمكن من إختلالات ، فلم يعد الوقت في صالح المشردين في الشوارع ومن فقدوا كل شيء ، فلا تحرموهم من أمل قد تبقى بالبقاء على قيد الحياة ، أما المراوحة بالمكان والتذاكي لشراء الوقت ، وردود وردود مقابلة فهذا ما ينتظره العنكبوت ومعه وصيفه الأول فالوقت لم يعد منذ إبتدأت الحرب قبل عامين في صالح الفلسطينيين ، ومن حذركم في البدايات فإنه يعيدها للمرة الألف ، أخرجوا من حياة الفلسطينيين ، لصالح شعب ثمل دما ودمارا  ، فالأحزاب خلقت لحرية ورفاه الشعوب ولم تخلق لفناءهم ، فإن كان من شيء يمكن رؤيته من كأس تقطر سما في مبادرة العنكبوت ، سوى وقف حرب الأساطير وآلة الموت ، فلا تترددوا بفعل ذلك اليوم وليس غدا ، ولكن وبمزيد من الأسف فهو ليس متوقعا بمطلق الأحوال ، فلن يفعلها من تربى على تقديس الأحزاب على حساب حرمة الدم ، فهم من ذات طينة العنكبوت وسرديته ...ولكن وفق سرديته ومنطقه الخاص.              

تعليقات