الضرورات قد تبيح بعض المحظورات
وفق ما نقلته وكالة الأنباء
الفلسطينيه (وفا) ، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتاريخ 27 نوفمبر الجاري ،
مرسوما دستوريا بتسمية رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح كرئيس إنتقالي في
حال شغور موقع رئاسة السلطه الوطنية الفلسطينيه ، على أن تجري إنتخابات رئاسيه
خلال 90 يوما لإنتخاب رئيس جديد للسلطة الوطنية الفلسطينية ، الأمر الذي أثار نقاش
واسع النطاق في الفضاء الإعلامي العام الفلسطيني والعربي والدولي حول أسباب إتخاذ
هذا القرار وتوقيته ومدى قانونيته ، عدا عن الشطحات الفكرية وإختلاق أسباب وإستنتاجات
لا صلة لها بواقع الحال والتي ضجت بها مواقع التواصل الإجتماعي ، والتي هي إحدى
متلازمات الحاله الفلسطينية ومنذ نشأتها ، بفعل المتداخلات الدولية العديده فيها وتنوع
الولاءات الدولية للمتداولين بشأنها فلسطينيا وعربيا ودوليا ...وإنطلاقا من كل ما
تقدم لا بد عند نتناولنا هذا القرار بالتحليل ، أن نعرف حقائق الواقع الراهن الذي
يعيشه الرئيس الفلسطيني والسلطه الوطنية الفلسطينية والقضيه الفلسطينية برمتها ، سنحاول
إيجازها بما هو آت :ـ
·
يبلغ الرئيس الفلسطيني من العمر 89 عاما ويعاني كغيره في
مثل هذا العمر من أمراض الشيخوخه والتي أدخلته الى المستشفى عدة مرات ، وفي حاله
كهذه لا بد وأن يؤخذ بعين الإعتبار أي فراغ لموقع الرئاسه في أي وقت وبطريقه
مفاجئه وبخاصة أنه الأكثر معرفة بظروفه الصحيه وبإمكانية إستمراره بأداء مهامه
بطريقه صحيحه ولائقة من عدمها أيضا .
·
يعلم الرئيس بإن هناك فراغا في المرجعيات الناظمة لعمل
السلطة الوطنية الفلسطينية فلم تجري إنتخابات رئاسيه وتشريعيه منذ قرابة عقدين من
الزمن وقد تم حل المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب عام 2006 في أعقاب الإنقلاب
المسلح الذي قامت به حركة حماس في عام 2007 والذي من المفترض وفي الوضع الطبيعي أن
يتولى رئيسه بصورة مؤقته موقع رئيس السلطه الوطنية الفلسطينية في حال شغوره ، حيث
تولى السيد روحي فتوح (الذي تم تسميته حاليا) في حينة رئاسة السلطه بعد وفاة
رئيسها الأول ياسر عرفات عام 2004 لمدة ثلاثة شهور لحين إنتخاب الرئيس الحالي
محمود عباس ، أما في الوضع الراهن فلا يوجد بين يديه سوى مؤسسات م . ت . ف بمجلسها
الوطني والمركزي والتي هي بالأساس مرجعية عمل السلطه أساسا وأن الرجوع اليها هي
البديل القانوني الوحيد المتاح لمعالجة أي فراغ قد ينشأ بصوره مباغته .
·
ليس بخاف على أي من المراقبين بإن الأوضاع الفلسطينية
الراهنه تتعرض لأخطر ظرف سياسي قد مرت به على الإطلاق فحكومة أقاصي اليمين في
اسرائيل قد وضعت السلطه الوطنية الفلسطينية على جدول أعمالها ، بتقويضها تمهيدا لإنهاءها
وقد تعزز هذا التوجه بعد صدور مذكرات إعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي
بنيامين نتياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت من محمكة الجنايات الدولية والمتهم
الأول بهما هو الرئيس الفلسطيني بحكم تحريكه للدعوى بحكم ولايته القانونيه على
قطاع غزة كرئيس للسلطه الوطنية الفلسطينية ، وأن هناك سوابق اسرائيليه باللجوء
للتصفية الهادئة للقيادات الفلسطينية وعلى رأسهم رئيس السلطه الوطنيه الفلسطينة
وما حادثة وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات والشبهات بتورط اسرائيل فيها عبر تسميمه
بمادة البولونيوم الا نموذجا لذلك والتي قد تتكرر لإحداث الفراغ المطلوب ، ولتلافي
ذلك فقد إتخذت خطوة استباقية بهذا الإتجاه وتحديد خريطة طريق قانونيه لقطع الطريق
على أي فراغ قيادي قد ينشأ .
·
لقد إتخذ القرار كإستجابة للسؤال المثار في أروقة الحياة
السياسيه الفلسطينيه عن البديل للرئيس الفلسطيني في حال شغور موقع الرئاسة
الفلسطينيه والتداول ببورصة للأسماء لها أول وليس لها آخر ، فقد قطع الرئيس الشك
باليقين بهذا القرار بإن الرئيس الفلسطيني القادم لن يكون الا منتخبا دمقراطيا في
غضون تسعون يوما من تولي رئيس المجلس الوطني الرئاسة بشكل مؤقت ولن يكون هناك أي
تعيين أو تسمية مسبقه بهذا الخصوص وأن على القوى والأحزاب السياسيه الفلسطينيه أن
ترشح من تراه مناسبا ليتنافس بطريقه دمقراطية وصولا لموقع الرئاسة في السلطه
الوطنيه الفلسطينيه وأن بورصة الأسماء المتداولة عليها أن تتنافس دمقراطيا داخل
أحزابها أولا ومن ثم تقدم نفسها لجموع الشعب الفلسطيني لأخذ الثقة الشعبية ثانيا .
من الجدير
ذكره بإنه بقدر أهمية تبيان الحقائق الأساسيه التي دفعت الرئيس الفلسطيني لإتخاذ
هذا القرار ، فإنه وبذات القدر لا بد من تفنيد العديد من التحليلات
التي تناولت هذا الموضوع بعيدا عن حقائقه الأساسيه ، نوجز ابرزها بما هو آت
:ـ
·
جاء هذا القرار بناءا على ضغوطات دولية وعربية مطالبة
بتنحي الرئيس الفلسطيني
إن الذهاب
الى مثل هذا التحليل بعيد عن الواقع لأن القرار أجاب بشكل لا يقبل التأويل بإنه لا
يحمل في مضمونه أي إشارة للتنحي وقد كان بإمكان الرئيس الفلسطيني وبذات المرسوم
بالإعلان عن تنحيه لسبب أو لآخر وبتعيين رئيس المجلس الوطني الفلسطيني رئيسا مؤقتا
لمدة تسعون يوما حتى إجراء إنتخابات رئاسية ، كما أن المطالبات المدّعاة التي يتم
الإشارة لها فإن كل ذي بصيرة يعلم بإن إجراء إنتخابات رئاسيه وتشريعية متعذرة
تماما فإقليم غزة تم تدميره بشكل تام والمواطنين هناك لا يكادون يجدون ما يسد
رمقهم من الموت ، كما أن القدس وفي ظل حكومة أقاصي اليمين فهو بات من المستحيل
السماح بإجراء الإنتخابات فيه ، وكذا
الحال بالنسبة للضفة الغربية فهي تخضع للإحتلال عمليا وهي مقطعة الأوصال بالحواجز
العسكرية والتي تعيق الناس عن الوصول لبيوتهم وأعمالهم ، فأي إنتخابات ستجري في
مثل هكذا أوضاع .
·
جاء هذا القرار بالضغط على الرئيس الفلسطيني بإجراء
إصلاحات في السلطه الوطنية الفلسطينية
إن في مثل
هذا القول الكثير من البعد عن أسس التحليل المنطقي للوقائع ايضا فأولى بديهيات
الإصلاح التي من الممكن أن يطلبها ذو بصيره هي أن يختار الناس من يمثلهم بحرية وفق
برامج سياسية واقعية يمكنها أن تكون قابلة للتنفيذ ، فمنذ قرابة عقدين من الزمن
تصطدم برفض أسرائيلي لإقامة دولة فلسطينيه وترفض إجراء إنتخابات في القدس ولكن
الوضع الفلسطيني وبعد هذه الحرب هو الآن أمام خطورة قيام إسرائيل بضم الضفه
الغربية ناهيك عن دمار غزة بأكملها ، فما هي الإصلاحات التي من الممكن أن تنفذها
أية سلطة في ظل عدم القدره على التنقل من منطقه الى منطقه ، وأية برامج سياسيه
يمكن أن يتفوه بها أي فلسطيني أو حزب فلسطيني في ظل عدم تمكنه من الذهاب لمنزله أو
عمله بشكل آمن فخلاصة القول في هذا السياق لا يمكن لأحد أن يتحدث عن أي إصلاح أو
يطالب به قبل أن يوفر للشعب الفلسطيني سيادته على أرضه وموارده ومنافذه وحتى ذلك
الحين ستصبح كل هذه الدعوات هي من ترف القول .
·
جاء هذا القرار لقطع الطريق على شخص بعينه لتولي رئاسة
السلطه الوطنية الفلسطينية
تم التداول
بإسم أمين سر اللجنة التنفيذية حسين الشيخ بصفته أمينا لسر اللجنة التنفيذيه ل م .
ت . ف وكشخصية مقبولة دوليا وكبديل للرئيس
الفلسطيني وكأن أمين سر اللجنة التنفيذيه كان مطروحا من الأساس أو تم التداول
بإسمه في أي من أروقة الحياة السياسيه الفلسطينية متناسين بإن أول من يعلم بإن هذا
التداول ليس في سياقه هو أمين سر اللجنة التنفيذية نفسه لعلمه بإن تولي هذا الموقع
لا بد وأن يمر بمقتضى قانوني وهو الترشح للإقتراح العام هذا إن مر أصلا من ترشيحه
من قبل حركة فتح ليتنافس في الإقتراع العام وهو يعلم بإن أمامه بالتراتبيه
التنظيميه والحضور الشعبي عدد من الأشخاص أوفر حظا منه بكثير .
·
جاء هذا القرار لمنع صراع داخلي بين قيادات حركة فتح
يروق للبعض
من المؤمنين بنظرية المؤامرة بإن معركة خلافة الرئيس الفلسطيني وشيكة الحدوث وكأن
أي قيادي في فتح لديه أوهام بإن تولي منصب من هذا القبيل وفي مثل هذه الظروف مفروش
بالورود ، فكل قيادي في فتح يعلم يقينا بإنه في ظل الإنسداد السياسي الراهن ودمار
غزة وتهديدات حكومة أقاصي اليمين الإسرائيلي بضم الضفه الغربيه وكل التعقيدات
الجارية على الأرض تجعل من أي قيادي في فتح يتردد أكثر مما يتوقعه أصحاب نظرية
المؤامره ليتنافس في أروقة فتح الداخلية على الترشح لمثل هذا المنصب ، فكيف سيكون
معه الحال بطرح نفسه للإقتراع العام ، وما هو البرنامج الذي سيطرحه للناس ليتم
إختياره على أساسه وهو يعلم بإنه لن يتمكن من فعل شيء يذكر سوى وعود أوكمن يصدر
الشيكات بلا أرصده بنكيه لصرفها .
·
هي خطوة إستباقيه في ضوء إنتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات
المتحده الأمريكيه
لقد سبق
وإن إختبر كلا الرئيسين كل منهما الآخر ويعرف كل منهما مواقف الآخر ولم يتورع
الرئيس الفلسطيني عن مواجهة دونالد ترامب بكل ما للكلمة من معنى فرفضه لصفقة القرن
الذي عرضها دونالد ترامب كانت علنية ومن على كافة المنابر العالمية بل تعدى الأمر
ذلك حين شتم سفير الولايات المتحده في واقعه غير مسبوقة في السياسة الدولية ،
وكلها أسباب لبقاء الرئيس الفلسطيني وليس هروبه من مواجهة جديده معه .
خلاصة
القول :ـ
·
إن الكلمة المفتاحية التي باتت أكثر رواجا في غالبية
التحليلات السياسيه المتعلقه بقضايا الشرق الأوسط هي فزاعة دونالد ترامب والتي
يستخدمها الكثيرين في تحليلاتهم ، وكأن القادم الجديد للبيت الأبيض بيده عصا سحرية
لحل مشاكل الشرق الأوسط وحل مشاكل العالم بأسره وتحاول الربط بين كل ما يحدث في
الشرق الأوسط والعالم بإنتخاب ترامب مجددا ، وإن أقل ما يقال في ذلك هو أنهم لم
يتابعوا بشكل دقيق تجربة دونالد ترامب في فترة حكمه الأولى في ظل ذات اللاعبين في
الشرق الأوسط ومع كل ما نشأ من تعقيدات على الأرض والتي سوف تتركها إدارة بايدن
بلا حلول ، إن كل المراهنات على ضرورة تنظيف الطاولة قبل تسلم دونالد ترامب هي
حملة إعلامية ترعاها ذات القوى التي روجت وبشرت بقدوم دونالد ترامب وكأن أمريكا
يحكمها شخص واحد سيقلب كل السياسات الخارجية للولايات المتحده رأسا على عقب في
ليله وضحاها ، وفي ذات الوقت يجب أن يكون مفهوما بإن ما تقدم بإنه لا يعني التقليل
من شأن الوعودات التي أطلقها دونالد ترامب في حملته الإنتخابيه والتشكيلات التي
أعلنها لرموز إدارته الجديده بمواقفهم المعلنة مسبقا أيضا ، ولكن المنطق السياسي
يقتضي التفريق ما بين ما تطلقه من وعودات والحقائق التي ستصطدم بها عند المضي قدما
بتنفيذها .
إنتهــــــــــــــــــــــى .....
تعليقات
إرسال تعليق