ماذا بعد صمت المدافع ...؟
فجر هذا
اليوم السابع والعشرون من تشرين الأول ، دخل وقف إطلاق النار على جبهة جنوب لبنان
بين إسرائيل وحكومة لبنان حيز التنفيذ بعد قرابة أربعة عشر شهرا على جبهة إسناد
فتحها حزب الله لإسناد حليفته حماس في غزة ، وحرب إسرائيل التي لا زالت جارية هناك
الى حد الآن ، إبتدأت بمناوشات وإشغال للجيش الإسرائيلي وتبادل ضربات بعد يوم من
هجوم حماس في السابع من أكتوبر في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل في حالة من الفوضى والذهول
والصدمه تلملم بقايا كبرياء وتفوق عسكري ذهب أدراج الرياح على يد حركة صنفتها
تقارير إستخبارات دولة الأمن بإنها مردوعة ولا قبل لها بشن هجوم على إسرائيل في
المدى المنظور .
لم تقدم
هذه الجبهة لغزة الغاية المنشودة من فتحها بل ووفق تقديرات عديد المراقبين فقد
أسهمت في رفع دموية الحرب في غزة وذلك لردع قادة حزب الله ووضعهم بصورة ما ينتظرهم
إن إستمروا بهذه الحرب ، رويدا رويدا تتصاعد الأحداث على هذه الجبهه ولكن طرفي
الصراع إتفقوا ضمنا على محاولة الحفاظ على ما أطلق عليه قواعد الإشتباك وليبقى الوضع
على حاله حتى 27 يوليو ، حيث ضل صاروخ لحزب الله الطريق ليقتل عدد من الأطفال
الدروز في الجولان المحتل من قبل إسرائيل لترد إسرائيل بيومين بإغتيال رئيس هيئة
أركان حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبيه الأمر الذي نقل الصراع الى مستوى أكثر
خطورة ، تم التحذير منه من قبل العديد من المحللين العسكرين .
لم يبقى
أحد من العارفين بطبيعة الصراع وخطورته في
الداخل اللبناني وخارجه الا وقد قدم النصيحه لحزب الله بضرورة وقف هذه الحرب على
هذه الجبهة ، لإن كل المؤشرات وتصريحات قادة الحرب في اسرائيل التي كانت تلوح في
الأفق فهي تشي بإن إسرائيل تُبَيّت لحزب الله ضربات غير مسبوقه ستجعل من جنوب
لبنان والضاحيه الجنوبيه كصوره من صور غزة المدمرة ، وإنها مسلحه بشرعية توجيه هذه
الضربات على إعتبار أن حزب الله هو من بدأ هذه الجوله من الصراع وإن إسرائيل حمّلت
رسائل رفع الأعذار لكل المبعوثين الدوليين الى لبنان بإنها لن تصمت طويلا على
تهجير الاف الإسرائيليين من البلدات الواقعه على الحافة المحاذيه للحدود والتي تقع
في مرمى صواريخ حزب الله قصيرة المدى الغير قابله للإعتراض من قبيل الكاتيوشا والهاون
والكورنيت .
وقعت قيادة
حزب الله ومن خلفها الحرس الثوري الإيراني
بقراءة المشهد بصورة خاطئه تماما لتمضي قدما في رفض وقف إطلاق النار وفك الترابط
بين جبهة غزة ولبنان كجبهة إسناد ليقع ما لم يكن في حسبان حزب الله ، فبتاريخ
السابع عشر من سبتمبر وبضربة واحده قامت اسرائيل بتحييد ما يقدر بأربعة الاف من
كوادر حزب الله بتفجير مذهل لأجهزة البيجر وتتبعها في اليوم التالي بضربه أخرى
أفقدت الحزب توازنه وذلك في إختراق أمني غير مسبوق ، وتعقبها بسلسلة ضربات جوية
لإغتيالات في صفوف قيادته الأولى فالثاني فالثالث حتى وصلت درة التاج "الأمين
العام ليس لحزب الله فحسب بل بأيقونة محور المقاومة برمته" وتندلع الحرب بكل
الوانها وفصولها ويتلقى العمود الفقري للمحور برمته ضربات مميته عبر عنه قياديه
بكلمات واضحه بإن هذه الضربات لو تلقتها دولة بعديدها وعتادها لإنهارت .
يستعيد
الحزب بعضا من توازنه بعد تعيين نعيم قاسم أمينا عاما جديدا خلفا لسابقه حسن نصر
الله والمرشح لخلافته هاشم صفي الدين وعشرات قيادات الصفوف القيادية ، وتمضي الحرب
سجال بقصف تدميري للحاضنه الشعبيه لحزب الله في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيه
وتهجير ما يربو على مليون لبناني وتوغل في مناطق عديده في الجنوب وتدمير البنية
التحتيه لحزب الله وتسوية الاف المباني بالأرض ومما لا شك فيه فإن الخسائر على
الطرف الآخر بالصراع فهي كبيرة أيضا على صعيد المباني السكنيه في غلاف جنوب لبنان
وعلى صعيد عديد الجيش وعتاده ولو أنها لا تقارن مع نظيرتها في الجانب اللبناني
بشكل عام وحزب الله بشكل خاص .
كما هي
عادة الحروب دائما فيمكن بدءها بتوقعات وسقوف ولكن مآلاتها لن تكون بكل تأكيد كما
تم التخطيط لها نظرا للمفاجآت التي يمكن أن تحدث على الأرض أثناء سير العمليات
.... فما هي صورة واقع الحال لليوم التالي للحرب على فرقاءها والمتأثرين بها
:ـ
حزب الله
:ـ
·
بدأ الحرب بسقف الإسناد والمشاغله وترسانة سلاح رادع
لإسرائيل عن المضي قدما في توسيعها لتنتهي بكارثه لحزب الله وبكل المستويات فلا هو
قد قدم الإسناد لغزة ولا منع من إغتيال غالبية قيادييه وفي كل المستويات ولا منع
أيضا تدمير حاضنته وبيئته ومعها قطاع واسع من بيوت وأعمال الشعب اللبناني .
·
سيتم الدفع به من على الحدود اللبنانية الإسرائيليه بكل
ما بناه من بنى تحتيه والتي تم تدمير غالبيتها ، الى ما بعد نهر الليطاني وبإشراف
دولي وسيكون من الصعب عليه الترويج لفكرة الإحتفاظ بالسلاح في الداخل اللبناني
بمعنى سقوط فكرة الدفاع عن الحدود اللبنانية في وجه الإعتداءات الإسرائيليه لأن
الإتفاقيه تتضمن نشر الاف الجنود اللبنانيين بوجود مراقبين دوليين وعلى رأسهم
الولايات المتحده والتي لن تتسامح بأي خرق مهمها كان صغيرا لحزب الله .
·
كعادة حركات المقاومة فلن يقر حزب الله بأي شكل من أشكال
الهزيمه فالسردية القائمة على أن مجرد ألبقاء على قيد الحياة لشظايا الحزب وعدم
قدرة الإسرائيليين على القضاء التام والبات عليه هي فشل للإسرائيليي وهي بكل تأكيد
على إصرار حزب الله على الإحتفاظ بالسلاح وسيحاول الحزب بكل الطرق الممكنه وبكل
الذرائع من العوده الى مشهد ما قبل الثامن من أكتوبر .
·
سيكون مطلوبا من حزب الله إيجاد الإجابات المقنعه لبيئته
أولا وللجمهور اللبناني المؤيد له ثانيا ولمؤيديه في حواضر العرب والعالم ثالثا عن
أسئلة تراود مخيلتهم مفادها هل ما تم تقديمه من خسائر توازي ما تم تحقيقه من نتائج
لا يلمسها ولا يراها أحد ؟ وهل الدور الإيراني خلال هذه الحرب الكارثية يرتقي الى
مفهوم التحالفات والصيغ الفضفاضه التي تم إطلاقها بمناسبة وبدون مناسبه ؟ وما هو
مستقبل بيئة الحزب التي تحملت كل هذه الكوارث وهل سيتم الوفاء بالإلتزامات إتجاههم
لناحية الإعمار وعودتهم لمساكن لم تعد موجودة أصلا ؟
إسرائيليا
:ـ
·
لقد تمكنت إسرائيل من أعادة حزب الله عشرات السنوات الى
الخلف فما أحدثوه خلال هذه الأشهر الأربعة عشر فاقت ما توقعوه بكل تأكيد وقد وفر
لهم حزب الله فرصه تاريخيه كان من الصعب تفويتها .
·
أفقدت إسرائيل حزب الله وجاهة بقاءه على الساحه
اللبنانيه كحزب مسلح بعد أن ضمن دفعه بعيدا عن الحدود بعد أن دمر بنيته التحتية
وما لم يتمكن من فعله فعلى الجهات الضامنه أن تتولى إستكماله .
·
فكك التحالف وبما أطلق عليه وحدة الساحات وضرب مفهوم
الذراع الضارب الأقوى لإيران على حدوده الشماليه وهو بلا شك سيكون له تداعيات على
بقية الساحات .
·
سيتمكن من إعادة المهجرين على وقع العمليات العسكرية
الدامية وهو ما سيترك مفاعليه على قيادة حزب الله الجديده بإن الأثمان ستكون باهظه
في حال قام بتكرار ذات التجربه .
·
مما شك فيه فسيلقى هذا الإتفاق أسئلة بحاجة الى إجابات
من قبل الحكومة الإسرائيلية للجمهور الإسرائيلي أولا ولمؤيدي إسرائيل في العالم
مفادها هل فاتورة الخسائر التي تم تقديمها تساوي الرجوع الى القرار الدولي 1701 مع
التحسينات والضمانات الجانبيه الأمريكيه لإسرائيل مع العلم بإنه لم يمنع حزب الله
في الثامن من أكتوبر من إختراقه ؟ وماذا لو تم التوصل الى إتفاق تهدئه في غزة يتم
بموجبه إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين أولا والذي كان سيوقف جبهه الشمال تلقائيا
وعودة سكان الشمال وبدون كل هذه الخسائر ؟
إيرانيا :ـ
·
إن ايران هي الخاسر الأكبر من هذا الإتفاق بلا شك فهي
متهمه من حاضنة حزب الله ومؤيديه أولا وخصومه على السواء بإنها قدمت مصالحها الذاتية على تفعيل مفاهيم التحالف
والإنخراط الفعلي في الحرب عدا عن خسارتها الكبرى لدرة التاج في محوره من معادلة
الصراع التي روج لها على مدى سنين ، وإن إعادة بناء مثل هذه الثقه مجددا وبناء
القوة المفقوده بحاجه الى سنوات طوال لن تكون مفروشة بالورود حتى لو كان الإسهام
الإجباري بإعادة الإعمار للبنان أحدى مداخلها .
·
إختار الإيرانيين صاغرين دعم هذا الإتفاق بل مساعدة
إدارة بايدن بإنجازه لعديد من الإعتبارات من أهمها إن بقاء هذه الحرب لحين إستلام
ترامب مقاليد السلطه فهو يعني أنهم حققوا لبنيامين نتياهو ما يتمناه وذلك بمعالجة
شأن هذه الجبهه في إطارها الأوسع والذي سيطال ايران وبرنامجها النووي وبرنامجها
الصاروخي وأذرعهابكل تأكيد ، عدا عن الإستنزاف اليومي لحزب الله في العديد والعتاد
وتوسع النقمة الداخليه في لبنان لدور ايران في لبنان والمنطقة بأسرها .
عربيا :ـ
مما لا شك
فيه فسيتنفس النظام العربي الرسمي الصعداء ، ومما لا شك فيه فإن مآلات الحرب
الحاليه ومخرجاتها تقتضي التدخل العربي المباشر لتنظيم السلاح في لبنان وحصره بيد
الدولة لا غير وإنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديده بعيدا عن مبدأ المحاصصه
والتعطيل وفرض شخصيات بسطوة سلاح حزب الله ومساعدة اللبنانيين على إعادة الإعمار ومنع
ايران من عودتها للسيطره في لبنان من خلال ملف الإعمار .
دوليا :ـ
سينسحب
عليه ما قيل في الموقف العربي ، وإن العمل العربي والدولي الموحد قد يسهم في إخراج
هذا البلد من أزماته المتتاليه وأن تضارب المصالح العربيه والدوليه والعمل
باتجاهات ومقاربات مختلفه سيكرس الوضع القائم وهي الوصفه السحرية للتحضير للحرب
القادمة بكل تأكيد .
فلسطينيا
:ـ
لا يوجد أي
فلسطيني يمتلك أي قدر من الحصافة يستطيع القول بإن جبهة الشمال التي فتحها حزب
الله قد أسهمت إيجابا في أي من مفاعيل الحرب الجارية في غزة وإن كل ما جرى من
إسناد لا يعدو كونه شعورا زائفا بالأمان ، ولكن في ذات الوقت فغالبية الفلسطينيين
يشعرون بالإمتنان والتقدير لموقف حزب الله وتقديمه لكل هذه التضحيات الجسام في
سبيل إسناد غزة ، وشعورهم الجمعي بالأسى الى ما آلت اليه أحوال هذا الحزب ولبنان
عموما ثمنا لما قدمه من تضحيات لإسناد غزة .
خلاصة
القول :ـ
لقد خسر
حزب الله ومن قبله ايران هذا الفصل من الصراع ، ويكفي القول بسقوط مفهوم وحدة
الساحات وستون يوما تضمنها الإتفاق يحق بها لإسرائيل التواجد على الأرض وفي أجواء
لبنان وسبعة أيام لمقاتلي حزب الله للإنسحاب تحت رقابة المسيرات الإسرائيليه الى
شمال الليطاني ووجود لجنة عسكرية للرقابه على الأرض على رأسها الولايات المتحده
وعدم تضمين الإتفاق الإفراج عن أسرى حزب الله لدى الإسرائيليين ، وما حدث خلال
اليوم الأول من هذا الإتفاق بقتل وإعتقال لبنانيين حاولوا العوده الى مناطق يتواجد
بها الجيش الإسرائيلي ومنع التجوال من الخامسه مساءا الى السابعه صباحا في كامل
جنوب لبنان ، كفيلة لوحدها عدا كل الخسائر الجسيمه التي تكبدها الحزب ، بقول كل
شيء عن هذا الفصل من الصراع ،أما القول بعكس ذلك فهو تكريس لصناعة الوهم الذي
إعتاد على ترويجها قادة الإنتصارات الوهميه ، إبتداءا بالولي الفقيه كرأس لهذا
المحور ومرورا بكل قادة الأذرع المواليه له على أنهم المنتصرين وبكل الأحوال أو كما
يقال بمنطق "عَنز ولو طارت" .
تعليقات
إرسال تعليق