حساء السمك وحائك السجاد
يقول المثل
الروسي "من الأسهل تحويل حوض السمك الى حساء،بدلا من تحويل حساء السمك الى
حوض سمك" ومن هنا فإن
أكثر المرعوبين من عبارة "اليوم
التالي للحرب" هما شخصان على وجه هذا الكوكب ، بنيامين نتياهو أولا ، ومرشد
الثورة علي خامنئي ثانيا ، فهم مستعدين لسماع أي شيء ، وقول أي شيء ، الا أن
الحريق المندلع في الشرق الأوسط قد توقف نهائيا ، لأن ذلك يعني أول ما يعنيه ، هو
ضرورة الإجابة على سؤال مفاده " ماذا حقق هذا الفصل من الصراع لكل من الطرفين
" أو بعبارة أخرى أين يقف طرفي الصراع الآن ، بعد كل هذه الدماء والدمار الذي
حل في الشرق الأوسط ، وكل هذه الفوضى التي أحدثوها بالنطقة .
صورة
المشهد العسكري الراهن
·
بلغة الواقع لقد تمكنت الآله العسكرية الإسرائيلي ، من
إحداث قتل واسع النطاق ودمار غير مسبوق في التاريخ البشري في قطاع غزة وإعادة
إحتلاله من بابه الى محرابه ، قتل غالبية قيادي حماس والمقاومة البارزين ، وبصورة
مصغرة لذلك في لبنان وفرضت عليه وقفا لإطلاق النار وفق قرار أممي سابق صادر عن
مجلس الأمن يحمل الرقم 1701 مع ما يلزم من اليات تنفيذيه ضامنه ، قتل ابرز قياديي
حزب الله وعلى رأسهم حسن نصر الله ، ودمرت أجزاء كبيرة من ترسانته العسكرية
وقيادته العسكرية ، أما في سوريا فقد مهدت الضربات الإسرائيلية الممنهجه للوجود
الإيراني ولحزب الله وقوات النظام في سوريا الى سقوط النظام ، بسرعة كبيرة في هذا
البلد ، وسيطرة مجاميع مسلحه بقيادة هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع
"ابو محمد الجولاني" ، وتوسع اسرائيلي جديد على سفوح جبل الشيخ وإلغاء معاهدات وتدمير غالبية المقدرات
العسكريه للنظام السابق ، وبعد كل هذا فقد باتت شهية بنيامين نتنياهو منفتحة نحو
المزيد وعينه على الهدف الأثمن لرأس محور القدس ، المتمثل بالبرنامج النووي
والصاروخي الإيراني ، بانتظار ساكن البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب .
·
وبلغة الواقع أيضا فقد بات سيد محور القدس رأسا
بأذرع معطوبة ، فحماس أصابها ما أصابها وباتت تواجه أصعب الخيارات منذ نشأتها ، تمسك
بمئة رهينة بين حي وميت بالنواجذ ، كطوق نجاة أخير لبقاءها على قيد الحياة ، رغم
فداحة الفواتير التي تقدمها يوميا ، وحزب الله ليس بأحسن حال من سابقته حماس ، يمسك
بورقة سلاحه ما بعد الليطاني أي في الداخل اللبناني كطوق نجاة أخير لبقاءه ، سقط
النظام السوري ومعه حزب البعث العربي الإشتراكي بلا رجعة ، وباتت الورقة الوحيدة
له هي تنظيم عمليات مقاومة في الداخل السوري ، لمنع القادمين الجدد للسلطه من بسط
نفوذهم على أقلها في مناطق طائفته العلوية ، لا تتوفر لهم في المدى المنظور أي
دافعية للقتال ، مجاميع مسلحه متفلتة في العراق باتت محاصرة بممنوعات الداخل وممنوعات
الخارج على حد سواء ، أما عبد الملك الحوثي القابع على ضفاف البحر الأحمر فبعد كل
الضربات التي تلقاها أمريكيا وبريطانيا وإسرائيليا فهو في حالة من الضعف الشديد ،
لن يمنعه ضعفه بقيامه بعملية موسمية هنا وهناك ، أما جبهة الضفة الغربية فهي
الأسوء بكل تأكيد ، فليس لها من مقومات الصمود ما يذكر وهي أشبه بالدفع بهم الى
حالة إنتحار جماعي لها ولما تبقى من رموز الكيان الفلسطيني على حد سواء ، أما
الروسي الحليف الأهم لرأس المحور فحدث ولا حرج فقد تلقى خسارة إستراتيجيه للتو
بخسارة حليفه الأهم على ضفاف المتوسط "نظام بشار الأسد" ، فلم يستطع فعل
أي شيء لتهاويه السريع المفاجئ رغم كل ما قدمه له ، في وقت حرج وهو غارق حتى أنفه
في حرب طاحنه مع أوكرانيا ، وفي سباق مع الزمن في الدونباس ، وفي إقتلاع الجيب
الأوكراني في كورسك ، مضطرا يلملم نفوذه المتهاوي في سوريا بتفاهمات تارة تركيه ،
وأخرى مع القادمين الجدد لحكم سوريا ، ولا بأس من أخرى مستحدثه مع القادم الجديد
للحكم في الولايات المتحده الأمريكية دونالد ترامب
الخيارات
السياسة :ـ
·
على الرغم من كل ما أحدثته الآله العسكرية لبنيامين
نتياهو من إنجازات عسكرية على الأرض لا يستطيع أن يشكك بها أحد ، فهو وبذات القدر قد
فشل فشلا ذريعا على الإجابة على سؤال بسيط وماذا بعد ؟ مليونين فلسطيني في قطاع
غزة يقفون في حلقه الى حد الإختناق ، لا يدري الى أين يلقي بهم ، فلا هو قادر على
إبتلاعهم بحكم عسكري ،ولا هو قادر على تهجيرهم ، ولا هو قادر على قذفهم من حلقه
ليلقيهم في حضن أحد سوى عدوه اللدود محمود عباس ، والذي أوصله الى وصمة مجرم حرب
من أعلى مؤسسة قانونية دولية ، وشظايا مقاومة لا زالت قادرة على الإحتفاظ بمئة
رهينة وإبتزازه ، وباتت كخنجر في خاصرته تحرمه من إعلان حلمه بإنتصار مطلق .
·
ستنتهي مهلة الستون يوما في جنوب لبنان وستنسحب الة الحرب
الإسرائيلية من هناك ، وستعود الحاضنه الشعبية لحزب الله الى بلداتهم التي جعلت
منها آلة الحرب الإسرائيلية كثبانا من الدمار ، سيعيدون بناءها ، وسرعان ما يعود
حزب الله بأسرع مما يتوقعه المراقبين ، رغم اليات المراقبة التي وضعت لأنه
وبإختصار ، فإن سكان تلك المناطق هم حاضنته الشعبية والذي من بينها مقاتليه ، وما
هي الا سنوات معدودة وستعود الأمور سيرتها الأولى .
·
سقط نظام عائلة الأسد الذي حافظ على حدود هادئه مع
اسرائيل لنصف قرن ، ومضطرا للحفاظ على نظامه استعان بإيران وحزب الله وليس لخلق
معادلات لتحرير ارضه المحتلة في الجولان ، لأنه يعلم بإن هذا خط أحمر لا يمكنه
تجاوزه ، وكبديل له شرعت سوريا ابوابها لمحور بديل ومجاميع مسلحه من شتى الأصناف
والألوان ، وبرعاية تركيه ، ولن يسلم المحور الخاسر بما جرى بسوريا بالأمر الواقع ،
وما هي الا اسابيع وستصبح سوريا دولة فوضى بإمتياز ، وبدلا من أن تتعامل اسرائيل
مع دولة فستطالها شظايا دولة قد تفككت .
·
أم رأس المحور الإيراني وبعد كل هذه الخسارات التي
تلقاها ، فهو بين خيارين بناءا لجسمين موجودان في الحياة السياسيه الإيرانيه ، يتمثل
الأول بموقف الحرس الثوري والتيار المحافظ وهما الأقوى نفوذاً والذي يصر على إعادة بناء محور المقاومة بكل توجهاته
، أما الخيار الثاني والمتمثل بالرئيس الإيراني والتيار المحافظ والذي يسعى الى
الخيار الديبلوماسي وإستيعاب المتغيرات التي حصلت على الأرض ، بما يلزمها من
تغييرات موازية في السلوك الإيراني ، معززة بقدوم دونالد ترامب للحكم وتفويت فرصه
على بنيامين نتياهو بتوجيه ضربه لمشروعها النووي بمشاركة الولايات المتحده .
خلاصات
وإستنتاجات :ـ
·
مما لا شك فيه فإنه سيكون من المتعذر على إسرائيل أن
تجمل حروبها بما تشتهيه ، فوقف إطلاق نار في غزة بات وشيكا على إيقاع تقدم
المفاوضات الخاصه بالرهائن ، سيمنعها من إنتصار مطلق هناك ، وسيبقي شظايا حماس
وحكمها في المدى القريب على أقل تقدير .
·
لن يكون المشهد اللبناني بعيدا عن ذلك ، فحزب الله لا
زال موجودا ، رغم كل ما اصابه وسيكون متعذرا اختفاءه من المشهد اللبناني في المدى
القريب أيضا .
·
سيعمل المرشد الايراني على المزاوجة بين جناحي النظام ، محافظيه
وإصلاحييه ، فهو لن يطلق يد الجناح المحافظ لمدياته القصوى ولا لجناحه الإصلاحي
كذلك ، فالمحافظة على خطاب سياسي منخفض الوتيره ، وإعادة بناء المحور بعيدا عن
الأضواء ، ستكون السياسة المثلى في مثل هذا التوقيت .
·
الحوثيون سيكونان في عين العاصفه ، وقد يكونوا الهدف
القادم بإلحاح لإسرائيل والولايات المتحده
، وذلك لتحييد خطر إطلاقهم للمسيرات والصواريخ إتجاه اسرائيل ، وتهديد الملاحة
الدولية في البحر الأحمر .
·
من المرجح أن يترك أمر المجاميع المسلحة للحكومة
العراقية ، بعد النجاح الذي حققته مؤخرا في منعها بالإنخراط بالشأن السوري
وإحكامها لحدودها .
·
لا زالت الفوضى الناشئة عن كل هذه الجبهات هي سيدة
الموقف ، بإنتظار تسلم دونالد ترامب لمقاليد السلطة والذي أطلق شعارات إنهاء
الحروب في الشرق الأوسط والذي ستصطدم بخيارات بنيامين نتياهو السابح في حوض حساء
السمك الذي فرضه عليه حائك السجاد الإيراني .
تعليقات
إرسال تعليق