القائمة الرئيسية

الصفحات



 الرئيس الفلسطيني & الإخوان المسلمين  والروليت الروسي

كثيرة هي الإلتباسات التي شابت العلاقة بين الراحل ياسر عرفات وحركة الأخوان المسلمين ، فقد عملت عليها المخابرات المصرية لردح من الزمن في عهد الراحل جمال عبد الناصر ، ولم يغلق هذا الملف الا بعد سلسلة لقاءات جمعت الزعيمين الراحلين ، حيث أوضح ابو عمار للزعيم الراحل عبد الناصر ، والمعروف بتناقضه الحاد معهم ، حيث أوجز ياسر عرفات رؤيته وملخصها بإن هذه الطاقات الكبيره المعطلة  ،التي يمتلكها الأخوان المسلمين يجب الإستفاده منها بالنضال الوطني الفلسطيني والشق المسلح منه ، حيث تفهمها في حينه عبد الناصر على أن لا تكون الأراضي المصرية والداخل المصري مسرحا لها ، لكنه لطالما حذره منها ، لسرعة إنقلابهم عليه ، وسيسعون بهذه المشاركة للسيطرة على كامل النضال الوطني الفلسطيني وسيأخذون القضية الفلسطينيه الى متاهات القضايا المتشعبة للمسلمين والعرب .

لم يكن الحال على ذات المنحنى من التفهم مع نظام  البعث السوري بقيادة حافظ الأسد ، فعندما وصلت للمخابرات السورية المعلومات عن العلاقات المتزايده بين فتح ورئيسها ياسر عرفات وحركة الأخوان المسلمين في سوريا وتدريبهم في قواعد فتح في الأردن ، وما عرف بعدها بظاهرة عبد الستار الزعيم إبن مدينة حماة السورية فقد شكل ذلك أولى إرهاصات التناقض المتزايد بين النظام السوري مع ياسر عرفات ، وعلى الرغم من اللقاءات العديده بينهما وإيضاح أن الموضوع يتعلق بالنضال الفلسطيني المسلح وليس له علاقة بالداخل السوري ، الا أنها لم تزل الشكوك مما دفع نظام الأسد لإطلاق أبواق التنظيمات اليسارية الفلسطينية لمهاجمة ياسر عرفات وإتهامه بقيادة اليمين الفلسطيني وحتى العمل داخل فتح ، والذي تتوج بالإنشقاق عام 1983 على خلفية إتهامات لياسر عرفات بدعم أحداث حماة وحلب والذي إنتهت بمجاز كبرى إرتكبها شقيقه رفعت الأسد في هاتان المدينتان .

على ذات القاعده بإستخدام كل الطاقات الفلسطينية والعربية  ، خاض ياسر عرفات نقاشا مستفيضا مع إلإخوان المسلمين في الأردن وفتح معهم عدة حوارات للمشاركة في منظمة التحرير الفلسطينية مما يثري الحالة الفلسطينية  ،حتى وصل به الأمر الى عرضه أربعون في المئه من مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني عليهم مما أثار حنق العديد من قيادات م . ت . ف وحركة فتح ، حيث أجابهم في حينه بإنه لو عرضت عليهم نصف مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني فلن يقبلوا بالإنضواء تحت راية المنظمة ، لسبب بسيط بإن تجاربه معهم تقول بإن هذه الحركة لا يمكن أن تعيش مع منطق الشراكه مع الآخرين فهي حسب مفهومهم للدين تعني الإخلال بالولاية الحصرية للمسلمين ، والمسلمين لديهم نوعان مسلم بالهوية وهو ما لا تقبل الشراكة معه ، ومسلم العقيده والممارسة وهو ما يعني أن المنظمة بشكلها وتركيبتها وقيادتها يجب أن تكون تحت سيطرتهم لا غير .

لأسباب عديده فلسطينية وعربية ودولية غير مواتية في أغلبها ومن أهمها تداعيات حرب الخليج الأولى ، للإستمرار بالكفاح المسلح تم إتخاذ القرار من قبل قيادة م . ت . ف بالإنخراط بالحراك الدولي الداعي لتسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي ، والذي أثمر عن الإتفاق المرحلي والذي عرف بإتفاق أوسلو ، حيث خاضت حركة الإخوان المسلمين مجابهة حادة وعنيفة مع هذا الإتفاق ، منذ أن تم الإعلان عنه تحت يافطة عريضه بتنازله عن الثوابت الأساسيه للشعب الفلسطيني ، وإتخذ القرار في أروقة الأخوان المسلمين بالعمل على شقين لإفشاله يتمثلان بالمجابهة السياسية في العالم بأسره ، وتصعيد الكفاح المسلح في الداخل الفلسطيني ، ومنذ الأيام الأولى لإنتقال قيادة م ـ ت . ف الى الداخل الفلسطيني وسط هذه الأجواء ، ورفضوا المشاركة في الإنتخابات عام 1996 بدعوى إجراءها على خلفية أنها أحد إفرازات إتفاق أوسلو .

منذ اليوم الأول لوجودها في الداخل الفلسطيني تم مواجهة قيادة المنظمة من قبل حركة الأخوان المسلمين تارة بحركات إحتجاجية في الشوارع والمساجد والتحريض العلني وسلسلة عمليات عسكرية ضد الإسرائيليين ، مما قوّى  شوكة اليمين في إسرائيل وعزز روايتهم بالمخاطر الذي سيجلبها إتفاق أوسلو ، والذي كان من إحدى تداعياته إغتيال رابين ، وصعود بنيامين نتياهو للحكم ، ودخلت عملية السلام بمسلسل خطوه للأمام وخطوتان للخلف ، وفتحت السجون الفلسطينيه للمنخرطين بالأنشطه العسكرية والمحرضين عليها  من حركتي حماس والجهاد الإسلامي وبعض الفصائل اليسارية وبعض المتفلتين من فتح أيضا ، الذين تلقوا دعما مباشرا من حزب الله اللبناني بل من إيران مباشرة أيضا ، ومعها  سجال فلسطيني إسرائيلي بعدم فعل ما يكفي بل بالتغاضي عن الإرهاب وتمويله ، وفشل لاحق لمفاوضات واشنطن على قضايا الحل النهائي شكلت بمجملها أرهاصات لنذر إنفجار صراع فلسطيني إسرائيلي وشيك وحالة فلسطينية داخلية مأزومة .

رمى شارون العنوان الأبرز لليمين الإسرائيلي والمبعد عن الحالة السياسية في إسرائيل قصرا على خلفية توصيات لجنة فنغراد ، بثقله بتأجيج الصراع مشعلا عود ثقابه الأنجع وهو التحرش بأقدس مقدسات المسلمين ، حيث دخل المسجد الأقصى ومعه مسلحيه لتندلع أعمال عنف مسلح متبادل ، بين السلطه ومعها حركة فتح وبقية الفصائل الفلسطينيه الوطنية والإسلامية ، في مواجهة مع جيش الإحتلال حصدت ضحايا بالالاف على جانبي الصراع ، ودمار واسع في الضفه الغربية وقطاع غزة طال مباني السلطه الوطنية الفلسطينية  وحصار الرئيس الفلسطيني ، الى أن توفي في ظروف ملتبسة وبصمات إسرائيلية على إغتياله بالسم ، لتنتهي حياة رجل شكل أطول الفصول في حياة الفلسطيننين ونضالهم ، ولأكثر فصول الصراع طولا والذي إستمر لخمسة سنوات متتالية ، ويغادر شارون الحياة السياسيه بدخوله بغيبوبة بعد تفكيكه لمستوطنات غزة وإنسحاب منها وترك معبر رفح بإتفاق مع الأوروبيين .

تسلم مقاليد السلطه ومنظمة التحرير محمود عباس في ظل هذه المشهدية ، بشظايا سلطه ومقرات مدمرة وتنظيم ليس بأحسن حال من السلطة ومنظمة التحرير ومطالبات دولية بإجراء إنتخابات تشريعية ، لتتخذ حماس قرار المشاركة بها بعد جدل داخلي بين تيارين يؤيدها بإعتبارها فرصة سانحه لإعتلاء سدة الحكم في فلسطين وإستثمار دماء الضحايا بخطاب ديني تجيده بإقتدار ، وبين رافض لها على خلفية أصوليه بإعتبار أن مبررات تحريمها وعدم المشاركة بها عام 1996 لا زالت قائمه ، ولكن الغلبة كانت للبرغماتيه الدينية التي يجيدها الإخوان المسلمين ، في مواجهة فتح الأكثر عدد وعدة والتي خسرت ياسر عرفات قائدها الشعبي للتو ، لتأتي النتائج بتفوق حماس وهو الأمر الذي خلط أوراق القيادة السياسية الفلسطينية ، ولم يكن من بد سوى تسليم الرئيس الفلسطيني بالأمر الواقع وتسليم حماس أحد الهياكل الأساسية في السلطة الوطنية وهي مجلس وزراء .

بعد وقوع المحظور بات المشهد الفلسطيني أكثر تعقيدا ، فقد حظر الدعم الدولي في ضوء الإنتخابات وباتت حماس أمام خيارين ، إما التساوق مع الإشتراطات الدولية بالإعتراف بما الزمت به منظمة التحرير والسلطه الوطنية الفلسطينيه نفسها به ، وإما المراهنه على عامل الوقت وفرض نفسها وحضورها السياسي بلغة الأمر الواقع وهو ما حدث بالفعل ، ولم تكتفي بذلك بل أخذت تجري تغييرات في بنى السلطة الوطنية الفلسطينيه وأستحداث بنى أمنيه جديدة وتعيينات كبار المسؤولين المدنيين ، وفي ظل هذه الأجواء وتوقف رواتب الموظفين والذين هم بغالبيتهم من الموالين لحركة فتح ، بدأت الأمور تتدحرج نحو صدام حتمي بين أجهزة الأمن وحركة فتح من جهة وحركة حماس من جهة أخرى ، لتندلع أعمال عنف تجري عدة محاولات لإحتواءها عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية ، الا أن كل هذه الإجراءات لم تحل بينها وبين قيام تيار أصولي في حماس بالإنقلاب على السلطة الوطنية الفلسطينية بعمليات عسكرية واسعة النطاق ، ذهب المئات من الضحايا بغلبيتهم من أعضاء حركة فتح ، كضحايا لها وتنهي الوجود الرسمي للسلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة .

باتت قسمة الوطن الفلسطيني أمر واقع ، ورغم عشرات المحاولات الفلسطينية والعربية لإيجاد حلول ، الا أنه تبين بشكل قاطع بإن فرص حدوث ذلك بعيدة المنال ، فكل المقاربات والتسويات إصطدمت بحائط صد من قبل حماس لإعتقادها بإن ما أنجزته بالسيطره على غزة وإقامة بناها المدنية والعسكرية فيها ، وإنفتاحها على العالم الخارجي عبر بوابة معبر رفح ، والذي فرضته على المصريين بالقوه بعد أن سمحت للجماهير بعبور الحدود المصرية ، بدعوى الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني ، وبهذا فقد تمكنت من الصمود طيلة 17 عاما عبر أستدعاء الدعم العربي بواسطة جهود قطرية ، وبتسويات مع بنيامين نتياهو شخصيا مقابل الهدوء في غزة .

على خلفية هذا الشعور الخادع بفائض القوة ، وقع ما لم يكن في حسبان حركة حماس ، فبعد عملياتها العسكرية  وما أطلقت عليه طوفان الأقصى فقد باتت في مواجهة عسكرية مع اسرائيل ، بلا سقوف ولا حدود لم تحسب لها حماس أية حسابات ، فعلى الرغم من إعتقادهم بإن اسرها 250 اسرائيلي سيردع اسرائيل عن الذهاب لمديات واسعه ، بات هؤلاء الأسرى وسيلة لمزيد من القتل والدمار ، حتى باتت حماس وبعد 15 شهرا وتقلص عدد الأسرى بين أيديهم الى مئة بعد الصفقه الأولى التي أجريت، وما تمكنت اسرائيل من إنتشاله من أحياء وأموات ، أمام أصعب الخيارات مع قناعة راسخة تتأكد يوما إثر يوم بإن إسرائيل لن تسمح لها مجددا بحكم غزة ، ولكنها في نفس الوقت لا زالت تضع العراقيل أمام الجهود العربية بتسليم مقاليد الأمور للسلطة بعد أنتهاء الحرب .

خلاصة القول :ـ

·         من واقع التجربه فقد ذهب الرئيس الفلسطيني الى أشبه بلعبة الروليت الروسية مع حركة حماس ، بعد موافقتهم على مشاركتها بالحياة السياسية الفلسطينية ، دون محددات أساسية ، مما أتاح لهم رفض المحددات السياسيه الملزمة لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد وصولها للحكم .

·         من واقع القراءة المتأنية ، فإن حماس (الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين) غير قابلة بفكرها وتركيبتها الحزبية ، لأن تكون قوة ثانية أو دون ذلك في الحياة السياسية الفلسطينيه ، وأن فهمهما للمشاركة بشروط لعبة الدمقراطية هي بإن تكون الفائزة بها ، أما غير ذلك فلديها من الذرائع لرفض المشاركة  .

هناك معضلة فكرية لحماس وقبولها بمبدأ حل الدولتين والتسويات السياسية فمن جهة تبدي مرونه لفظيه حين تتعرض للضغوطات ، ولكنها سرعان ما تنسحب من هذه المرونة السياسية حينما تشعر أن قواعدها لا تنسجم مع هذه المرونه أو هذه المقاربة وبدون أية تحفظات .        

تعليقات