تتهاوي القلاع من داخلها
في ضوء التهاوي
الدراماتيكي لقوات الجيش السوري وبلا قتال حقيقي ، وصلت المجاميع المسلحه تخوم حمص
بعد سقوط حلب وحماه وأريافهما لتتبعهما
بدرعا وبات القتال في ريف دمشق حاليا على الحدود الإدارية للعاصمة دمشق ، وفي سباق
محموم بين العمليات العسكرية التي تقوم بها المجاميع المسلحه وبعض المحاولات
السياسيه الخجوله من هنا وهناك لإحتواء الموقف ، صدرت عدة مواقف لعدة متداخلين في
الصراع وعلى رأسهم رجب طيب اردغان والذي أشار فيه بوضوح الى أن هدف المجاميع
المسلحه هو الوصول الى دمشق ، يتبعها تصريحات لوزير الخارجيه الإيراني عراقجي بإن
مصير نظام الأسد يصعب التنبؤ به الآن ، ليتبعها تصريحات رئيس الوزراء القطري بإن
نظام الرئيس بشار الأسد قد فوت فرصة إيجاد حل سياسي وأن مخاطر حرب أهلية قائمة
والتي تتطلب جهود لمنعها ، وكل هذه التصريحات هي إنعكاس بالتأكيد لكل هذه الإنهيارات
التي فاجأت المجاميع المسلحه وداعميهم أولا والذي أسال لعابها للمضي قدما نحو حمص
والإشارة الى هدفهم الأكبر هو دمشق ، وقد فاجأ حلفاء النظام من جهة أخرى حيث بدءوا
بإعادة ترتيب أوضاع مستشاريهم وبعثاتهم البلوماسيه ، والذي فهم ضمنا بإن تهاوي
النظام برمته بات أحد السنياريوهات المحتمله .
السؤال
المحوري الأهم في
كل ما جرى وبهذه السرعه هو ما هي التوقعات المحتمله لسقوط النظام المحتمل وكيف
سيراها أطراف الصراع المشتبكين بنفوذهم ومصالحهم على الأراضي السورية في ضوء
تصريحات الشخصيه الأكثر جدلا وتداولا في هذا الفصل من الصراع ، وهو الشخص الملقب
بابو محمد الجولاني سليل تنظيم القاعدة سابقا وقائد جبهة النصرة التي غيرت أسمها
لجبهة تحرير الشام حاليا والمصنف ومعه جبهاته بالإرهاب من عديد القوى الدولية وعلى
رأسها الولايات المتحده ، والتي أشار فيها الى مفردات حملت مفاهيم مختلفه عن لغة
التعاطي السابقه للحركات الأصوليه حيث دعا لعدم الثأر وأن سوريا المستقبل هي لكل
مكوناتها كما قام بتطمين البعثات الدبلوماسيه العاملة بإنها ستكون آمنه ، لم ينسى
أن يخاطب العالم بإسمه الحقيقي وهو "أحمد الشرع" وهي رسالة أخرى للقطع
مع ماضيه بكل تأكيد يضاف لها لقاءه مع سي ان أن كبرى وسائل الإعلام الأمريكيه ،
فكيف ستُقرأ كل هذه الرسائل مع وقائع الميدان والتي يمكننا إيجازها بما هو آت
:ـ
النظام
السوري :ـ
·
لا تقبل تركيبة النظام بإي حال من الأحوال أن يعلن بكل
تواضع عن خسارته للمعركة وأن يجلس بشكل مباشر للتفاوض مع المعارضه بكل تلاوينها ومسلحيها
، فالمعركة بالنسبة له هي معركة وجود لا تقبل الفصال فيها وسيُؤثر التقهقر من مكان
الى آخر حتى لو إنزوى في مناطق حاضنته الشعبيه على الساحل السوري وإن لزم الأمر
الى أبعد من ذلك كنظام حكم في المنفى في أحد الدول القليله التي من الممكن أن توفر
له مثل هذا المظلة .
·
سيحاول من خلال اللقاء المزمع إجراءه في الدوحه هذا
اليوم التوصل لوقف إطلاق نار والمطالبة بتراجع المجاميع المسلحه على أقلها من حمص
وتخوم دمشق والتسليم بواقع تخليه عن بقية المناطق والتي باتت بحكم الأمر الواقع
خارج سيطرته تماما على أن تنظم عملية تسوية سياسية بضمان القوى الثلاثة المشاركة
في لقاء الدوحة (روسيا ، تركيا ، ايران) ولكن تسارع العمليات العسكريه على الأرض
سيكون قد سبق ما يمكن المجتمعين أن يصدروه من بيانات أو دعوات لوقف التصعيد .
روسيا الإتحادية
:ـ
·
تعلم يقينا بإن هذا التهاوي السريع لقوات النظام السوري
هو أمر مفاجئ وبات أمرا واقعا لم يكن قد وضعه في الحسبان مسبقا وبحكم العلاقة
الإستراتيجية مع النظام ، فهي لن تكون مستعدة عن التخلي عن النظام وستحاول
المساعدة عسكريا بما تيسر من الإمكانيات وهي تدرك أن ما ستقدمه لن يكون مؤثرا في
الواقع ، وفي المقابل ستسعى لتقليل الخسائر الهائلة التي مني بها النظام من خلال
تسوية سياسية لن تكون بكل تأكيد في مصلحة النظام مع إبقاء عينه على قاعدة نفوذه في
الساحل السوري والتي باتت في عين العاصفة .
الدولة التركية
:ـ
·
مما لا شك فيه فتركيا وهي الممسكه بخيوط ومفاصل هذا
الصراع وهي القوة الوحيد القادرة على ضبط إيقاعه وهي في هذا التوقيت وبعد
الإنهيارات المتلاحقه في قوات النظام والتي لم تكن تتوقعها بهذه السرعة وهذه
السهوله فهي الآن في سباق مع الزمن في محاولة لضبط إيقاع هذا التقدم والجموح
للمجاميع المسلحه ومحاولة مواكبته بخطاب سياسي يتسق مع هذا التقدم لعدم تضرر
مصالحها مع عديد القوى المتداخله والمتناقضه على الأراضي السورية .
إيران :ـ
·
يبدو أنها سلمت بالأمر الواقع فلم يعد بإمكانها أن تقدم
الكثير لحماية النظام سوى ببعض الحراك السياسي الذي لا يتوازى مع واقع الميدان
ولكنها بالتأكيد فكل حساباتها الآن باتت تنصب على تداعيات خسارتها لدولة وقاعدة
أرتكاز وإمتداد جغرافي ولوجستي لذراعها الأهم في المنطقة الا وهو حزب الله والذي تعرض
لضربات كبيره في الحرب الأخيرة مع اسرائيل وهو بحاجة الآن أكثر من اي وقت مضى لكل
أسباب الدعم والإمداد في محاولة لترميم وتعويض كل الخسائر التي تعرض لها وفي حال
سقوط حمص والمتوقع خلال ساعات فإن هناك تداعيات دراماتيكيه ستتبع سقوط النظام
السوري والتي ستؤثر بكل تأكيد على حزب الله بلا شك .
إسرائيل :ـ
·
أكثر الرابحين آنيا من كل ما جرى فهي
وبدون أية تكلفة يرى عن كثب ويرقب بإهتمام تهاوي نظام الأسد والذي فتح بلده على
مصراعيها لإيران الخصم اللدود لإسرائيل وجعل من الساحه السورية ظهيرا وقاعدة
إرتكاز وإمداد لحزب الله والفصائل الفلسطينية ولكنها في نفس الوقت تنظر بعين
الريبة لإستبدال نظام الاسد وايران بتركيا ومجاميع مسلحه وهي بذلك تكون كمن إستبدل
خصم معروف النوايا بخصم لا زالت نواياه غير معروفه بعد ، وهو لا بد أن يكون أحد
مصادر الخشية والحسابات إلإسرائيله مستقبلا وتبقى الفوضى وتنازع مناطق السيطره بين
قوى متنازعة خيارها الأمثل .
الولايات
المتحده الأمريكيه :ـ
·
مما لا شك فيه بإن الرئيس السوري لا يكن على أجندة
الولايات المتحده لناحية إسقاطه أو تغييره ولكنه بكل تأكيد فلن تكون الولايات
المتحده آسفه لسقوطه على ذات الخلفية التي تنطلق منها إسرائيل ولكن الولايات
المتحده بحاجه إلى حماية المكون الكردي الحليف الأهم للولايات المتحده والذي يسيطر
على مساحات لا يستهان بها في سوريا والتي تحتفظ ايضا الولايات المتحده بقواعد
عسرية مهمة فيها ، كان قد حدد ضمنيا تفاهمات مع النظام بالتعايش الهادئ ولكن وفي
ضوء المتغيرات الأخيره فهل تستطيع الولايات المتحده خلق تفاهمات مماثله مع
المجاميع المسلحه ومع داعمهم التركي على أعتبار أن المكون الكردي هو خصم تقليدي
للأتراك .
النظام
العربي :ـ
·
إن منظومة العمل العربي هو آخر من سيكون له قدرة على
التأثير في الأحداث الجارية فالطرف الوحيد الذي كان يعول النظام السوري على إسناده
ومساعدته هو العراق كدولة ومجاميع مسلحه موالية لإيران ، وقد حسمت الدولة العراقية
ردها على مثل هذه الطلبات من النظام السوري والإيراني بالرفض على المشاركة كدولة
ومجاميع مسلحه كذلك وبذلك بات النظام العربي يرقب الأحداث ومآلات الأمور وبمحاولات
خجولة سياسيا هنا وهناك الا أنها ستكون بمثابة ذر للرماد في العيون .
خلاصة
القول :ـ
لا يمكن
إغفال الظرف الذي أحدثته الحرب اللبنانيه والضربات الإسرائيلية لحزب الله وايران
ولكن فإن كلمة السر في كل هذه المشهديه الجارية في سوريا وهذا التهاوي الدراماتيكي
للجيش السوري مفادها بإن النظام كان يحكم شكليا جمهورا لا يقبله وراغب بشدة من
الخلاص منه ، وعندما لاحت لهم الفرصه المواتية حملوا السلاح ضده وسرعان من إنضموا
الى صفوف المجاميع المسلحة ، وقد تبين بأن الجيش السوري هو جيش خاوي من إرادة
القتال والدفاع عن بلده ومواقعه وسلاحه وسرعان ما فر من المراكب الغارقه وبهذا فقد
تهاوت القلاع من داخلها أكثر بكثير من عوامل الخارج .
تعليقات
إرسال تعليق