القائمة الرئيسية

الصفحات

 


أحترمك ولكنني لا أحبك

لم أجد من الكلمات ما يصف ما رسمته شاشة العرب الأولى وجزيرة ربيعهم وخريفهم وبالخط العريض ، "سقوط نظام بشار الأسد" ، أفضل من عبارة قالها يوما الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد للقائد الفلسطيني الراحل صلاح خلف "ابو إياد" " أنا أحترمك ولكنني لا أحبك" ليرد عليه القائد الفلسطيني بفطنة فلسطينية ، وحفظا لشعرة معاوية " أما أنا فيكفيني إحترامك لي يا سيادة الرئيس ، أما الحب فقد خلقه الله للنساء" ، لقد لخصت هذه العبارة العلاقة الجدلية بين النظام السوري والشعب الفلسطيني بكل مكوناته ، وبكل ما فيها من تذبذبات ومشاعر مختلطه .

سيطول الجدل فلسطينيا في معرض الحديث عن تداعيات سقوط النظام السوري على القضية الفلسطينية ، وكل سيستحضر مآثر هذا النظام وما فعله إيجابا للقضية الفلسطينية عند تناوله لهذا الموضوع ، من زاوية الرؤيا لنصف الكأس الممتلئ ، وبالعكس من زواية الرؤيا لنصفها الآخر ، وما بين هذا وذاك ، فسيكون هناك إرث طويل بين هذا النظام والقضية الفلسطينية ، كان لعائلة الأسد وسنين حكمها التي زادت عن نصف قرن ، محطات مفصلية إن تم تجاوزها فسيكون الحكم على هذه الحقبه مجزوئا ، وستكون القراءة لمآلات وتداعيات سقوط النظام مجزوءه أيضا ، وبالتالي فإن إستشراق مستقبل القضيه الفلسطينية مع الحكام الجدد سيكون قاصرا بكل تأكيد ، وبهذا كان لا بد من رسم الصورة من كافة أبعادها لفهم كافة المآلات نوجزها بما يلي :ـ

·         وفق إحصائيات الأونروا للاجئين الفلسطينيين والتي نشرت في كانون الثاني 2022 فإن 9،7% من مجمل اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى المؤسسة الدولية والبالغ تعدادهم 5،9 مليون لاجئ حول العالم  ، يعيشون على الأراضي السوريه في 9 مخيمات مسجله رسميا وإثنان غير رسميان ويحملون وثائق سوريه تثبت أصولهم الفلسطينيه ، وقد تمتعوا بكافة المزايا التي يتمتع بها المواطن السوري على إمتداد سنين وجود أجدادهم وأباؤهم هناك .

·         كحال السوريين ، فقد بنى الفلسطينيون علاقاتهم بالنظام قربا أو بعدا وفق معايشتهم اليوميه له ، ومدى تحقق مصالحهم ، ونظرته الى قضيتهم ونكبتهم وتهجيرهم من وطنهم ، وإنعكاسا لذلك فقد تم التعامل مع فصائل المقاومة التي أستوطنت الساحة السورية منذ نشأتها من قبل النظام ، فقد تم تقريب فصائل وإستعداء أخرى وفقا لموقفها من النظام ، وهو الغير قابل بفعل تركيبته الحزبيه بالتعايش مع أي قرار مستقل أو تفكير مختلف لأي فصيل ، ولن يقبل الا بأدوات تتطابق نظريا وفعليا مع كيفية تفكيره .

·         بلا مواربة دخل مع حركة فتح في عدة صدامات مع النظام ، إدت الى إعتقال عدد من قياداتها وعلى رأسهم ياسر عرفات ، وحاول استخدامها لتنفيذ مهام لا صلة لها بالقضيه الفلسطينية ، وطلب حافظ الأسد شخصيا من ياسر عرفات القيام بإغتيالات لقادة الحركة الوطنيه اللبنانيه ومعارضين سوريين ، وعندما رفض ذلك وقع الصدام ، وزرع النظام بذور الشقاق داخلها لإحداث التصدعات الداخلية ، وسلم مقدراتها ومكاتبها للمنشقين عنها ، الأمر الذي دعا ياسر عرفات لإطلاق مقولته الشهيرة " إن ثلوج جبل الشيخ أكثر دفئا من حضن النظام السوري " ، وتكرر المشهد مع حركة حماس الذي تمتعت بإمتيازات هائلة من النظام ، الا أنها قام بطردها من دمشق مع أول ملاحظات أبدتها على ما يجري في سوريا في أعقاب إنطلاق الثورة السورية ، ولم تعد الى هناك سوى بعد تدخلات ايرانية وتعديل مواقفها وفق ما يراه النظام .

·         منذ عام 1974 وإتفاق الهدنة باتت الجبهة السورية أكثر الحدود هدوءا لإسرائيل وبات النظام يحكم السيطرة على حدوده ، وفي المقابل دعم المقاومة في لبنان وفلسطين وفي الساحات الخارجيه بعيدا عن سوريا ، لعدم إستدعاء ردود إسرائيلية لا قبل له بمواجهتها ، ولكن دخول العامل الإيراني وتمدد نفوذ حزب الله في سوريا جعل سوريا في مواجهة حتمية مع اسرائيل ، وأفقدها القدرة على إدارة الصراع بواسطة أذرعها ، وبهذا باتت سوريا ساحة لسلاح الجو الإسرائيلي وباستباحة تامة ، ووضعت على قائمة الجبهات التي تخوض بها أسرائيل حروبها .

·         إن الصراع الذي دار في سوريا ومنذ عام 2011 وبكل تداعياته ، ترك أثرا عميقا على مستقبل القضيه الفلسطينيه ، فإصطفاف قوى فلسطينية لصالح النظام وأخرى ضده ، كانت له تداعيات على الوجود الفلسطيني في ظل النظام ، فقد تم تهجير عشرات الالاف من الفلسطينيين في الداخل السوري ممن إصطفوا لجانب المعارضه ، وقتل الالاف وإعتقل المئات أيضا ، ولن تكون الصورة بأفضل حال بعد إنهيار النظام فمن إصطفوا لصالح النظام وقاتلوا لجانبه سيكونوا هدفا للقادمين الجدد وجودا وإمتيازات كان قد وفرها النظام لهم .

·         إن التقارب الرسمي الفلسطيني مع النظام السوري قبل سقوطه والتصريحات الصادرة بهذا الشأن ، الداعمه للنظام ستلقي بظلالها بشكل مؤكد على الوضع الذي إستجد في سوريا ، ستتطلب جهودا لتغيير الإنطباع النمطي الذي تم ترسيخه في ذهن قطاع لا يستهان به من الشعب السوري .

·         تتالى الإنهيارات في جبهات ما أطلق عليه محور المقاومة ، فمن جبهة غزة التي تحتضر فيها حماس ، الى جبهة أسناد غزة التي فتحها حزب لله في أعقاب السابع من أكتوبر والضربات الموجعة التي تلقاها الحزب على هذه الجبهة ، الى إمتدادها الإستراتيجي سوريا النظام الذي إنهار في غضون إثنا عشر يوما ، وإقتلاع النفوذ الإيراني فيها ، ومعه إنقطاع هذا الإمتداد الجغرافي الواصل الى لبنان وتداعيات ذلك على الداخل اللبناني ، والذي سيكون المكون الفلسطيني وحركات المقاومة جزءا منه بكل تأكيد.

·         إن الوقائع على الأرض بعد سقوط النظام وظهور شخصية ابو محمد الجولاني سليل القاعدة أو أحمد الشرع بصورته المحدثه بدأ يعطي مؤشرات أولية على شكل النظام القادم للحكم ،  فهل يستطيع راعيه التركي أن يقدمه لعالم كنموذج محدث للإسلام السياسي المهجن بأفكار حزب العدالة والتنمية التركي . 

·         سيكون الطرف الإسرائيلي في معادلة التغيير الذي جرى في سوريا هو أحدى العوامل الذي ستلقى بكل ثقلها ، فغالبية السوريين على طرفي الصراع الذي جرى يعتقدون بإن الإسرائيليين وما وفروه من إقتلاع للنفوذ الإيراني ومعه حزب الله قد وفر لهذه المجاميع المسلحه فرصه مواتية للتحرك ، وحسم هذا الصراع وهو ما سيكون له في الوعي الجمعي للسوريين تداعياته ، والذي لم يوفر بنيامين نتياهو فرصة الا ويؤكد عليها .

·         أن إلغاء إتفاق الهدنة من قبل الحكومة الإسرائيلية الموقع عام 1974 في أعقاب حرب أكتوبر عام 1973 مع الجيش السوري وسيطرة الإسرائيليين على الضفه الأخرى لمرتفعات الجولان وجبل الشيخ ، حيث وصفته الحكومة الإسرائيليه بالإجراء الأمني المؤقت ، وإقتطاع أراضي سورية جديده ستضاف للجولان المحتل منذ عام 1967 هي بمثابة بؤرة نزاع جديده إختلقتها إسرائيل ، لمساومة الحكام الجدد على تسوية نهائيه للجولان ، وإن لم يرضخوا لهذه المساومة فالمؤقت سيكون دائم .

·         مما لا شك فيه فإن غالبية خيوط التغيير الجاري في سوريا بغالبيتها في يد الرئيس التركي رجب طيب أردغان وباتت كل القوى تسعى الى صياغة تفاهمات ، لتجد لها موطئ قدم في الساحة السورية على أقل تقدير في المرحلة الإنتقالية للحكم ، إبتداءا بحلفاء النظام السابق ، وصولا لآخر خصومه كذلك ، ولسنا كفلسطينيين إستثناءا من ذلك ، كسلطه رسمية أولا ، وكفصائل وحركات مقاومة تاليا .

·         تتصدر الولايات المتحدة الأمريكيه لائحة القوى الأكثر تأثيرا على الرعاية التركية ، فيمكنها أن تسهل مهمة الراعي التركي في سوريا وتجعلها قابلة للتحقق ، وقد تجعلها صعبة المنال أيضا وذلك لإعتبارات من أهمها ، المكون الكردي بتحالفه الوثيق مع الولايات المتحدة وسيطرته على أراضي واسعه في سوريا قد إزدادت بسقوط النظام ، وكذا الحال القواعد العسكرية الأمريكية المنتشره في سوريا في مناطق حيوية للإقتصاد السوري (النفط) ، ولن نغفل العامل الأهم وهو في قبول ما تقدمه تركيا من شخصيات للمرحله القادمة أو رفضها تحت ما يسمى بلوائح الإرهاب وتعميمها على دول العالم والذي ستكون أهم محدداتها ، هو علاقتها بإسرائيل والقضيه الفلسطينية .

·         إن النظام العربي هو الغائب وكالعادة في كل ما جرى في سوريا ، فما كاد يعيد النظام السوري الى مؤسسات العمل العربي المشترك وبشق الأنفس ، وبعد سنوات طوال ، الا وقد تهاوى هذا النظام الى غير رجعة ، فإذا لزمه الأمر كل هذه السنوات ليعيد نظام معروف له تماما فكيف سيكون معه الحال مع قوى وفصائل قيد التشكل ، لم تتضح بعد معالم سياساتها الداخلية والخارجية ، وهل ستتصرف كقوى متحررة من النفوذ الإقليمي وهو في حالتنا الراهنه (التركي) ، أم ستستبدل نظام سابق يقع تحت سيطرة النفوذ الإيراني وبكل ما أحدثه من تداعيات في الحالة العربية ، بآخر يقع تحت سيطرة النفوذ التركي ، وتجارب العرب المريره التي لا تقل عن سابقتها بؤسا .

خلاصة القول :ـ

·         لا زالت الحالة السورية الناشئة إثر إنهيار النظام السوري بحاجه الى مزيد من الوقت لتقييمها بشكل معمق الا أن البوادر الأولية فهي مطمئنه وذلك لقلة الحوادث ذات الطبيعة الطائفية والثأرية ، الا أنه من المهم أن نشير الى عدة ضوابط ستشكل معلما هاما لنجاح التجربة من عدمها في ظل التركيبه المتعددة للشعب السوري ، وهما :ـ الإبتعاد عن بناء دولة على أسس دينيه أو مرجعية دينيه ، التصرف بمظاهر الإستبداد مع الخصوم السياسيين ، أن تكون الدولة لكل مكوناتها الإثنية والعرقية والطائفية في كل مفاصلها ومؤسساتها ، إختيار الكفاءات لإدارة الوزارات والمؤسسات بعيدا عن الولاءات السياسيه ، وكما قال ونستون تشرشل " تصنعون من الحمقى قادة ، ثم تسألون من أين أتى الخراب " وبغير كل ذلك ، فهي الوصفه السحرية للفشل ، ولما شاء الله من سنوات قادمة .   

 

تعليقات