القائمة الرئيسية

الصفحات

 




إحتفالية مؤجلة حتى إشعار آخر

وصل بنيامين نتياهو الى واشنطن ، محملا بكل ما يشتهيه أي رئيس وزراء ، قد إنفك للتو متنفسا الصعداء من بعض تداعيات لعنة السابع من أكتوبر ، فهو قد وجه ضربات قوية لبرنامج نووي وصاروخي ايران ، ولو بالمشاركة الحاسمة الأمريكية ، وضربات لحزب لله ارجعته سنوات للوراء ، وتكبيله بمعادلات داخلية ضاغطة ، وإسقط نظام بشار الأسد ، وقوض النفوذ الإيراني في سوريا ، وإحلال نظام قابل للتطويع في هذا البلد ، بضغط معاناة الشعب السوري ، وترويض حكام أمر واقع غزة ، على وقع ضربات مركبات جدعون ، لتمرير صفقة بالشروط الإسرائيلية ، وضربات موجعة لليمن ، طالت بناه التحتية والرئة التي يتنفس منها ، وبات الطريق سالكا إذا لعواصم العربية العصية على التطبيع حتى الأن ، وما أن تتوالى اللقاءات المكوكية بدونالد ترامب وأركان إدارته وتفتح الملفات والتقارير الإستخبارية ، ليتضح بأن أي من الملفات وعناوين الإحتفالية المزمع إقامتها ، لا تزال غير منجزة الى ما يدعو للإحتفال بأي منها  ، فلا نووي ايران وصواريخها يستطيع أحد خارج إدارة دونالد ترامب بالقول أنه قد تم محوه تماما ، ولا حزب الله في وارد الإعتراف بالهزيمة أو تفكيك منظومته العسكرية ، وليس بمقدور النظام الجديد في سوريا ، الذهاب بعيدا في أي تسوية نهائية مع الإسرائيليين ، بعيدا عن الإيقاع والرؤية العربية والتركية  ، ولا حكام أمر واقع غزة في وارد تمرير صفقة بالشروط الإسرائيلية رغم كل معاناة محكوميهم ، أما اليمن فقد وجهت ضربات موجعة وغير مسبوقة للملاحة الدولية في البحر الأحمر ، وحتى العواصم المرشحة للتطبيع ، فهي ليست في وارد التنازل عن إشتراطاتها المعلنة ، وصولا لإتفاقات السلام الإبراهيمية ، فماذا بقي إذن من موجبات للإحتفالية ، فعندما لا تتمكن الطائرات والدبابات وبساطير جنود المشاة من رسم حدود حاسمة قاطعة للإنتصارات ، فمن المستحيل إستكمال رسم حدود الإنتصار بها بحروب الظل والسايبر والذكاء الصناعي ، مع بعض البهلوانيات السياسية والعقوبات الإقتصادية فقط ، وفي حالة كهذه ، من ثلت ونصف وثلاث أرباع الإنتصارات ، فلا يوجد ما يدعو للإحتفالية بها مجتمعة أو حتى فرادى ، إذن فمنطق الوقائع يقول بتأجيلها وحتى أشعار أخر ، وهو على الأرجح فلن يكون قريبا بمطلق الأحوال .

ثلاثة أجندات في حالة كباش محتدم ، تتضارب بهما المصالح الى حدود تكسير العظام والجماجم  ، لا تنازلات إن اراد لأي منهما البقاء ، فالأجندة الإسرائيلية والتي يقودها اليمين الإستيطاني المتطرف ، والتي يتماهى معها الى حد بعيد دونالد ترامب ، وصولا الى حدود لن تقترب منه أي من الإدارات الأمريكية السابقة ، بشقيها الجمهوري والدمقراطي على حد سواء ، رغم إستنزافها بل تعطيلها لأجندات الولايات المتحده التي بشر بها دونالد ترامب في ولايته الثانية ، تقوم على اساس أنه وبعد السابع من أكتوبر ، فقد بات بنيامين نتياهو متبنيا بالكامل لها راميا من خلف ظهره ، ما كان يبشر به من سلام قائم على مزاوجة الإقتصاد وسطوة المال بالتفوق التكنولوجي ، بالسلام الذي أتى أو لم يأتي فهو سيان وأن أتى فبمطلق الأحوال سيكون عماده القوة أولا وثانيا وأخيرا ، فمفردات التعامل مع العدائيات والتهديدات الوجودية سيكون في التو والحال ولن ينتظر ما قد تسفر عنه أية طاولة مفاوضات أو إتفاقيات قد تخفف من وطأته ، أما الأجندة الثانية المقابلة له ، فتنطلق من ذات المقاربات ، فما كان يسمى بمحور المقاومة ما قبل السابع من أكتوبر ، وبعد كل هذه الضربات الموجعة التي تلقاها والضربات الموجعة والأقل أثرا التي وجهها لإسرائيل ، فهو بتركيبته غير قابل لمجرد الإقرار بإجراء مراجعات نظرية لصوابية المسار وأخطاءه ، لأن معنى ذلك هو مراجعة ثوابت ومنطلقات نابعه من المقدس ، ومعنى ذلك هو سقوط للمقدس وفق مفاهيم ربى أجيال ولسنوات طوال عليها ، فمن السذاجة أن ينتظر أحدا أية تغييرات لناحية تفكيك برنامج نووي أو صاروخي ولا سحب سلاح أوتفكيك منظومات عسكرية ، أما ألأجندة الثالثة وهي أجندة بقية العالم وبخاصة أصحاب المصالح منهم والمتأثرين مباشرة بالصراع ، والذي لا يروق لهم أي من مخرجات الأجندتين على حد سواء ، فهم في حالة ترقب ستطول بكل تأكيد ، لتركهم العنان لدونالد ترامب منفردا في إدارة المشهد ، فلعبة تبادل الأدوار التي يمارسها مع بنيامين نتياهو قد باتت في حالة إنكشاف تام ، فإسرائيل اليمينية المهيمنة على مقاليد الشرق الأوسط التي يسعى لها ، مع الإحتفاظ بمال النفط والغاز العربي لن تطول كثيرا ، فهذه الأموال مخصصة لمرة واحدة خلال دورة رئاسية واحدة ، وبخاصة بعد أن تبين بإن الشيكات السياسية التي أصدرها دونالد ترامب ، بلا رصيد ولا تصلح لمجرد القاءها في المدفئة ، لأنها من النوع المحتوى على مواد ضارة بالبيئة ، ردت للعرب لتغذية صناديقهم السيادية من مخلفات تدوير نفطهم الأحفوري ، أما من يدعم قضاياهم من القوى النافذة ، فلديهم مما يمنعهم أكثر مما يدفعهم للإنخراط بشكل فعال بالتأثير الإيجابي لوقف دوامة الصراع الراهن ، فغرق دونالد ترامب بصراعات الشرق الأوسط لن يترك له متسعا أكبر للإستدارة بإتجاهات أخرى ، ولها الأولويه القصوى في لعبة المصالح ، أما بقية القوى فمصالحها تقتضي خروج طرفي الأجندتين من هذا الصراع ، وقد إستنزفا تماما مما يتيح لهم الجلوس على الطاولة بسقوف مطالبات متدنية يمكن إيجاد لغة سياسية مشتركة معهما لاحقا . 

 تجري مفاوضات الصفقة في الدوحة على تفاصيل محددات خطة ويتكوف وخطة ويتكوف المعدلة قطريا ، كان يستعد بنيامين نتياهو ودونالد ترامب لتكون أحد الفقرات الأبرز في إحتفالية واشنطن ، قدم بنيامين نتياهو خرائطه لإعادة تموضع قواته في غزة ، فإذا بها تتموضع في اربعين في المئة من مساحة القطاع ، أو بمعنى آخر فأن مساحة الأربعين في المئة باتت خارج أية مفاوضات لصفقات قادمة ، فهي قابلة للزيادة وليس للنقصان ، وأن القوات التي ستتمركز بها باتت في وضع هجومي وليس دفاعي بكل تأكيد ، ليس هذا فحسب ، فكل تفصيل من تفاصيل هذه المحددات العديدة ، يحمل في طياته عوامل التفجير أكثر مما يحمله من عوامل إتمام الصفقه ، لأن كلا الطرفين يسعى لأن تكون ملامح هذه الصفقة هي توطئة لشكل اليوم التالي لقطاع غزة ، فبينما يريدها بنيامين نتياهو إستراحة محارب ، وترسيخ ما هو قائم للبناء عليه من سيطرة أمنية مطلقة لإسرائيل على قطاع غزة ، وإنتزاع جزئي ما قبل الأخير لأوراق القوة لدى حماس ، فإن حكام أمر واقعها يريدوها توطئة للإنسحاب التام من داخل قطاع غزة ونهاية باتة قاطعة للحرب ، وما بين هذا وذاك فعلى الأرض تدور معارك حامية الوطيس ، فقد إنتقل ما تبقى من جيوب للمقاومة من الدفاع للهجوم ، ووجهوا ضربات موجعة للقوات الإسرائيلية بالصوت والصورة ، وفي المقابل فقد رد الجيش الإسرائيلي بتوجيه ضربات مؤلمه للعديد من قيادات حماس وبالأخص المفرج عنهم في صفقة شاليط ، ولم ينسى المدنيين فقد كان لهم النصيب الأكبر من حمم الموت ، فلا فرق إن كانوا من المتواجدين في مناطق مصنفة بالإنسانية أو من منتظري المساعدات على ابواب مؤسسة غزة الإنسانية ، أو من قادهم حظ عاثر للتواجد في مناطق إشتباكات مسلحة ، لجمع الحطب أو لجلب بقايا من حياة من بين ركام منازلهم ، أو للإطمئنان على شيء من ممتلكاتهم ، فكلهم أهداف معقولة وجزء من الخسارات التكتيكية للمتحاربين ، ووسط كل هذا يقف دونالد ترامب يرقب موعد الإحتفالية ليختال على مدعويه ،فينسب لنفسه بأن كل ذلك لم يكن ليتم لولا قدراته الخارقة ، فيترك لبنيامين نتياهو تحديد خطوطه الحمراء لحدود التنازلات الممكنة ، ويرسل للآخر تهديدات عن إقتراب نفاذ صبره ، فعصا بنيامين نتياهو ستفعل فعلها ان لم يتم الإنصياع للمحددات بلا تفاصيل ، فالنهاية محتومة لا تقبل التأويل ، فإن لم يكن ما يقوله بنيامين نتياهو كافي عن التهجير الطوعي ، فإن ما قاله سابقا وأكده لاحقا عن وجود دول قد أبدت الإستعداد لإستقبال أعداد كبيرة ليس محض خيال بل هو واقع يجري العمل عليه  .

جرت الصفقة أو لم تجري ، فمن لا زال يعتقد أن بنيامين نتياهو يضع نصب عينيه تحرير الرهائن كأولوية فهو واهم ، وانما هم باتوا بطاقة المرور لإستدامة الحرب ، وأن جرت وفق الشروط الإسرائيلية ، فهي تحصيل حاصل للعمليات الجارية على الأرض ، فعنوان الإنتصارات يبدأ وينتهي من هنا ، فلا النصر على ايران ولا أي من أذرعها في محيط اسرائيل يمكن أن يشتريه أحد ، ما دامت النيران مشتعله في حديقة البيت والتي قد تأتي على كل شيء ، فاليمين الإسرائيلي حلم بمثل هذا اليوم ، ولن تتوقف المعارك بأي حال من الأحوال قبل إنجاز المهمة ، وهي أعاداة السيطرة الأمنية على قطاع غزة ، وتهجير النسبة الأكبر من سكانه ، وقطع أي تواصل جغرافي له مع الضفة الغربية ، وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية متواصلة الأطراف وللأبد .

خلاصة القول :ـ

ذهب بنيامين نتياهو الى واشنطن وعاد منها مخلفا خيبة أمل لدونالد ترامب من ممارسة هواية الخيلاء ، فلا صفقة تدعو للإحتفال ، إذن فلتؤجل معها إحتفالية أشباه الإنتصارات الأخرى ، فلم يعد المكوث لوقت أطول في واشنطن ذي جدوى ، فضبط الإيقاعات مع واشنطن قد تم ، ولا بد من العودة لضبط ايقاعات الداخل المتفلت ، ذوي الأسرى الحانقين بشدة ، سموتريتش وبن غفير المتوعدين بإسقاط الحكومة ، معارضة تتربص به شرا ، فالموازنة بين إجراء الصفقة وإنتزاع نصف أوراق قوة حماس ، وبين تحقيق أهداف الحرب المعلنة والخفية ، هي كمن يسير في حقل ألغام لا يعرف الى متى وكيف سيتخطاه بنجاح ، ولن يجد وفق كل القراءات لمسار سلوك هذا الشخص طيلة الحرب ، سوى أيام تصعيد أكثر دموية ، فما لم يتحقق بالعنف فبالمزيد منه يمكن تحقيقه ، وهو قد بدأ بالتنفيذ الفعلي على الأرض وهو في طريق عودته من واشنطن ، فمحور موراج والمحافظه علية بات أكثر قيمة من تنفيذ صفقة وإنقاذ عشرة رهائن من فم الموت ، مما يعيد الى الذاكرة ما حدث قبل عام ، حين رفع شعار ضرورة المحافظة على محور فيلادلفيا عند تنفيذ أي صفقة وهو ما كان ، فهل سيعود حكام أمر واقع غزة لتكرار نفس السيناريو ؟ ما بين رفض فقبول ولكن بعد دفع أثمان باهظة بالأروح ومزيد من التدمير ! فهذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة والمفتوحة على كل الإحتمالات .          

 

تعليقات